Screen-Shot-2020-03-25-at-7.13.32-PM
Screen-Shot-2020-03-25-at-7.13.32-PM
أعمدة

هوامش .. ومتون : سعود الدرمكي .. في سطوعه الأخير!

15 أبريل 2020
15 أبريل 2020

عبد الرزّاق الربيعي

[email protected]

عندما وصلني خبر تعرّض الفنّان الكبير سعود الدرمكي لجلطة قبل أكثر من عام، قلت: عارض صحّي سيزول سريعا، فقد اعتدنا أن نراه بكامل أناقته، الداخليّة، والخارجيّة، في المناسبات الفنيّة، والخاصّة، واللقاءات العابرة، وقد نجح في الموازنة بينهما، فعنايته الفائقة بمظهره، لم تشغله عن تأثيت عالمه الروحي بالجمال، والحبّ، والطيبة، التي يعرفها جيّدا القريبون منه، وكنت على ثقة أنه سيتجاوز هذا العارض، فمثله ممن يحبّون الحياة، وعاشوا لفنّهم، لا يستسلمون بسهولة لمتاعب الجسد، التي تنوء بـ"النفوس الكبيرة" حسب وصف أبو الطيّب المتنبّي:

كلّ يوم لك احتمال جديد

ومسير للمجد فيه مقامُ

وإذا كانت النفوس كبارا

تعبتْ في مرادها الأجسامُ

ولكي تبقى صورته النمطيّة التي اعتدتها مخزونة في ذاكرتي، أجّلت زيارتي له، ولكنّ غيابه عنّا طال، حتّى وصلني خبر تكريم إمارة الشارقة له، وفوزه بجائزة الشارقة للإبداع المسرحي العربي في دورتها الثانية عشرة، إلى جانب رفيق مشواره الفنان صالح زعل، يومها وجدت الفرصة قد صارت سانحة لزيارته، والاطئنان على صحته، ومشاركته فرحته، تهنئته على فوزه بالجائزة،وفي بيته فوجئت حين شاهدت الفارس، وقد ترجّل عن جواد أناقته، ومعه ترجّل العنفوان الذي كان عناونا من عناوينه الشخصيّة، بل ترجلّت ابتسامته عن وجهه، وهو الذي كثيرا ما زرع الابتسامات في وجوه الجمهور العماني، والخليجي الذي اعتاد على مشاهدة مسلسلاته في رمضان، وكان آخرها قبل عامين في مسلسل "حارة الأصحاب" لأنيس الحبيب.

جرى ذلك قبل شهرين بالضبط من يوم رحيله، ولم أكن أعلم أن النجم كان في سطوعه الأخير!

ورغم الحالة المؤلمة التي كان عليها إلّا أنّه ظلّ متماسكا، فأحسسنا أنّ المحارب الذي دخل ميدان المسرح، والدراما في بدايات ظهورهما في السلطنة مع بزوغ فجر النهضة الحديثة في السبعينيات، سيخرج من هذه الصولة منتصرا بوجه وضّاح وثغر باسم!

في تلك الزيارة، حدّثنا عن تلك المرحلة الـتأسيسيّة التي شكّلت نواة حركة نمتْ، وامتدّت فروعها، وأثمرت، وكان الحصاد حبّ الجمهور، وقد ذكّرت له، وللفنان زعل الذي اصطحبنا إلى بيته، برفقة الشاعر سعيد الصقلاوي والإعلامي عامر الأنصاري، انبهاري بالتصفيق الحار للجمهور عند وقوفهما على المسرح قبل سنوات بعيدة بحفل أقيم بنادي الصحافة -سابقا- أقيم لتوزيع جوائز الإجادة الإعلامية، وكان من بين فقراته عرض قصير قدّماه حول متاعب المشتغلين في "بلاط صاحبة الجلالة"، ووسائل الإعلام، يومها عرفت المكانة التي يحتلّها النجمان الكبيران في نفوس الجمهور الذي أحبّهما كثيرا، كونهما برعا في أداء شخصيات قدماها بإطار كوميدي، عفوي، وتلقائي، فظلت شخصيته" سلوم الحافي" مطبوعة في ذهنه، مثلما طبعت صورة "الشايب خلف" الشخصية التي أدّاها زعل في مسلسل" مسافر خانه".

ولم يكتف الفنّان سعود الدرمكي، بالوقوف أمام الكاميرا، والميكرفون، وخشبة المسرح ممثلا، بل تجاوز ذلك إلى الجلوس في غرفة التحكم في الاستوديو الإذاعي، ليترجم النصوص المكتوبة إلى مسامع درامية، ومنوّعة، من خلال إخراجه العديد من المسلسلات التاريخية، والبرامج التوجيهيّة، في قضايا تهمّ الأسرة، والمجتمع منذ مطلع التسعينيات، حتى إحالته على التقاعد، قبل أكثر من عام، وتوديعه تلك الغرفة بحسرات، تاركا على رفوفها، وزواياها ذكريات سنوات طويلة مرّت ظلّت عزيزة على قلبه، ولم ينس التطرّق إلى بعضها في تلك الزيارة .

وكم تألمنا خلال مشاركتنا في (أيّام الشارقة المسرحيّ) في دورتها الأخيرة التي جرى خلالها تكريمه، تقديرا لتاريخه الفنّي، وسجلّه الحافل بالعديد من النقاط المضيئة، وكان مكانه فارغا، رغم أنّه كان من الحريصين على حضور دوراته السابقة، ورغم غيابه الحفل التكريمي الذي أقامته "الأيّام"، وتشرّفت بإدارته، انصبّ حديث الفنان صالح زعل، ومداخلات المشاركين، حول حضوره الفني الذي سيظل لسنوات طويلة بعد غيابه المفاجئ، فالفنان الحقيقي يبقى حيّا في وجدان الجمهور، والذاكرة الفنّيّة، وساطعا سطوع النجم في حضن مداره البعيد.