FILES-WORLD-ENERGY-OIL-HEALTH-VIRUS-PRODUCTION
FILES-WORLD-ENERGY-OIL-HEALTH-VIRUS-PRODUCTION
الاقتصادية

طوفان إمدادات النفط .. وإقتصاد العالم

27 مارس 2020
27 مارس 2020

دانييل يرجين وروجر ديوان- واشنطن بوست

ترجمة: قاسم مكي

وسط أجواء وقفِ النشاطِ الاقتصادي لمواجهة جائحة فيروس كورونا، تركَّز قدرٌ كبير من الاهتمام على عواقبها الوخيمة في قطاعي الطيران وتجارة التجزئة. لكن التطورات الأخيرة في صناعة النفط والغاز التي تشكل 60% من الطاقة العالمية مثيرة للقلق أيضا

تواجه تجارة النفط أزمة مضاعَفَة. فهناك الآثار الاقتصادية المؤذية لجائحة كورونا مع هبوط الطلب. لكن النفط تضرر أيضا من معركةٍ تُستَفرَغُ فيها كل الجهود حول الحصة السوقية ومن تزايدِ الإنتاج الذي يفاقم من انخفاض الأسعار. فمنذ بداية العام انخفضت أسعار النفط بنسبة 60% من 68 دولارا للبرميل إلى 27 دولارا، حسبما ورد في آخر تقرير عن موقف الأسعار، (تاريخ المقال 24 مارس).

هذا الوضع يؤذن بالمتاعب لأسواق الدَّين التي أقرضت مبالغ كبيرة لشركات النفط.

ومع وجود الاقتصاد العالمي في أزمة أصلا، قد يتضرر بشدة في الشهرين القادمين إذا اكتسح السوقَ فائضٌ لم تشهد له صناعة النفط مثيلا من قبل. وهذا مايبدو مرجح الوقوع في حال لم يُتَّخذ إجراء فوري.

يمكن أن تنتهي المعركة التي تدور رحاها من أجل حصة السوق بمكالمة هاتفية بين كبار المتنافسين. لكن نظرا إلى التشبث بالمواقف قد يتطلب وقف حرب الأسعار والتخفيف من اضطراب السوق تعاونا عبر إطار أوسع مثل مجموعة العشرين. فذلك سيتيح حوارا يتجاوز الانسداد الحالي (بين طرفي المواجهة) وتشارك فيه الولايات المتحدة ومجموعة أكبر من المنتجين والمستهلكين بما فيهم البرازيل والصين وفرنسا وألمانيا والمكسيك والمملكة المتحدة.

الواقع أن السعودية تتولى رئاسة مجموعة العشرين هذا العام وهي تسعى إلى إنجاح رئاستها. في سبيل ذلك دعت المجموعة إلى التنسيق في التعامل مع جائحة كورونا. ومن الضروري أيضا العمل معا، على نحو شبيه بذلك، لتلافي الضرر الاقتصادي من فائض غير مسبوق في إمدادات النفط.

بدأ التراجع في أسعار النفط في المرحلة الأولى لتفشي وباء كورونا عندما أدى "إغلاق" يناير في الصين إلى هبوط في الطلب العالمي بحوالي 6 ملايين برميل في اليوم في أول ربع (ثلاثة أشهر) من العام الحالي. وهو أكبر تدهور في التاريخ القريب ويزيد كثيرا عن التراجع الذي حدث خلال الأزمة المالية 2008-2009.

هذا الهبوط دقَّ إسفينا بين أكبر منتجَين في النفط (بخلاف الولايات المتحدة). إنهما مهندسا تحالف عام 2016 المعروف باسم "أوبك زائد" والذي بسط الاستقرار في السوق العالمية بعدما أدى الفائض في الإمدادات إلى انهيار الأسعار عام 2014.

في أوائل مارس الماضي تمسكت السعودية بإجراء تخفيضات كبيرة في إنتاج النفط للحيلولة دون هبوط الأسعار. لكن روسيا، التي يبدو أنها افترضت أن الأسوأ قادم "اقتصاديا" مع انتشار فيروس كورونا حول العالم، أحجمت عن الخفض الذي سيمحو منافعَه التدهورُ المتسارع في استهلاك النفط.

وبعدما أعدت موسكو نفسها للتعايش مع أزمة أطول أمدا يبدو عليها الاعتقاد بأنها، رغم اعتماد اقتصادها بشدة على الإيرادات النفطية، أكثر مرونة من المنتجين الآخرين.

ردت السعودية بسرعة وأعلنت أنها بصدد رفع إنتاجها إلى حده الأقصى بإضافة 2.5 مليون برميل في اليوم إلى السوق التي تعاني سلفا من فائض في العرض. ومن جانبها، قررت البلدان المنتجة الأخرى إضافة 1.5 مليون برميل آخر في اليوم.

لكن هذا الإمداد يتدفق إلى سوق النفط والغاز التي تشهد انكماشا سريعا في الطلب في المرحلة الثانية لأزمة كورونا مع توقف حركة الطيران وإغلاق مؤسسات الأعمال أبوابها وتعطيل النشاط الصناعي وإخطار الناس حول العالم بالبقاء في بيوتهم.

كل شيء يعتمد الآن على الكيفية التي ستكون عليها الأزمة في الأيام القادمة. لكن شركتنا " آي إتش إس ماركت" تقدر أن الهبوط في الاستهلاك قد يتراوح بين 10 إلى 15 مليون برميل في اليوم خلال الأربعة إلى الثمانية أسابيع القادمة أو ما يصل إلى 15% من الطلب العالمي. هذا سيكون تدهورا مريعا لم يحدث أبدا من قبل. ولن يكون بمقدور السوق حتى الشروع في التعامل مع فائض بهذا الحجم.

خلال أسابيع من الآن سيتضخم المخزون النفطي إلى ثلاثة أضعاف مستواه إبان انهيار الأسعار في الفترة 2014-2016. وستشهد الأسعار المنخفضة أصلا المزيد من الانخفاض مما سيدفع الشركات إلى غلق آبار الإنتاج والتراجع عن الاستثمارات الجديدة.

إزاء مثل هذا الفائض في الإمدادات قد تواجه البنية الأساسية العالمية لصناعة النفط والغاز، من آبار النفط إلى مضخات الوقود، سلسلة من الأعطال المؤذية. وعند هذا المعدل، ستحدث بنهاية أبريل اختناقات عملاقة في سلسلة الإمداد ببساطة لأنه قد لا يتوافر المزيد من السعة التخزينية.

قد تكون العواقب مدمرة للبلدان النامية التي توجد لديها أنظمة صحية هشة وتعتمد على الإيرادات البترولية. لكن يمكن أن تُلحِق الآثارُ السيئة المترتبة عن ذلك ضررا كبيرا بصناعة النفط والغاز الأمريكية والاقتصادات الإقليمية والأسواق المالية والقطاع الصناعي الذي ينتج معدات صناعة النفط. ستُفقَد وظائف عديدة وستتوقف شركات عن العمل وتختفي بذلك إيراداتٌ ضريبية فيدرالية وولائية ومحلية.

تأسست مجموعة العشرين قبل عقدين كي تجمع بين بلدان الاقتصادات الكبرى لحماية الاستقرار الاقتصادي ومواجهة الأزمات. إنها تتصدى لأزمة جائحة كورونا. ويلزمها أيضا مواجهة أزمة النفط بأسرع ما يمكن.

  • الكاتب يرجين، نائب رئيس مجلس إدارة شركة آي إتش إس ومؤلف كتاب قيد النشر بعنوان " الخارطة الجديدة: الطاقة والمناخ وصدام الأمم. ديوان، نائب رئيس الشركة ويتولى إدارة استراتيجية سوقي النفط والمال بالشركة