أفكار وآراء

محطــات على مســار الـذروة

25 مارس 2020
25 مارس 2020

مصباح قطب -

[email protected] -

بالنسبة إلى بلدان كثيرة فنحن في مرحلة ذروة كورونا المعدل، أي المرحلة التي تصل فيها الإصابات والوفيات إلى أعلى معدلاتها، ويترنح معها النظام الصحي للدولة، بحيث لا يكون قادرا على التعامل مع كل تلك الحالات، فيتخذ تدابير

لم يكن من الممكن تصور قبولها من قبل، مثل أن يترك عجوزًا لقدره أو لموته لكي ينقذ شابا. في تلك الظروف أيضا تصبح معنويات المجتمع على حافة خطرة. وبرغم أن الدائرة تضيق والخطر يتفاقم في تلك البلدان والتي تتصدر نشرات الأخبار في كل وقت، إلا أن من يمسكون بجمر الأمل ليسوا قليلين، ومنهم من هو مدفوع بحافز ديني روحي أو علمي منتظرا قرب اكتشاف لقاح، أو إنساني عام، أو يرى مثلي أن الفرج قادم مع حرارة أبريل كما كتبت من قبل.

لكن بعيدا عن أي انطباعات شخصية تعالوا ننظر إلى جوانب مختلفة من العبر والتداعيات الاقتصادية والاجتماعية على المستوى العالمي من منظور الكاتب أو حسب ما ورد في كتابات لخبراء كبار في صحف ودوريات عالمية.

١- ذكر كثيرون أن الأطباء وأطقم التمريض وباحثي الفارما كولوجي وفنيي المعامل وباقي أطراف العمل الصحي الذين يقفون على الخط الأمامي للمواجهة هم أبطال الإنسانية على الأقل في هذا الوقت العصيب، وذكر آخرون أن مصممي البرامج والتطبيقات الإلكترونية المختلفة يستحقون وصفهم بالأبطال أيضا فلولاهم لأصبح حتى العمل من المنزل أو عن بعد عموما مستحيلا، ولتوقف حال الدنيا في كل الدول التي تعاني، ولعمت الفوضى وساد اليأس المدمر.

مع ما تقدم ألفت النظر إلى بطلات وأبطال يستحقون أيضا أن يتصدروا لوحة الشرف بكل تأكيد وهم من تقدمن وتقدموا متطوعين ليتم إجراء تجارب العلاجات الجديدة عليهم رغم المخاطر الجمة التي تحيط بذلك. في تلك المنطقة أيضا فقد لاحظ الكافة كيف تلتفت ملايين عبر العالم إلى ما يقوله السيناتور (بيرنى ساندرز) عن العلاج المجاني والرعاية كحق لكل بني أدم بحيث إن كلامه سيبقى مؤثرا حتى لو خسر بشكل نهائي معركة الترشيح عن الحزب الديمقراطي للرئاسة، بل ومؤثرا في دوائر البيت الأبيض ذاته راهنا. ومن مفارقات القدر أن تحتفل أمريكا أو الديمقراطيون بخاصة، منذ يومين بمرور عشرة أعوام على صدور قانون أوباما كير، الذي حاول ترامب لاحقا خنقه أو تضييق نطاقه.

٢- كما قال خبير بارز (إنه حتى إذا تم احتواء التأثير الاقتصادي للوباء، فقد يكون قد مهد بالفعل الطريق لانهيار الديون) وانفجار مشكلة المديونية الدولية ومديونيات الدول الداخلية ومديونيات الشركات (صحيح أن هذا الخطر قائم منذ فترة طويلة وبرز على نحو حاد للغاية في تقرير للبنك الدولي يغطي الموقف حتى ٢٠١٩

لكن الخوف كل الخوف أن تؤدي التدابير النقدية والمالية الحالية التي تقوم بها الدول ووزارات المالية والبنوك المركزية وعلى رأسها، في كل التجارب، عبر ضخ مزيد من السيولة في الأسواق وتسهيل الاقتراض إلى انفجار مروع للمشكلة لاحقا، يظهر بالضبط في اللحظة التي تفيق فيها الدول من مأساة كورونا، فما الذي يمكن عمله وقتها وما تأثير ذلك على العملات الرئيسية والحروب التجارية والعملاتية، وعلى المصارف والشركات والنمو العالمي والاستهلاك والاحتياطيات وأسعار الأصول، علما بأن الأخيرة ستأخذ جرعة منشطة في كل البلدان التي عصف كورونا بحالها لكنها جرعة قد لا تستطيع الصمود في الأجل الطويل؟. يبقى فقط أن أضيف إلى الصورة قول مفكر اقتصادي).

إن الاقتصاد العالمي الذي يعاني بالفعل من نقص الطلب -بسبب ارتفاع الثروة وعدم المساواة في الدخل- أصبح الآن عرضة لصدمة هائلة من جانب العرض، وهناك نتيجة أخرى محتملة للوباء، وهي أقل إدراكًا ولكنها قد تكون أكثر أهمية: زيادة الهشاشة المالية، مما يعني احتمال حدوث أزمة ديون وحتى انهيار مالي أوسع. بعد احتواء COVID-19 وتنفيذ السياسات لتخفيف الوضع، ستتم استعادة سلاسل التوريد وسيعود الناس إلى العمل على أمل استعادة بعض دخلهم المفقود على الأقل لكن هذا الانتعاش الاقتصادي الحقيقي يمكن أن تعطله أزمات مالية وأزمات ديون لم يتم حلها).

٣- بعد أن استعرضت فيدريكا موجوريني في مقال يوم ١٧ مارس أشكال التدهور الراهن في السياسة الدولية وتفشي الانعزالية والتطرف اليمين قالت: اليوم، مع انتشار جائحة الفيروس التاجي في جميع أنحاء العالم، مما يعرّض الكثير من حياتنا للخطر ويهز أسس طريقتنا اليومية في الحياة، نحتاج إلى التساؤل عما إذا كان من المرجح أن يظل هذا النموذج(الانعزالي) هو السائد؟، هل سيؤدي الوباء إلى تعزيزه، أم أن هناك دروسًا نتعلمها؟.

هل يمكن للفيروس أن يتحدى بعض الافتراضات التي يقوم عليها المشهد السياسي العالمي الحالي؟ هل سيجعلنا نركز على ما يهم حقًا، على ما يوحدنا كبشرية، أم أنه سيغذي الشعور بالخوف والشك بين المجتمعات وداخلها، ويقسمنا أكثر، ويزيد من مستوى الخطاب والسلوكيات السامة التي سممت مجتمعاتنا بالفعل، وشلّت جزئيًا قدرتنا الجماعية على التصرف بكفاءة؟ هل سنستخدم هذه الأزمة كفرصة لاستدعاء بعض أخطاء السنوات الأخيرة بأسمائها، وتعديل مسارنا في النهاية إلى بوصلة واقع افضل؟.

المقال يشير إلى أمل يناوش الكثيرين حول العالم بأن يكون كورونا سببا في تحولات إيجابية على المستوى الدولي بل وعلى مستوى الداخل والمجموعات والأفراد. إنه تطلع مشروع ولا ينطلق من فراغ في تقديري فعالم ما بعد كورونا يقينا، ستحدث فيه تحولات ضخمة، بيد أن من المهم الإشارة إلى أمرين جوهريين، الأول أن البشرية المعاصرة بالذات، سريعة النسيان، وقد رأينا أن الدروس التي أنتجتها

الحربان العالميتان، واللتان راح ضحيتهما عشرات الملايين من البشر، فضلًا عن تدمير ملايين المنشآت والمساكن والشركات والمصانع والكيانات التي تبخر منها الكثير بل نقول تبخرت كلية، نقول رغم كل ذلك رأينا هذا التحول في سياسات الولايات المتحدة الأمريكية ذاتها باتجاه (أمريكا أولا) وهي التي كانت قد قادت العالم فعليا بعد ١٩٤٥ إلى الفترة الحالية.

الثاني: إن الذي نتصور أنه الفائز أو القوة الدولية التي ستحظى بالتتويج بفضل ما سبق وقامت به قبل كورونا ومعه وما أظهرته من فاعلية رهيبة في التصدي للجائحة... هذه القوة لا تملك أيديولوجية مختلفة عن أيديولوجية السوق... والسوق كما نرى هو الذي أنتج التفاوت الاجتماعي الشاسع والمديونيات وخصصة الطب وتدهور البيئة... صحيح قد تكون الممارسات العسكرية والسياسية الدولية للقوة الجديدة مختلفة لكن أرجع أسطرا إلى الوراء لنجد أن أمريكا ١٩٤٥ ليست أبدًا هي أمريكا الآن بمعنى أن تطور الاقتصاد والمنافسة والحاجة إلى أسواق وخامات يغير من سلوك الدول مع الزمن، لذا لزم التنويه.

٤- تقول (بافلينا تكرنيفا) في مقال ثالث: يجب على حكومة الولايات المتحدة أن تنهج كل ما تركته من سياسات اجتماعية في أوقات سابقة للتخفيف من التداعيات الاقتصادية لـCOVID-19، ليس فقط من خلال صرف الأموال لجميع الأسر، ولكن أيضًا من خلال تنفيذ ضمان عمل فيدرالي واتباع عديد من السياسات الأخرى التي طال انتظارها. بعد كل شيء. تداعيات جائحة الفيروس التاجي لن تكون مثل الأزمة المالية لعام 2008، ولن يتم تحقيق انتعاش مثيل من خلال التحفيز التقليدي - ولا حتى من خلال التحفيز التقليدي الهائل...

مع حزمة الاستجابة للفيروسات التاجية التي اعتمدتها أمريكا فإن أغلبية كبيرة من العاملين في القطاع الخاص بدون تغطية طبية وإجازة مدفوعة الأجر. لا تقدم أحكام الاختبار المجاني أي عزاء لأولئك الذين يعانون بالفعل من مرض خطير، أو الذين سيفقدون تأمينهم الصحي بسبب البطالة.

يجب على الولايات المتحدة أن تغتنم هذه الفرصة لجعل الإجازة مدفوعة الأجر والرعاية الطبية لجميع السياسات الدائمة.

جوهر المقال يدور حول ما يجب عمله في مجال تأمين حياة العمال الذين سيفقدون وظائفهم وتأميناتهم الطبية والفقراء والمهمشين. وبطبيعة الحال فقد شهد العامان الماضيان بنحو خاص نقاشات حامية وأبحاثا متدفقة حول تأثير التكنولوجيا على أسواق العمل والمخاطر التي سيتعرض لها محدودو المهارات في العالم المؤتمت. وجاءت الاضطرابات المروعة التي أحدثها كورونا في الاقتصاد كله لتفاقم من اختلالات سوق العمل غير أن الصورة لا يمكن أن تكتمل إلا بتوضيح بعد آخر وهو أن الأزمة أوضحت لنا جانبا لم نكن نراه ألا وهو أهمية الخدمات التي يقدمها لنا ملايين الباعة الجائلين في العالم أو العمال الذين يعملون لحساب أنفسهم ويعيشون يوما بيوم أو يعملون بأجور هزيلة وبلا أي ضمانات أو يعملون بأقل من الحد الأدنى للأجور كما في أمريكا أو بأجور ضعيفة في قطاعات رسمية بفعل قهر المنظومة كما في الصين.. كل هؤلاء أثبتت لنا كورونا أننا لا نستطيع حرفيا أن ندبر حياتنا بدونهم وفي تقديري أنه سيكون من نواتج الأزمة إدارة حوار جديد حول سوق العمل والعمالة اليدوية.

٥- نأتي إلى اللقطة الأخيرة حيث يقول أستاذ الاقتصاد ووزير مالية اليونان سابقا يانيس فاروفاكيس: إنه (إذا كانت هناك هيئة أوروبية واحدة أثبتت باستمرار عدم ملاءمتها لإدارة الأزمات الاقتصادية، فهي مجموعة اليورو لوزراء مالية منطقة اليورو. صحيح أنها سوف تستجيب لأزمة COVID-19 بإعلانات بطولية تبشر بأرقام مثيرة للإعجاب تخفي عدم أهمية السياسات المتفق عليها وجديتها). يدلل على ذلك بقوله (تكشف الحزمة الألمانية، التي تتألف من تأجيلات ضريبية وخطوط ائتمان كبيرة، عن سوء فهم خطير لطبيعة الأزمة. وهو نفس سوء التفاهم الذي تسبب في حدوث مشكلة فوارة في أزمة اليورو منذ عقد من الزمان. الآن، كما كان الحال آنذاك، تواجه الشركات والأسر الإعسار وليس نقص السيولة..... لقد مثلت اليونان في اجتماعات مجموعة اليورو في عام 2015، حيث تقرر هزيمة محاولات حكومتنا اليائسة لتجنب المزيد من القروض على حساب الركود الأعمق.

إن الطريقة المنهجية التي أغلقت بها اجتماعات مجموعة اليورو هذه أي طريق للوصول إلى أي نقاش عقلاني حول السياسات المالية المناسبة يحمل المفتاح لفهم سبب فشل مجموعة اليورو أيضًا في إقامة دفاع مالي فعال ضد الصدمة التي يسببها الوباء).

فاروفيكس يحمل على ألمانيا بشدة في مقالة وفي ضوء تجربته مع هيمنة ألمانيا من وجهة نظره، على قرارات المفوضية الأوروبية، أيام انفجار مديونية اليونان، لكن مقاله يشير إلى أنه لا يمكن تغيير مسار العالم اقتصاديا بدون مقرطة المؤسسات الحاكمة الإقليمية والدولية المعنية بالشؤون الاقتصادية والاجتماعية وأن تلتزم القوى المؤثرة في تلك المؤسسات بالحلول التوافقية الفعالة وليس بمصالحها هي فقط أو مصالح بيوت المال، وإيجاد بيئة مختلفة لعمل البنوك والبورصات وأسواق السلع، في الدول، وإلا لا فائدة ترجى من أي تحول يحدث بعد انقشاع كورونا.

اللقطات والعظات والعبر لا ولن تنتهى والمهم من يعتبر؟.