أفكار وآراء

العالم في مفترق طرق

24 مارس 2020
24 مارس 2020

عوض بن سعيد باقوير /صحفي ومحلل سياسي -

يمر العالم بأوضاع معقدة على الصعيدين الصحي والاقتصادي وحتى النفسي، وكما يقال المشاكل لا تأتي فرادى، حيث تزامن انتشار فيروس كورونا في العالم مسببًا الكثير من الذعر والهلع وآلاف الوفيات والإصابات، في عدد من الدول بدأت من ووهان الصينية إلى إيران وأوروبا والولايات المتحدة الأمريكية والدول النامية

وهناك الآن سباق محموم بين انتشار هذه الجائحة المعقدة وجهود عالمية في المجال الطبي لإيجاد لقاح ينقذ الملايين في العالم.

وفي نفس حدوث تلك المشكلة الصحية انطلقت حرب أسعار النفط خاصة بين روسيا أكبر منتجي النفط من خارج منظمة الأوبك والسعودية أكبر منتجي الأوبك، حيث هوت الأسعار بأكثر من النصف ليدور السعر حول أقل من ٣٠ دولارًا، ومن هنا يواجه العالم مشكلة صحية عالمية وأيضًا تدهورًا اقتصاديًا كبيرًا.

إنَّ الحرب الصحية وحرب أسعار النفط أوصلت العالم إلى مفترق طرق منذ قرن، حيث حدوث الإنفلونزا الإسبانية التي حصدت الملايين من البشر وذلك يعود إلى أن النظام الصحي لم يكن متطورًا كما هو الحال الآن، وعلى ضوء هذه المتغيرات فإن العالم أصبح مشلولًا في مجالات عديدة وأصبح الملايين قيد العزل المنزلي وتواجه دول العالم ظروفًا قاسيةً لمواجهة هذه التحديات في وقت متزامن.

إلى أين المسار؟

كما تمت الإشارة إلى أن الأولوية الآن هي لمحاربة فيروس كورونا الذي يشكل الخطر الأكبر أمام دول العالم المتقدم منها والنامي مع عمل احترازات في موازنات الدول من خلال خفض تلك الموازنات وإعادة النظر في المصروفات وإيجاد مقاربة بين المداخيل والتي سوف تتأثر سلبًا بالانخفاض الكبير لأسعار النفط وبين واجباتها الداخلية تجاه شعوبها خاصة معالجة المشكلة الأهم وهي وقف انتشار فيروس كورونا.

من هنا فإن حرب أسعار النفط كانت عملية كسر عظم بين كبار منتجي النفط، ومع ذلك فإنهم جميعًا سوف يخسرون مليارات الدولارات وحتى الولايات المتحدة الأمريكية وخاصة شركات النفط الصخرية قد سجلت عجزًا ماليًا كبيرًا في صناعة النفط وسوف يكون المخزون الاستراتيجي الأمريكي هو الرابح الأهم من خلال شراء النفط بأسعار رخيصة.

بعد انحسار مشكلة كورونا بعد سنة على الأقل حسب تقديرات الخبراء في المجال الطبي وانحسار الطلب على النفط خاصة من الصين ودول جنوب شرق آسيا فان اقتصادات الدول المنتجة للنفط سوف تواجه مصاعب كبيرة علاوة على الشركات والقطاع الخاص في ظل توقف خدمات النقل والطيران وكل مظاهر الحياة تقريبًا. ومن هنا فان مسار الأزمة الصحية والأزمة النفطية يتجه إلى الأسوأ في ظل تواصل فيروس كورونا وأيضًا حرب أسعار النفط.

الأنانية السياسية

بعد أزمة كورونا الصحية انكشف العالم بشكل مخيف، حيث أصبحت الدول المتقدمة كالولايات المتحدة الأمريكية وأوروبا في وضع حرج أمام شعوبها في ظل الفشل الذريع في مواجهة فيروس كورونا، فهناك ولاية نيويورك أصبحت منطقة كوارث ويتحدث عمدة الولايات بأن الأدوات الطبية كأجهزة الفحص والكمامات قد لا تكفي لأكثر من عشرة أيام وأصبحت الولايات المتحدة الأمريكية هي الدولة الرابعة من حيث شدة انتشار الفيروس وطبعًا هناك الأزمة الأكبر في إيطاليا وإسبانيا وإيران.

إذن هناك أنانية سياسية من خلال التركيز على صناعة السلاح والحروب والصراعات بعيدًا عن دعم مراكز البحوث العلمية ودعم الدول النامية والقضاء على الفقر في أفريقيا والدول المحتاجة، وخلال قرن تفرغت الدول المتقدمة لشن الحروب التي قتلت عشرات الملايين من البشر.

إذن كارثة فيروس كورونا ينبغي أن تعيد السلوك السياسي العالمي وتقييم النظام الدولي وإعادة النظر في سلوك الدول الكبرى فإيران، وهي تواجه أزمة كورونا وتفقد الكثير من البشر رفضت الولايات المتحدة الأمريكية رفع العقوبات ولو بشكل مؤقت عنها، وهنا يأتي العامل الأخلاقي في ظل الأزمات الإنسانية وهذه أحد الدروس الكبيرة.

إيطاليا الدولة العضو في الاتحاد الأوروبي والتي تواجه معضلة صحية كبرى وتحتاج إلى مسانده أوروبية، لم يحدث الكثير من تلك المساندة لتظهر الصين التي سجلت النموذج الأبرز عالميًا لاحتواء فيروس كورونا، وقد بادرت بمساعدة عدد من الدول من بينها إيطاليا وإيران وإسبانيا والعراق، وهنا تتجلى الأنانية السياسية في أقصى درجاتها وانكشفت الكثير من النوايا.

أما فيما يخص الأنانية السياسية في مجال حرب أسعار النفط فهي واضحة وسوف تسبب الكثير من فقدان مقدرات الشعوب وسوف تتعرض اقتصاديات دول المنطقة إلى متاعب كثيرة سوف تمتد لسنوات، ومن هنا فإن أزمة حرب أسعار النفط جعلت في منظمة الأوبك في موقف محرج وهذه المنظمة قد تتلاشى مستقبلا إذا استمرت تلك السلوكيات والتي تؤدي إلى حرب أسعار تكلف أصحابها الكثير من المشاكل الاقتصادية والاجتماعية، وسوف تهتز موازنات تلك الدول وتتجه مجددًا للاقتراض.

ومن هنا فإن المنطق يفرض إيجاد مقاربة في مجال حفظ مصالح الدول المنتجة للنفط وحتى المستهلكة من خلال أسعار عادلة، فتهاوي أسعار النفط، كما هو الحال الآن سوف يضر بالاقتصاد العالمي وأيضًا بالنمو والتنمية المستدامة.

إنَّ فيروس كورونا كغيره من الفيروسات سوف ينتهي أن شاء الله ولكن ستبقى هناك إرهاصات عميقة على الأصعدة الاقتصادية والنفسية وحتى السياسية خاصة المواجهة بين الصين والولايات المتحدة الأمريكية، كما أن العالم سوف يشهد جملة من المشكلات وقد نشهد عالمًا مختلفًا بعد أزمة فيروس كورونا.

وعلى ضوء ذلك يعيش العالم كابوسا مرعبًا في تلك الأزمات الكبيرة التي يواجهها صحيًا واقتصاديًا ونفسيًا في ظل الإجراءات القاسية للدول بهدف عزل الفيروس والقضاء عليه في مرحلة لاحقة.

الدروس الكبيرة

يواجه العالم الأنانية السياسية، حيث حرب الأسعار في مجال النفط وأيضًا حربًا أخرى أشد، وهي الحرب ضد فيروس كورونا والتي يجتاح العالم شرقه وغربه مخلفًا كوارث إنسانية واقتصادية كبيرة، ولعل الدروس التي سوف يخرج منها العالم بعد هذه المحنة كبيرة ومتشعبة، وهي أن العالم بكل تقدمه وجبروته وغروره وقف عاجزًا أمام فيروس لا يرى بالعين المجردة. وهذا درس أخلاقي وديني كبير لهذا العالم المتوحش في جانبه الرأسمالي الغربي.

ثاني تلك الدروس أن يكون هناك تعاون طبي وبحثي بين دول العالم بدلًا من التسابق على اكتشاف اللقاح بهدف جني أرباح للأسف وهناك دروس أخلاقية وإنسانية كبيرة في زمن الكورونا نسأل الله سبحانه وتعالى أن يحمي الإنسانية من الشرور التي أحيانا تكون بسبب سلوكيات البعض للأسف، أنه سميع مجيب.