assem
assem
أعمدة

الصحافة في زمن الكورونا

23 مارس 2020
23 مارس 2020

عاصم الشيدي

[email protected]

عزيزي قارئ جريدة عمان

عندما لا تجد الجريدة اليوم في منافذ البيع التقليدية التي اعتدت اقتناء نسختك منها، لا تعتقد أن ذلك عائد إلى تأخر وصول الجريدة، فالطرق سالكة جدا رغم الأمطار الغزيرة التي ما زالت تهطل على بعض محافظات السلطنة، الأمر مختلف تماما هذه المرة.

فهذا يوم فارق في تاريخ جريدة عُمان، وفي تاريخ الصحافة العمانية، عندما تتوقف للمرة الأولى جميع الصحف ورقيا عن الصدور، ويمر المساء دون صوت دوران المطابع في مدينة مسقط، ودون رائحة الحبر في مدينة الإعلام، ودون انتشار سيارات التوزيع في جميع المحافظات، ودون أن نرى الصحف مصطفة في منافذ البيع، العماني منها والخليجي، قد يعتقد البعض للوهلة الأولى إنه انتصار الإلكتروني على الورقي الذي تؤذن شمسه في العالم بالمغيب، لكن ليت الأمر كان كذلك، لعرفنا أننا انتقلنا من مرحلة إلى أخرى، بكل معطياتها ومتغيراتها ولكن الحدث أصعب من ذلك بكثير.

فقد وصلت الإجراءات الاحترازية التي أقرتها اللجنة العليا المكلفة بمتابعة مستجدات فيروس كورونا إلى اتخاذ قرار بمنع تداول الصحف الورقية لما في ذلك من إمكانية انتشار عدوى الفيروس عبر ملامسة أوراق الصحف وانتشارها بين الناس.

كان الأمر صعبا على جميع العاملين في الصحف الورقية، وعلى القراء الورقيين وهم كثر ممن ما زالوا مخلصين للورق ولرائحته، صعب أن يبدأ يومهم وهم يحتسون أول فناجين قهوتهم بدون جريدة يتصفحون أوراقها ويطالعون أخبارها في مشهد رومانسي لا يعرفه إلا من أدمن عصر الورق وأخلص له.

كان الأمر صعبا جدا عليّ وعلى الزملاء في جريدة عمان مساء أمس ونحن نعلم أن المساء سيمر بدون دوران المطبعة، والصباح سيمضي دون جريدة تصلك للبيت أو تجدها صباحا على مكتبك، كانت الوجوه تناظر بعضها والأسئلة تولد الأخرى عن شكل اليوم التالي، وفي البال كيف نبقى على اتصال مع القارئ بنفس القدر الذي كناه ولكن بشكل يتناسب مع القالب الجديد.

ورغم أن الأمر كان مفاجئا ودون سابق ترتيب مع الصحف لتسوية أوضاعها إلا أنه كان متوقعا في ظل الإجراءات الاحترازية في العالم أجمع التي تتخذها الحكومات من أجل إبطاء انتشار فيروس كورونا ومحاولة محاصرته عبر قطع الطرق المؤدية لنقل العدوى أو تقليلها.

ويبدو أن فيروس كورونا لن يغير فقط سلوكيات وعادات الناس الصحية إنما سيغير شكل العالم إلى الأبد على المستوى الاقتصادي والسياسي وعلى مستوى العلاقات القائمة بين الدول.. نحن بصدد عالم يتشكل وفق محددات جديدة ما زالت الأيام تفرزها وتعيد بلورتها. ولكن المؤكد أن العالم بعد فيروس كورونا لن يكون أبدا نفسه قبل ظهور هذا الفيروس.