أفكار وآراء

كيف أعادت الصين صياغة سردية التعامل مع كورونا؟

22 مارس 2020
22 مارس 2020

جيديون راكمان- الفاينانشال تايمز - ترجمة قاسم مكي -

بدأ اندلاع فيروس كورونا ككارثة دعائية بالنسبة للحكومة الصينية. لكن الآن، مع الانخفاض الحاد في عدد الحالات الجديدة في هناك وارتفاعها السريع في الولايات المتحدة وأوروبا أعادت بيج ينج صياغة قصة الفيروس.

الحكاية الجديدة التي تحكيها الصين تشير إلى نجاح الحزب الشيوعي في اتخاذ إجراءات بالغة الصرامة للسيطرة على المرض. وهي تقارن ذلك بالتعامل الفوضوي مع المرض من جانب الولايات المتحدة ومعظم أوروبا.

تم إعداد هذه الرواية للأحداث للصينيين في الداخل وأيضا للاستهلاك العالمي (في الخارج). وإذا وجدت رواجا ستظل الآثار الجيوسياسية لفيروس كورونا باقية حتى بعد إيجاد لقاح له. وسيعتنق أناس جدد فكرة أن الصين في صعود والغرب في تدهورٍ لا رجعة منه. وسيكون هنالك المزيد من الجرأة في الدفاع عن السلطوية (نظام الطاعة الصارمة للسلطات على حسب الحرية الشخصية - المترجم) ضد الديمقراطية في كل من الصين والغرب.

بدأ هذا التحول في الأحداث (انتقال الأزمة إلى الغرب) مستبعدا عندما استحكم الفيروس في الصين. لقد ساعدت الممارسات غير الآمنة في أسواقها والإخفاء الرسمي للمرض على انتشار الفيروس وخروجه من السيطرة مما ساهم في الإحساس بأن الصين صارت بلدا منبوذا.

لكن حتى في ذلك الوقت أصرت الأصوات الموالية للنظام في الصين على أن الحزب الشيوعي سيخرج بريئا من مسؤولية التسبب في الأزمة. وقال لي إريك لي، وهو معلق سياسي قومي النزعة، في أواخر يناير: إن «قدرة الدولة والثقافة الجماعية هما الخصيصتان القويتان على نحو فريد للنظام السياسي في الصين. وهما، في نهاية المطاف، ستمكناها من التصدي لهذه الأزمة بنجاح».

وقتها بدا هذا القول استماتة في المحاججة من جانبه. لكن الصين حبست حقا 60 مليون شخص في إقليم هوبي في بيوتهم وفرضت قيودا على حركة مئات الملايين. حتى الآن يبدو أن هذه الإجراءات نجحت. لقد عبر نيكولاس كريستاكِس وهو بروفيسور بجامعة ييل عن شعور واسع الانتشار حين مدح الصين على «الإنجاز المذهل من وجهة نظر الصحة العامة».

ومع انحسار الفيروس في أراضيها، اتجهت الصين إلى إبداء استعدادها لمساعدة باقي العالم. فمؤخرا طار أطباء صينيون إلى إيطاليا بحوالي 31 طنا من الإمدادات الطبية الطارئة ووصلوا إلى هناك حين بدأ الإيطاليون في التذمر من انعدام الدعم من جيرانهم في الاتحاد الأوروبي.

تستخدم آلة الدعاية الصينية هذا التحول في الأحداث لِكَيلِ الثناء للرئيس شي جينبينج والنظام الصيني.

فمؤخرا افتخرت صحيفة الشعب اليومية بأن الصين «يمكنها استجماع الخيال والشجاعة المطلوبين لمعالجة الفيروس فيما تواجه الولايات المتحدة مشقة في سبيل ذلك». بل ادعى مقال نشرته وكالة شينخوا للأنباء أن تعامل شي مع الأزمة يوضح بالبيان العملي أن لديه « قلبا طاهرا مثل قلب الوليد».

هذا النوع من المديح مدعاة للهزء. لكن تصرف الزعيم الصيني يبدو جيدا حقا مقارنة بتخبط الرئيس دونالد ترامب الذي أشار في مرات عديدة إلى أن المرض سيختفي بطريقة «مُعجٍزة» أو أنه خدعة نصبها أعداؤه. من السهل للعديد من الليبراليين الغربيين تقريع ترامب لكن ماهو أصعب من ذلك الإقرار بعيوب النظام الديمقراطي الأمريكي أو علاج عيوب هذا النظام الذي وضع ترامب في البيت الأبيض.

لقد كشف النظام الأمريكي عن نقائص أوسع نطاقا مثل الحالة المزرية لنظام الصحة العامة والذي لم يتح حتى الآن سوي إجراء فحص لعدد بالغ الضآلة على نحو لافت. وقد تكون نتيجة كل هذا العطب السياسي فقدان أرواح الآف الأشخاص دون ضرورة لذلك.

في الأثناء تحولت أوروبا إلى مركز للوباء. لقد كان أحد أسباب تردد حكومات الاتحاد الأوروبي وبريطانيا في اتخاذ الإجراءات بسرعة انعدام القدرة على توظيف الخيال. لكن هذا التردد أيضا عكس المصاعب التي ستواجهها الأنظمة الديمقراطية في الاستمرار في فرض القيود «الصينية» لفترة طويلة. فمع اتخاذ أسبانيا وإيطاليا وفرنسا ضوابط قاسية تَحُدُّ من تحركات الناس تتعرض القدرات الإدارية والاجتماعية للديمقراطية الأوروبية لاختبار «إجهاد» غير طبيعي.

لا يزال الوقت مبكرا جدا للتسليم بصواب حجة السلطويين. ففي آسيا يبدو أن أداء الأنظمة الديمقراطية في كوريا الجنوبية وسنغافورة وتايوان كان جيدا في كبح انتشار العدوي دون اللجوء إلى «حبس الناس». بدلا عن ذلك اعتمدت الحكومات في تلك البلدان على إجراء فحص واسع النطاق والتطبيق السريع للمباعدة الاجتماعية. وهذه إجراءات ربما كانت الولايات المتحدة وبلدان الاتحاد الأوروبي بطيئة جدا في تبنيها.

أيضا لا تزال الحكومة الصينية تواجه أسئلة محرجة من شاكلة لماذا تركت الفيروس يخرج عن السيطرة في المقام الأول وما الذي سيحدث عند تخفيف قيود الحركة. ينعكس القلق الرسمي بشأن هذه المسائل في اختفاء بعض الذين تجرأوا على انتقاد تعامل الرئيس شي مع الأزمة؟

كما أبان بعض المسؤولين الصينيين عن قلقهم من التملص عن المسؤولية بالإيحاء أن الولايات المتحدة هي مصدر (كوفيد-19) .

هذا النوع من الدعاية الفجة يبدو غير ضروري لأن السردية العالمية عن فيروس كورونا تصبُّ في مصلحة الصين. بالطبع يمكن أن يتغير هذا الوضع مع توالي الأحداث بسرعة مربكة. لكن في الوقت الحاضر يبدو أن الصين تجاوزت الأسوأ. هذا في حين بدأ تفشي الوباء في الغرب لِتَوِّهِ.

لقد تسببت آخر أزمة عالمية ( الانهيار المالي في عام 2008) في فقدان الغرب لثقته بنفسه وانتقال النفوذ الاقتصادي والسياسي نحو الصين. ومن الممكن أن تقود أزمة كورونا في عام 2020 إلى انتقال أكبر في نفس الاتجاه.