أفكار وآراء

إرادة التغيير في الإدارة الاقتصادية

22 مارس 2020
22 مارس 2020

يوسف بن حمد البلوشي

[email protected] -

الفرص السانحة لا تتكرر كثيرا وعمان أمام فرصة مهمه تتطلب حشد الهمم وضبط بوصلة التنمية والعمل كفريق وشراكة بين جميع الفاعلين في العملية التنموية من خلال نموذج تتعدد فيه محركات النمو. فالسلطنة تمر بمرحلة حساسة مثلى للتغيير في النموذج التنموي القائم- من وجهة نظري- والذي أدى دوره بنجاح في المرحلة المنصرمة وبات التغيير حتميا. ولا شك أن الزخم الإيجابي المحلي وسلاسة انتقال الحكم عوامل مهمة تساعدنا في تسريع وتيرة تحول السلطنة إلى اقتصاد إنتاجي ينعم بدرجة عالية من الاستقرار والاستدامة. ولا يخفى أن هناك عدد من المتغيرات والتحديات التي تفرض إيقاعا مختلفا وتتطلب مقاربة تنموية جديدة تستهدف توسيع القاعدة الإنتاجية في المرحلة المقبلة.

تحتاج عمان في المرحلة القادمة إلى نمط يعمل على تعظيم الاستفادة من الجاهزية الكبيرة للبنية الأساسية والبشرية والموارد الطبيعية للسلطنة، إضافة إلى مكانتها العالمية. وذلك بالاعتماد على الاستثمار والإنتاج والتصدير كركائز للتعامل مع التحديات التنموية المتمثلة في تنويع القاعدة الإنتاجية، وإيجاد فرص عمل منتجة لأبناء السلطنة. الأمر الذي لن يتأتى دون نشر ثقافة العمل الحر، وريادة الأعمال، والاستثمار، والحد من جاذبية العمل في القطاع الحكومي المستندة أصلا على ثقافة الاتكالية.

إن المستقبل ملك من يصنعه، ونحن قادرون في السلطنة على صناعة المستقبل الذي يضمن الحياة الكريمة ويوفر الوظائف المنتجة لأبناء هذا الوطن. فالاقتصاد العماني اقتصاد صغير نسبيا يوائم عدد السكان الصغير أيضا والموارد عظيمة والمساحة كبيرة والموقع متميز، ولدينا علاقات دولية مميزة مع جميع الدول تمكننا من الحصول على ما ينقصنا من تمويل وتكنولوجيا وأسواق. وبذلك نمتلك كل الحلول ولا نحتاج- في نظري- إلا إلى خطة خمسية واحدة فقط للانطلاق إلى آفاق رحبة من التنمية ومعالجة المعضلات الاقتصادية في تنويع الاقتصاد وإيجاد فرص عمل لأبناء هذا الوطن وتحقيق الاستدامة المالية. ولكن الأمر يتطلب فهم عميق للمتغيرات الاقتصادية والاجتماعية وإدارتها من منظور شمولي بفكر جديد يمتلك المعرفة والشغف والابتكار.

إننا دائما ما ننادي بأهمية الأخذ بزمام المبادرة من الجميع والبدء باتخاذ إجراءات عملية كل فيما يخصه وعدم إضاعة الفرص والوقت وانتظار رحمة أسعار النفط، وكلها رهانات غير مضمونة. ولا يوجد ما يمنع أيا منا سواء كنا أفراد في المجتمع أو أصحاب مؤسسات أعمال أو موظفي حكومة من تنظيم صفوف الإنتاج والعمل في كل شبر من كل موقع.

إن إعادة هندسة الاقتصاد العماني تستوجب الاستفادة من أدوات جديدة وإعادة توظيف وتطبيق أدوات قد تكون لم تنجح في المرحلة الماضية ولكن بحوكمة وإدارة جديدة قد تؤتي أكلها، والكل على يقين بأننا سوف ننجح. ومن الأمثلة على ذلك الشركات الأهلية في الولايات والمحافظات.

إن تحويل الرؤية المستقبلية للسلطنة إلى واقع ملموس والانتقال من التخطيط إلى مرحلة التنفيذ هو رهاننا القادم الذي تكتنفه العديد من التحديات التي توفر الرؤية حلولا لها من منظور تطبيقي، مثل تعزيز مبدأ اللامركزية في إدارة التنمية على المستوى الوطني من خلال اتباع نهج التنمية الإقليمية المتوازنة التي تقود إلى تحقيق تنمية شاملة ومستدامة. وإعادة هيكلة الجهاز الإداري للدولة وتعزيز نهج اللامركزية الإدارية والاقتصادية الذي تتبناه رؤية عمان 2040 والذي يسعى إلى منح صلاحيات إدارية واقتصادية واسعة للمحافظين باتخاذ إجراءات من شأنها أن تعزز من التحول المنشود في إعادة الهيكلة والحد من تمركز القرار بحيث تتنافس الولايات في ابتكار الأدوات التي من شأنها إدارة الفرص الاستثمارية وتسويقها بما ينعكس على إدارة وتنظيم سوق العمل والرسوم البلدية والتراخيص البيئية والاستثمار. وتسهيل اتخاذ القرار ومشاركة القطاع الخاص في العملية التنموية ضمن نظام حوكمة فعال.

هناك حاجة ملحة أيضا للتحول في فلسفة إدارة جميع المرافق العامة والشركات بحيث يتم التركيز على أجندة التحول الاقتصادي والاستثماري والمؤسسات العامة والخاصة بما يساعد الاقتصاد العماني على إعادة الانبثاق وإثراء المستقبل الاقتصادي للسلطنة.

إن لكل مجتمع نسيجه الاقتصادي ومكامن القوة التي تحتاج إلى تعظيم ومكامن الضعف التي تحتاج إلى تمكين. ما يعني ضرورة تشكيل فهم عميق للترابطات والتشابكات الاقتصادية الناتجة عنها، وإدراك تأثيرها على الإنتاج والاستهلاك والمضاعف الاستثماري والتشغيل والإنتاجية الكلية في الاقتصاد العماني. مع تهيئة بيئة الأعمال وإصدار القوانين وتوفير البنى الأساسية وتوافر الموارد الطبيعية من خلال إطار تنفيذي فاعل وواضح وتنافسي.

ويتطلب ذلك إعادة صياغة العلاقة بين القطاعين العام والخاص وتعزيز مبدأ الشراكة وجذب الاستثمار الأجنبي باعتبارها أبرز عناوين المرحلة القادمة. ورفع جاهزيتها وتنافسيتها للاستثمار الفرص التي تفرزها الظروف الإقليمية والعالمية. وللنجاح في مساعي جذب الاستثمار الأجنبي المباشر والذي يعد عنصرا ضروريا في وصفة العبور إلى تنمية مستدامة ومواجهة رياح التغيير. ولتسريع الخطى وبدء مرحلة جديدة من الإنجاز لا بد من تغيرات جوهرية ذكية الفيصل فيها إدارة الملف الاقتصادي بشكل مختلف مبني على فهم عميق للمتغيرات المختلفة وقدرة على بناء منظومة تعمل فيها محركات النمو بانسجام وتناسق تام من خلال إدارة الملف الاقتصادي من قبل فريق يحمل فكرا اقتصاديا متجددا وفهما شموليا لهذه الترابطات، ويعمل لبناء مستقبل تعمل فيه محركات النمو بانسجام وتناسق تام.

وأيًا ما كان الأمر، وأخذا في الاعتبار أن التنمية ليست عملية آلية أو جزئية ولا تحدث تلقائيا ولكنها شاملة وتعتمد بدرجة ملحوظة على رغبة وإرادة أفراد المجتمع. فإن التعامل مع التحديات الاقتصادية والمالية للوضع الراهن تتطلب حزمة من البرامج والسياسات تستهدف بشكل رئيسي تغيير بعض القناعات وتحفيز قطاعات الإنتاج والتصدير والتشغيل.

التحرك في الوقت المناسب وبالسرعة المناسبة بات أمرا لا مناص منه، والجميع مطالب بشحذ الهمم نحو مضاعفة العمل لتحقيق التحول المنشود. فزمن التمني لا يحقق عوائد في عصر الأرقام، إنما زمن التفكير الجاد للخروج من الأزمة المالية والاقتصادية التي تلوح في الأفق والناجمة عن تزايد أعداد الباحثين عن العمل وانخفاض إيرادات النفط وارتفاع الدين العام وتدني التصنيف الائتماني وارتفاع درجة عدم اليقين في أسواق النفط.

إن الحراك الاقتصادي والاجتماعي المطلوب تتساوى فيه كل القيم المستقبلية بنفس الأولوية إلا أن التغيير في الإدارة الاقتصادية هو الحصان الذي يجر عربة التنمية ويحرك مضامير النمو من حولنا، ومنه تكون البداية.