ghada
ghada
أعمدة

زمن الكورونا

20 مارس 2020
20 مارس 2020

غادة الأحمد -

تعيش البشرية حالة من الهلع والخوف والانعزال لم تشهدها عبر تاريخها، وسبب ذلك يعود إلى ظهور فيروس «كورونا» العابر للحدود والقارات والدول: المتقدمة منها والمتخلفة.. لكن الفرق يكمن أولاً وأخيراً في كيفية التعامل معه، وفي مواجهته بالبحث العلمي الجاد لإيجاد المصل المضاد له واللقاح المناسب لتفادي الإصابة به.

فماذا أعطانا كورونا من دروس وعِبر؟!

لقد وضع هذا الفيروس البشرية جمعاء في جبهة واحدة ضد عدو لا يُرى بالعين المجردة؛ ووضع حداً لغرور الإنسان وتعاليه بما وصل إليه من اكتشافات علمية خارقة أوصلته إلى الفضاء وجعلت العالم قرية واحدة باكتشافه الإنترنت و.. وقال له: قف عندك، لست المتحكم في هذا العالم وحدك وعلمك ليس إلهاً، وإنما هو جزء منك أيها الفاني.

لقد وضعنا الفيروس أمام حقيقة أن الحروب التي خاضتها الرأسمالية الجشعة والفتن التي تدار حول العالم مجرد لعبة صبيانية أمام خطر الفيروس الذي أقضَّ مضاجع البشرية وأسقط الحدود بين القوى العظمى والصغرى.. بين القوي والضعيف بين المركز والهامش والشرق والغرب والشمال والجنوب والمفارقة أن تتسبب جرثومة بجعل التساوي بين البشر أمراً ممكناً بلا تمييز بين غني وفقير وبين أبيض وأسود.

يقولون: إن البشرية تحتاج كل مائة عام إلى وباء كي تصحو، ولأنها اعتادت التأسيس المحترف للأمراض ستنفق كل ما ادخرته كي تنجو.. وتعيد الكرّة من جديد كأن شيئاً لم يكن. فمن الطاعون إلى الجدري والكوليرا وأنفلونزا الخنازير وغيرها الكثير ارتكبت البشرية المظالم ذاتها ثم عادت إلى النقطة نفسها من الانهيار نتيجة حتمية لما زرعت يداها.

البشرية اليوم أمام اختبار أخلاقي قبل أن يكون اختباراً علمياً وبحثياً لإعادة صياغة عالم جديد بلا كراهية ولا حروب ولا اعتداءات على الطبيعة، عالم يسوده العدل والمحبة والخير والجمال. فهل سيشكل «كورونا» صحوة للإنسانية؟! أم أنه سيخضع هو الآخر لقانون السوق والمتاجرة بالناس حتى آخر رمق كما يحدث بين الولايات المتحدة وألمانيا وتسابق شركات الدواء على إنتاج مضاد وصناعة لقاح.

الصين أعلنت التغلب على الفيروس ليس بقوة إمكاناتها فحسب بل بالتزام شعبها بتعليمات الحكومة وهذا درس وعبرة، لنا نحن الشعوب العربية.

وإعادة النظر في المنظومة الصحية والبحث العلمي يجب أن يكون على سلم الأولويات في التخطيط لحكوماتنا العربية وتخصيص المليارات للبحث العلمي والعلماء وليس للرياضيين والفنانين فهؤلاء لن ينقذوننا في زمن الكوارث والجوائح والأوبئة.. زمن الكورونا؟!

للحب أولوية لا شك في هذا الوقت بالذات يبدأ بأحبتنا ثم شعبنا.. ثم كل شعوب العالم ولا يمكن لإنسان استثناء إنسان من التضامن معه في هذه المحنة، التضامن الأخلاقي المليء بالحب والمساندة حتى ولو بكلمة هو ما يجعلنا نهزم الكوارث الفيروسية بكافة أشكالها.

في الختام أقول: إن كان البقاء في عالم الطبيعة من نصيب الأقوى والأذكى والأنشط، فإننا معرضون للانقراض والفناء إذا لم نبدأ بإجراء إصلاحات حقيقية في حياتنا ورؤيتنا ونظامنا السياسي والاقتصادي والصحي، وإذا لم نغير ما بأنفسنا ونغلّب قيم المحبة والتسامح والخير والتعاون!