أفكار وآراء

لنبدأ العمل.. فالمستقبل ملك من يصنعه

18 مارس 2020
18 مارس 2020

يوسف بن حمد البلوشي -

[email protected] -

تمر دول العالم قاطبة بمحنة عظيمة جراء فيروس كورونا وتداعياته على مختلف الجوانب الاقتصادية والاجتماعية. وتتعاظم المحنة وتبعاتها على الدول النفطية، ومن بينها السلطنة للعديد من الاعتبارات أولها أنها تعتمد نسبيًا في دخلها على النفط الذي تعرضت أسعاره للانهيار بسبب الانخفاض الحاد في الطلب الناجم عن توقف النشاط الاقتصادي في الصين أكبر المستهلكين، وكذلك دخول الدول النفطية المصدرة لحرب أسعار فيما بينها ما عمّق من المشكلة. وثانيًا، أنها تعتمد على استيراد السلع والخدمات في تلبية الطلب المحلي لديها وتلعب الصين دورًا مهمًا كأكبر الموردين في العالم، ناهيك عن تعرض خطوط الإمداد وحركة السلع بين الدول للعديد من التعقيدات للحد من انتقال العدوى. والقلق الأكبر ما يشير إليه بعض المحللين من أن هذه التداعيات ستكون أعمق في المرحلة القادمة.

إنَّ بلاء كورونا وانهيار سعر النفط الذي يعد وقود التنمية في السلطنة يضعنا جميعا أمام مسؤولية جديدة، أساسها الوعي الاقتصادي والاجتماعي ما يتطلب أن نشمر عن سواعدنا جميعًا والبدء بالعمل الجاد الدؤوب فالعالم اليوم لا يمكنه أن يساعدنا فهو شريكنا في الأزمة العالمية (كورونا) إضافة إلى الأزمات الاقتصادية.

إذا لم نعد نحتاج لمزيد من الدروس عند كل أزمة لنستنهض قدراتنا، ولا سبيل أمامنا إلا مساعدة أنفسنا، ومستقبلنا بين أيدينا فقط وليس بيد الغير. وسلطنتنا تمتلك كل مقومات الاعتماد على النفس من موارد طبيعية، وبشرية، وبنية أساسية، وموقع استراتيجي، وقيادة حكيمة أوجدت للسلطنة مكانًا مرموقًا بين الأمم وتحظى باحترام وتقدير وثقة جميع الدول، وهو ما يمكننا من اجتذاب ما ينقصنا من التمويل والخبرات والتكنولوجيا والوصول إلى أسواق العالم. مؤمنين بشعارنا «لنبدأ العمل» وسعار رؤيتنا المستقبلية «نتقدم بثقة».

(كورونا) تحد جديد يزاحم التحديات الراهنة في السلطنة من ارتفاع أعداد الباحثين عن عمل، وتسارع وتيرة ارتفاع الدين العام وانخفاض التصنيف الائتماني. وإني -كعادتي- ومعظم العمانيين قد يتفقون معي بأن عُمان تملك كل الحلول والإمكانيات والموارد والجاهزية للتغلب على جسامة التحديات، وهي دائمًا تمتلك الفرص التي تقود نموذجًا تنمويًا جديدًا يمكّن السلطنة من جني ثمار استثماراتها في مختلف الأصعدة، إنه نموذج التحول الذي لم يعد خيارًا بل ضرورة ملحة. ولتحقيقه يجب البدء فورًا في النزول إلى ميدان العمل. فالإنسان العماني هو العنصر الأول الذي يجب أن يقتنع بحتمية وضرورة التحول ثم يبدأ بتغيير نفسه وتغيير ما حوله، مسترشدا بقوله تعالى: «إن الله لا يغير ما بقوم حتى يغيروا ما بأنفسهم»، فالنتيجة المختلفة تحتاج إلى سلوك مختلف، كما يحتاج التغيير إلى جهد ومثابرة من خلال اكتساب مهاراته والتركيز في ممكناته لتحقيق توازن مثمر في التفكير والتخطيط ومن ثم البناء والتنفيذ.

إنَّ الاستسلام لسيناريو تتكالب فيه التحديات وتتفشى الأمراض وتهوي الأسعار هو خيار العاجز الذي لم يدخل تاريخ عُمان، إنما خيارنا كعمانيين يتطلب ثباتًا وجسارةً وشغفًا وابتكارًا وساعات عمل طويلة وحبًا عظيمًا لتراب هذا الوطن وتعاضدًا بين أفراد المجتمع ومؤسسات الأعمال والحكومة. وإنزال خرائط الملف الاقتصادي من الأرفف والبدء في العمل بدماء تملك روح الشباب ومستندة على معرفة عميقة لترابط المتغيرات الاقتصادية والاجتماعية. وبدء عملية تغيير شاملة تمس جميع مفاصل العملية التنموية، في أدوات وأسلوب وآليات التنمية. تركز على قيم الإنتاج والادخار والاستثمار وريادة الأعمال.

إن منعة الوطن بيد أبنائه وعلينا جميعًا أن نساهم في عبور هذه المرحلة الحساسة ونلتف حول قيادتنا ونتكاتف فيما بيننا ونغير بعض قناعاتنا إلى قناعات العمل ورفع الإنتاجية والأخذ بأسباب النجاح. فلا خير في أمة تأكل ما لا تزرع وتلبس ما لا تنسج وتستفيد من خدمات لا تنتجها. وعلينا ألا نلوم إلا أنفسنا في تضييع الفرص المتاحة والاكتفاء بإلقاء اللوم على فيروس كورونا أو أسعار النفط أو الحكومة أو الأوضاع الجيوسياسية ونحن نملك كل الحلول وقيادة نذرت نفسها لخدمة هذا الوطن وخارطة عمل جاهزة اشترك الجميع في صياغتها هدفا هدفا، وتوجها توجها.

رحم الله أبا القاسم الشابي حين قال: «أُبَارِكُ في النَّاسِ أَهْلَ الطُّمُوحِ وَمَنْ يَسْتَلِـذُّ رُكُوبَ الخَطَـر». شمس عمان مشرقة والأرضية جاهزة للانطلاق، وكما يقال زرعوا فأكلنا ويجب علينا أن نحسن الزرع اليوم لتأكل من بعدنا الأجيال القادمة.