1449310
1449310
المنوعات

منى الزريقات: «نحن بحاجة إلى شلالات من الترجمة حتى نعيد التواصل مع العالم»

01 مارس 2020
01 مارس 2020

شاركت العديدين في عمان المحبة بينها وبين كتبها -

حاورتها - بشاير حبراس:-

بدت لي وكأنها امرأة خلقت بابتسامتها، تنظر في هاتفها ثم ترفع رأسها، وتتحدث مع زائري جناحها -جناح دار المنى- وهي بنفس الابتسامة الدافئة، تغرق في أحاديثها مع الناس خاصة الذين يعرفونها ويتذكرونها جيدا، وتؤكد لهم أنها لم تنساهم. هكذا رأيتها لأول مرة، امرأة أنيقة بقميص أبيض وشعر ذهبي وجاكيتة خضراء، وعقد من اللؤلؤ الصغير. شعرت وكأنني أعرفها منذ وقت طويل، أو ربما هكذا شعرت لحرارة مصافحتها. كانت هذه منى الزريقات هانينج أردنية الأصل وتسكن في السويد منذ خمسين عاما.

دخلنا مباشرة في حديثنا الصحفي، فقالت بسعادة كبيرة كأم عاد أبناؤها للتو من سفر بعيد: «لقد تركت أثرا في عمان لم أكن أعرف عنه شيئا»، لم أشأ أن أطرح سؤالا في البدء كنت أسر لنفسي أنها امرأة الأحاديث الجميلة التي أبحث عنها، فتابعت: «يبدو أن جيلا كامل في عمان والعديد منهم سمعوا عن دار المنى، أو قرأوا من كتب دار المنى. خصوصا في هذه المرة تأتيني شابات عمرهن 24 سنة أو طلاب عمرهم 18 سنة، ويقولون لي أنهم قرأوا كل كتب هذه المكتبة، وأنني تركت أثرا فيهم، شيء جميل أن أسمع ذلك. علاقة دار المنى مع القارئ دائما علاقة حميمية وعلاقة تعارف، وكنت دائما أتكلم عن كتبي، وعن مضامينها، لم تكن الدار مكانا للبيع فقط بل مكان للحوار ولتبادل الأفكار والاقتراحات، وما أعجب به القراء. شعرت أن المحبة التي كانت بين وبين كتبي التي اخترتها وشاركت بها العديدين في عمان، بحيث صاروا يشاركون محبتي لنفس الكتاب، فإذا كنتِ أنت وزميلة لك أحببتما نفس الكتاب وتكلمتما عنه أكون بذلك خلقت نوع من الصداقة الإنسانية الفريدة من نوعها، الصداقة المتعاطفة والصداقة المخلصة. الصداقة في أن تتكلمي وتعبري عن رأيك سلبا أو إيجابا بكل تقبل».

فسألتها أن تحكي لي بعضا من طفولتها كونها مهتمة بكتب الأطفال أيضا، فقالت وهي تنظر في الأفق صوب الناس المارين قرب الجناح: «طفولتي طفولة سعيدة جدا، نشأنا في بيت أردني يحب الشعر، وكان غنيا بالأطفال، وكلنا ذهبنا إلى مدارس حكومية، و«كنا شاطرين»، وأخذنا بعثات. كانوا يسموننا بيت الأوائل، بيت يعقوب الزريقات. عندي أخوة كل واحد في ميدانه الذي نجح فيه، وهذا يعود إلى الحماية التي وفرها لنا أهلنا. لم نكن أغنياء، ولكن كنا أغنياء بالفكر وبالمكتبة الموجودة في بيتنا، وعلاقتنا باللغة العربية وبهويتنا وعروبتنا». ثم قالت بابتسامة رقيقة: «أنا من الجيل الذي كان لديه حلم كبير، وأتمنى أن يعود هذا الحلم للأجيال القادمة، لأنك عندما تحلمين بالمستقبل، وتكونين متفائلة يعطيك ذلك دفعات قوية حتى في أحلك الأوقات، وأنا سعيدة أنني أنتمي لذلك الوقت، الستينات من القرن الماضي، والذي أسميه بالعصر الرومانسي في القرن الـ٢٠ هذا كان عصري».

ثم حدثتني عما قامت به خلال هذه السنين قائلة: «نقلت ثقافة بكاملها اسمها الثقافة الإسكندنافية عبر كتاب الطفل، عبر كتب الفتيان وعبر روايات أخرى معروفة، وجزء كبير منها روايات تاريخية، ولكنها كتبت بطريقة أدبية، فعبر هذه الروايات تعرفوا بشكل كبير على ثقافة أخرى كأنهم عايشوها مع كتب الأطفال مع مغامراتهم مع أحلام الفتيان وأحلام الشباب في أوروبا».

وتابعت: «عندما تقرأين الأدب السويدي تعيشي السويد بأنهارها، وجبالها وجليدها وجمال صيفها، كأنك في السويد، وهذا شيء جميل جدا فأردت مشاركة الجمال الذي عشته مع أبناء لغتي، وأتمنى أن يستخدم الروائيين في وطننا العربي البيئة بشكل أكبر في وصف المكان، لأنه يعطي القارئ حميمية أكبر، ويعطيه مكان للاسترخاء عندما يقرأ رواية طويلة من هذا النوع. هذا الأدب الذي نقلته هو فعلا أدب إنساني وباعتباري أعرف الثقافة العربية جيدا، وأعرف الثقافة السويدية جيدا كوني أعيش فيها وأكملت هذه السنة نصف قرن منذ أن عشت فيها، فأريد أن أنقل كل ما هو جميل، وأريد أن أنقل كل ما لا يزعج الناس ويجعلهم يقولون أنه ليس من ثقافتهم، فكثير من الناس يقفون بالمرصاد لكل ما يخص الانفتاح على العالم، وهذا سببه الخوف، والخوف ينتج عن الجهل، والجهل بالحضارات الأخرى يسبب الانعزالية، ونحن عشنا انعزاليين 40 عاما لم نترجم فيها، عندما بدأت دار المنى قبل 35 سنة في عام 1984 كانت كتب الأطفال المصورة أول كتب مصورة تظهر باللغة العربية وهي سلسلة برهان، وبذلك فتحت باب الترجمة، ولم يكن مشواري سهلا. كثير من الناس هاجموا الترجمة وخاصة أنني أترجم للطفل، فاعتبروا أنها خطر على عقله». وواصلت بفخر: «والآن أنظري الكل يترجم، وأنا قلت قبل فترة نحن بحاجة إلى شلالات من الترجمة حتى نعيد التواصل مع العالم، لأن الترجمة شيء حضاري، ومعرفة الحضارات الأخرى يثري لغتنا وأساليبنا، ويعمل جسورا للتواصل».