Untitled-2
Untitled-2
المنوعات

«تاريخ عمان عبر الزمان» تبحث في كينونة الإنسان العماني وحاضره المشرق

25 فبراير 2020
25 فبراير 2020

خمسة أجزاء وثلاثة مواجيز تسرد تفاصـــــــــــيل 800 مليون سنة حتى وفاة السلطان قابوس -

تستقرئ أحافير شعاب مرجانية وحيوانات رخوية وزواحف، وحبوب لقاح النباتات، وأشجار متحجرة تعود إلى 270 مليون عام -

نشروا الدعــــــــــــوة الإسلامية المعتدلة نتيجة تحـــــلي التجار بالأخلاق والقيم السمحة -

عمان أن تعود بالزمن إلى الحقب السحيقة لتستنطق أولى خطوات بشرية مشت على هذه الأرض الطيبة، وأن تتعرف على طرائق معيشتهم، كيف عمروا هذه الأرض وكيف نحتوا من صخورها سهاما لتعينهم على صيد طرائدهم، وكيف تطورت معيشتهم، وكيف أقاموا المدن وعمروها، وشقوا القنوات المائية، واستخرجوا خيرات هذه الأرض، وتواصلوا مع الحضارات المجاورة، وكيف تركوا لنا آثارا دالة عليهم من خلال كتاباتهم ونقوشهم، كل هذا تجده في خمسة أجزاء وثلاثة مواجيز بمجموع صفحات يبلغ 2136 صفحة من القطع الكبير، لموسوعة (تاريخ عمان عبر الزمان) التي تم تدشينها في حفل افتتاح المعرض، فقد صدرت الموسوعة عن مكتب مستشار جلالة السلطان للشؤون الثقافية وتتناول تاريخ عمان من عصور ما قبل التاريخ إلى آخر يوم في حياة فقيد عُمان والأمة جلالة السلطان قابوس بن سعيد بن تيمور طيب الله ثراه الذي خُصص لعهده الزاهر مجلد كامل. وقبيل صدور الموسوعة أضيف لها فصل أخير عن وفاة السلطان الراحل.

تبدأ الموسوعة بالبحث عن الأصول القديمة لعمان فترجعها إلى الأقوام التي سكنت هذه المنطقة وتتبع الآثار النقوشات والنصوص التي تناولت الأقوام الذين عاشوا في هذه المنطقة فبدأت بفصل عن «كينونة عمان» فذكرت أن سكانها من أصول العرب العاربة وما تلاها، وتذكر المصادر التاريخية أن من أقدم الأقوام التي سكنت عمان هم قوم عاد الذين سكنوا في أرض الأحقاف التي تقع أجزاء كبيرة منها في أرض عمان، مستدلة بكتب الأخبار والآثار كمثل ابن كثير الذي ذكر أن الأحقاف هي جمع حقف وهو الجبل من الرمال وهي أرض عاد، وأن مسكنهم بأرض مطلة على الشحر وأن اسم واديهم مغيث يقع بين عمان وحضرموت، وأن الشحر والأحقاف هي أحد أسماء ظفار القديمة، وقال ابن خلدون: إن الشحر يضاف إلى عمان وهو ملاصق لحضرموت، وفي هذه البلاد يوجد اللبان وعلى ساحلها العنبر الشحري، كما يقول (ياقوت الحموي): «جمع حقف من الرمل، والعرب تسمي الرمل المعوج حقافة وأحقافة»، قال ابن إسحاق : الأحقاف رمل فيما بين عمان إلى حضرموت، ويقول البغدادي: «فسكن بنو عاد الشحر»، أي شحر عمان. كما تطرقت الموسوعة إلى الأنبياء الذين عاشوا في هذه المنطقة واحتوت على صور لشواهد قبورهم.

 

تتناول الموسوعة جغرافية عمان وتكوينها الجيولوجي حيث تعرضت للعصور الجيولوجية (800 مليون سنة - 2 مليون سنة) وذهبت الموسوعة إلى أن الجيولوجيا العمانية تحتضن أقدم الدلائل على تكون القشرة الأرضية التي ظهرت نتيجة للحركات التكتونية، كما كان لهذه التحركات التي تعرضت لها القارات أثره في نقل وتحريك القشرة الأرضية لعمان باتجاه القطب الجنوبي التدخل في عصور جليدية كسبت معظم الأراضي، وفي عصور أخرى لاحقة أدت الحركات التكتونية إلى زحزحة القشرة الأرضية لقمان باتجاه خط الاستواء شمالا، وغمر البحر أجزاء كبيرة من الأراضي بسبب ارتفاع درجة الحرارة، وتسبب ذوبان الغطاء الجليدي في تشكل الأنهار والأودية الضخمة والكهوف والملاجئ الصخرية، وشهدت عمان أيضا عصورا رطبة ارتفعت فيها معدلات هطول الأمطار وازدادت الكثافة في النباتات والأشجار التي أدت بدورها إلى تكوين غطاء نباتي كان أحد مصادر الغذاء للكائنات.

وتعرضت إلى خصائص الموقع الجغرافي بالإضافة إلى تضاريس عمان المتمثلة في السلاسل الجبلية والسهول الساحلية والصحاري الرملية والجزر والسبخات وصخور النيازك وصخور البريدوتيت، معرجة على المناخ. واستعرضت الموسوعة شواهد ودلائل على الثراء والتنوع الإحيائي في العصور الجيولوجية المبكرة عثر عليها في مناطق مختلفة من السلطنة مثل البكتيريا، وإسفنج البحر، بالإضافة إلى الرخويات والشوكيات والديدان والمرجانيات وأول الأشجار البرية وبقايا لأوائل الحيوانات الفقارية وهي نوع من الأسماك. كما عثر على أحافير الشعاب مرجانية وحيوانات رخوية وزواحف ثلاثية الفصوص، وحبوب لقاح النباتات، وأشجار متحجرة تعود إلى 270 مليون عام.

واستعرض المجلد الأول التنظيمات الاجتماعية في عمان خلال عصور ما قبل التاريخ، من خلال الصفات العامة لمجتمع العصر الحجري القديم، والاستيطان على الساحل العماني.

وتناول كذلك العصور الحجرية القديمة الممتدة من مليوني سنة إلى 10 آلاف سنة قبل الميلاد وتم تقسيمها إلى 3 عصور حجرية قديمة وهي الأسفل والأوسط والأعلى، مستنطقة النقوش والدلائل الأحفورية التي عثر عليها في مواقع مختلفة من مناطق السلطنة. كما تناول هذا الفصل العصر الحجري الحديث الممتد 10 آلاف سنة إلى 300 سنة قبل الميلاد، خلال هذه الفترة شهدت عمان آخر العصور المطيرة، وبدأ المناخ بالتحول إلى المناخ الصحراوي القاحل، وشهدت المناطق الساحلية ارتفاعا

في منسوب مياه البحر، وانتشرت البحيرات والبرك ومستنقعات الأخوار، مثل الساحل الشرقي لولاية جعلان بني بو علي جنوب رأس الجنز، كما أثبتت الدلائل أن هناك أنواعا من الأشجار قد اختفت خلال هذا العصر، وهو ما يعد مؤشرا على انتهاء حقبة العصر الحجري القديم الرطبة، وكانت هذه التحولات المناخية نتيجة للتغيير في اتجاه الرياح الموسمية خلال القرون الأولى من الألف الرابع قبل الميلاد. وكان لهذا الحدث الطبيعي آثاره على الإنسان والحيوان، فقد اختفى الغطاء النباتي الشبيه بالسافانا على جروف الترسبات الداخلية لجنوب المنطقة الشرقية، وأصبحت المناطق الساحلية بسبب وجود المستنقعات الغنية بالحياة النباتية والبرك المائية ملاذا للجماعات السكانية، وأدت هذه الظروف الطبيعية إلى ظهور مجتمعات اعتمدت في غذائها على الصيد البحري.

شكل عامل الجفاف الدافع الرئيسي لتوجه الإنسان للبحث عن مصادر جديدة للغذاء، وبالتالي تطورت أدوات الصيد الحجرية المصنوعة من حجر الصوان في العصور الحجرية القديمة مثل الرماح ورؤوس السهام المصقولة جيدا التي صنعها الإنسان لممارسة الصيد البري والبحري والحماية، وظهرت خلال هذا العصر شفرات ورؤوس سهام حجرية بالإضافة إلى رؤوس سهام مصقولة من الجانبين، ومكاشط صوانية وفؤوس محففة وأدوات حجرية لطحن الحبوب، كما ظهرت أيضا شفرات مسننة ومناجل وأدوات حجرية صناعية، وأصبح الإنسان في هذه الحقبة الزمنية يربي الحيوانات ويقوم ببعض الأعمال الزراعية البسيطة، لذلك بدأت المستوطنات البحرية والقرى بالظهور خلال هذه الفترة مثل الوطية ورأس الحمراء ورأس الجنز والسويح ورأس الحد ورأس الخبة ووادي شاب وجزيرة مصيرة وخور الملح في قريات ومصيرة وأنقيطات في سمهرم وكهوف ناطف في حاسك، واستمر الاستيطان خلال هذه الفترة بالقرب من مصاب الأودية والعيون والبحيرات والبرك المائية، كما تطورت تدريجيا خلال مراحل العصر الحجري الحديث أنشطة الاقتصاد الإنتاجي وزراعة المحاصيل الزراعية وتدجين الحيوانات وتقنيات صيد الأسماك، وشهدت هذه الفترة أيضا استخدام تقنيات بحرية في صناعة السفن والإبحار، حيث تشير الدراسات أن إنسان العصر الحجري الحديث استطاع التنقل بحرا على الشواطئ العمانية من وإلى جزيرة مصيرة. وناقش المجلد الأول أيضا الحياة الاقتصادية، وكذلك الحياة الفكرية.

أما المجلد الثاني من موسوعة تاريخ عمان عبر الزمان فتناول فترة 300 سنة قبل الميلاد وذلك في العصر البرونزي الذي تنوعت فيه مصادر الغذاء، والصناعات الحرفية والعلاقات التجارية بين الحضارات المجاورة، وخلال هذه الفترة سجلت المصادر التاريخية وجود علاقات تجارية بين عمان ومصر الفرعونية وبلاد الرافدين ووادي الأندوس لمادة اللبان، لما لها من أهمية لدى تلك الحضارات في الاستخدامات الطقوسية والعلاجية والتحنيط، لذلك سیرت الحضارة الفرعونية العديد من الرحلات إلى بلاد بونت (أرض اللبان) للحصول على اللبان المقدس، وتعتبر الرحلات الفرعونية إلى أرض اللبان، أو (أرض غذاء الآلهة) كما يطلقون عليها بمثابة جزء من الطقوس الفرعونية الثابتة كونها رحلات مقدسة لديهم، فقد سير أحد أبناء الفرعون (خوفو) في عهد الأسرة الفرعونية الرابعة (2900-2750 سنة قبل الميلاد) رحلة إلى أرض اللبان لجلب اللبان المقدس، تلتها رحلة المستشار الفرعوني بي بي نخت ( 2975- 2925 سنة قبل الميلاد)، وقام كبير الوزراء الفرعوني حنو في عهد الأسرة الفرعونية الحادية عشرة (2190 -1787 سنة قبل الميلاد) برحلة أخرى إلى أرض اللبان، كما تشير النقوش والجداريات المصورة الموجودة في معبد الدير البحري في مصر القديمة إلى حملة الملكة الفرعونية حتشبسوت (1500 سنة قبل الميلاد) حينما بعثت حملة مكونة من خمس سفن إلى أرض اللبان، وقامت السفن الفرعونية بجلب عدد من أشجار اللبان وكميات كبيرة من اللبان إلى مصر، ووثقت النصوص الفرعونية ما قامت به الملكة حتشبسوت بعد حصولها على اللبان المقدس، واكتسابها الصفة الرسمية كملكة فرعونية اعتلت عرش مصر بعد استخدامها للبان المقدس من أرض الآلهة وفق الاعتقادات الفرعونية.

لم يتوقف طلب اللبان خلال فترة العصر البرونزي على الحضارة الفرعونية فقط، فقد تم العثور على عدد من النقوش والكتابات المسمارية في بلاد الرافدين تشير إلى استخدام البخور واللبان بمصطلح (شيم)، و(شيم جيج)، وتشير إلى ارتباط استخدام اللبان والبخور بالكهنة والملوك في حضارة بلاد الرافدين، وفي فترة جمدة نصر وفي مدينة أور (2000 سنة قبل الميلاد)، وفي مدينة لجش السومرية في الفترة (2300 سنة قبل الميلاد).

فقد أثبتت المصادر والدراسات استمرار العقائد الدينية في عمان خلال فترة العصر الحديدي، حيث تمثلت في أشكال وأنواع المدافن إضافة إلى المعثورات الخاصة بطقوس الدفن، وأشكال العمارة الخاصة بالعبادات كالمعابد، وامتازت مدافن العصر الحديدي أنها متوافقة مع المستوطنات السكنية، كما أعيد استخدام بعض مدافن العصر البرونزي وما قبل، وامتازت مدافن هذه الفترة بتنوع أشكالها، وشملت أشكال الركام الدائري والبيضاوي والمربع وبعضها مبني على شكل صندوق تحت الأرض خصصت للدفن الفردي حيث عثر على مدافن تحت الأرض في حفر تحيطها الحجارة مغطاة بألواح حجرية ضخمة مسطحة، منها ما هو على شكل قارب، وأخرى على شكل حدوة حصان، ومدافن على شكل قرص النحل، وتم الكشف عن مدافن تحتوي على العديد من المدافن الركامية الفردية. وقد استمرت خلال هذه الفترة العقائد الوثنية وعبادة الأجرام السماوية كالشمس والقمر والزهري، والأصنام فضلا عن ذلك فقد آمن البعض بالديانات السماوية التوحيدية كاليهودية والنصرانية اللتين كانتا تعمان الجزيرة العربية.

وتناول الجزء الثالث أسماء أطلقت على عمان وبعض أقاليمها، وكذلك المواقع الأثرية المكتشفة مرفقة بصورة للقى الأثرية والمكتشفات الأثرية والقرى التي عثر فيها على هذه المكتشفات، بالإضافة استعراض وسائل الري المستخدمة في الزراعة مثل الأفلاج والآبار الجوفية، والمحاصيل الزراعية الثروة الحيوانية. بالإضافة إلى التجارة والملاحة البحرية والتواصل الحضاري بين عمان ودول العالم، وكذلك الحياة الفكرية.

أما الجزء الرابع فقد تناول الفترة الزمنية من 627 إلى 1970 ميلادي، وهي الفترة الإسلامية حيث تناول إسلام أهل عمان (6 هـ/‏‏ 927م)

فذكرت الموسوعة أن العمانيين بادروا إلى الدخول في الإسلام منذ ظهوره، فكان أول من أسلم من أهل عمان الصحابي مازن بن غضوبة الطائي السعدي سنة (1هـ/‏‏ 127م)، ومن خبر إسلامه أنه كان يسدن صنما له في الجاهلية في سمائل يقال له ناجر تعظمه بنو خطامة وبنو الصامت من طي، قال مازن: - فعثرنا عنده ذات يوم عتيرة (ذبحنا ذبيحة) فسمعت صوتا من الصنم يقول:

يا مازن اسمع تسر

بعث نبي من مضر

فدع نحيتا من حجر

ظهر خير وبطن شر

بدين الله الأكبر

تسلم من حر سقر

فقلت إن هذا لعجب وإنه لخير يراد بي فبينما نحن كذلك إذ قدم رجل من أهل الحجاز فقلنا له: ما وراؤك؟ فقال: ظهر رجل يقال له أحمد يقول لمن أتاه «أجيبوا داعى الله فقلت: هذا نبأ ما سمعت فعدت إلى الصنم فكسرته، وركبت راحلتي حتى التقيت رسول الله فأسلمت»، ويروى أن مازن بن غضوبة سأل الرسول له أن يدعو لأهل عمان فقال عليه أفضل الصلاة والسلام «اللهم اهدهم وأثبهم»، قال مازن: زدني يا رسول الله قال: «اللهم ارزقهم العفاف والكفاف والرضا بما قدرت لهم»، قال مازن: يا رسول الله البحر ينضح بجانبنا فادع الله في ميرتنا وخفنا وظلفنا، قال اللهم وسع عليهم في ميرتهم وأكثر خيرهم من بحرهم»، قال زدني يا رسول الله قال «اللهم لا تسلط عليهم عدوا من غيرهم» قل يا مازن آمين فإن آمين يستجاب عنده الدعاء فقال آمين، وبعد عودته إلى عمان بنى مسجد المضمار في سمائل وهو أول مسجد بني في عمان، وأخذ يدعو أهلها للإسلام ويبين لهم ما يدعو له هذا الدين.

ثم قدم مازن على الرسول وقال له: يا المبارك ابن المباركين الطيب ابن الطيبين قد هدى الله أهل عمان ومَّن عليهم بدينك، وقد أخصبت عمان خصبة هنيئة وكثرت الأرباح والصيد بها»، فقال له ديني دين الإسلام سيزيد الله أهل عمان خصبة وصيدا فطوبى لمن آمن بي ورآني وطوبى لمن آمن بي ولم يرني وطوبى ثم طوبى لمن آمن بي ولم ير من رآني وإن الله سيزيد أهل عمان إسلام»، وكانت وفاة مازن بن غضوبه في السنة الخامسة والعشرين للهجرة بعد مشاركته في الفتوحات الإسلامية واستشهاده في بردعة (بلد في أقصى أذربيجان)، في فترة خلافة عثمان بن عفان حيث توفي فيها هو وغلامه صالح.

جاءت دعوة الرسول ولأهل عمان إلى الإسلام في السنة الثامنة للهجرة، حيث وفد عمرو بن العاص بكتابه مختوما إلى ملكي عمان عبد وجيفر ابني الجلندى، جاء فيه «بسم الله الرحمن الرحيم من محمد رسول الله إلى جيفر وعبد ابني الجلندي، السلام على من اتبع الهدى، أما بعد فإني أدعوكما بدعاية الإسلام، أسلما تسلما فإني رسول الله إلى الناس كافة لأنذر من كان حيا ويحق القول على الكافرين وإنكما إن أقررتما بالإسلام وليتكما وإن أبيتما فإن ملككما زائل عنكما وخيلي تطأ ساحتكما وتظهر نبوتي على ملككما»، فما كان منهما إلا أن شاورا قومهما وأسلموا طوعا، وبعثوا إلى وجوه عشائر عمان ودخلوا الإسلام، وعقب وفاة رسول الله قرر عمرو بن العاص الرجوع إلى المدينة، فصحبه عبد بن الجلندى ووفد من الأزد فيهم جعفر بن خشم العتكي، وأبو صفرة سارق بن ظالم الأزدي، ولما دخل الوفد على الخليفة أبي بكر الصديق قام سارق بن ظالم وقال: «يا خليفة رسول الله ويا معشر قريش هذه أمانة كانت في أيدينا وفي ذمتنا وديعة لرسول الله قد برئنا منها إليك»، فقال أبو بكر: «جزاكم الله خيرا»، فقام الخطباء بالثناء عليهم ومدحهم وقالوا كفاكم قول رسول الله وثناؤه عليكم، وأما عمرو بن العاص فلم يدع شيئا من المدح والثناء إلا قاله في الأزد، وفي الغد قام الخليفة أبو بكر رضي الله عنه بجمع الناس من المهاجرين والأنصار والوفد العماني وقام فيهم خطيبة وقال: «يا معاشر أهل عمان إنكم أسلمتم طوعا لم يطأ رسول الله ساحتكم بخف ولا حافر ولا جشمتموه ما جشمه غيركم من العرب ولم ترموا بفرقة ولا تشتت شمل، فجمع الله على الخير شملكم ثم بعث إليكم عمرو بن العاص بلا جيش ولا سلاح فأجبتموه إذ دعاكم على بعد داركم وأطعتموه إذ أمركم على كثرة عددكم وعدتكم فأي فضل أبر من فضلكم ؟ وأي فعل أشرف من فعلكم؟ كفاكم قول رسول الله صلى الله عليه وسلم شرفا إلى يوم المعاد، ثم أقام فيكم عمرو ما أقام مكرما ورحل عنكم إذ رحل مسلما، وقد من الله عليكم بإسلام عبد وجيفر ابني الجلندي، وأعزكم الله به وأعزه بكم، وكنتم على خير حال حتى أتتكم وفاة رسول الله وفأظهرتم ما يضاعف فضلكم وقمتم مقامة حمدناكم فيه ومحضتم بالنصيحة وشاركتم بالنفس والمال، فيثبت الله نفوسكم ويهدي قلوبكم، وللناس جولة فكونوا عند حسن ظني فيكم.

ولم يرتد أهل عمان عن إسلامهم مثل ما حدث في بعض المناطق الإسلامية بعد وفاة رسول الله له في السنة (11هـ/‏‏132م) إنما شاركوا في حروب الردة والفتوحات الإسلامية في عهد أبي بكر الصديق وعهد الخليفة عمر بن الخطاب، ويذكر منها أن عبد بن الجلندى لما قدم إلى أبي بكر في الوفد، استنهضه الخليفة مقاتلة آل جفنة على حدود الشام، فأجابه إلى ذلك وخرج على رأس سرية كان بها حسان بن ثابت وقد أبلى عبد بلاء حسنا.

وكان لدخول الإسلام إلى عمان الأثر البالغ في حياة المجتمع العماني في جوانبه الاجتماعية والاقتصادية والسياسية والثقافية وحتى في الجانب المعماري، فقد انتشر العلم والثقافة في عمان وبدأت حركة التأليف والتدوين تنتشر انتشارا واسعا، وكان لعلماء عمان علاقات ومراسلات علمية مع العديد من العلماء في المدينة المنورة والبصرة، وتتلمذ العديد من العمانيين على يد العديد من صحابة رسول الله.

لقد برز دور العمانيين وإسهاماتهم في نشر الإسلام في مشارق الأرض ومغاربها خلال عهد الرسول والخلفاء الراشدين وحتى عصر الخلافة الأموية، ومنها إسهاماتهم في بلاد الشام والأندلس وبلاد فارس والهند

حتى وصلوا إلى الصين، وتؤكد العديد من المصادر أن العمانيين تمكنوا من نشر الإسلام في العديد من مناطق الساحل الشرقي الإفريقي بانتهاجهم مبدأ التسامح الديني والتعايش السلمي في نشر الإسلام منذ ظهوره.

كما ناقش هذا الجزء الدولة في الفكر الإباضي حيث ذكر أنه تدعيما لاستقلالية عمان ظهر كيان سياسي ديني في عام (132هـ/‏‏749م) تمثل في إعلان قيام الإمامة الإباضية والاستقلال عن تبعية الخلافة العباسية، التي حصرت الخلافة في قريش، في حين رأى الإباضية أن الخلافة الإسلامية يجب أن تكون باختيار حر من المسلمين من قريش ومن غيرهم، وسعى نظام الإمامة إلى تحقيق وحدة واستقلالية عمان، فكان نهج الأئمة في اختيار الإمام وفق الأسس والقواعد الإسلامية بترشيح واتفاق بين أهل الحل والعقد من العلماء العمانيين ويتم تقلد الإمامة بالمبايعة، وهناك أنواع للإمامة تتم وفق الظروف التي تسود البلاد وهي إمامة الكتمان وإمامة الدفاع وإمامة الشراء وإمامة الظهور.

وظهرت العديد من المحاولات العباسية لفرض النفوذ على عمان، إلا أن العمانيين لم يستكينوا لذلك وظل الصراع سجالا، وخلال هذه الفترة تعاقب عدد من الأئمة على عمان في حدودها المترامية الأطراف والتي تمتد من البحرين شمالا (الأحساء حاليا) إلى حضرموت جنوبا، ونقل الأئمة العاصمة العمانية من صحار إلى نزوى كونها ذات حصانة طبيعية وتقع في قلب المنطقة الداخلية وتحيط بها الجبال من كل جانب، فاتسمت هذه الفترة بالازدهار السياسي والرخاء الاقتصادي، وتمكن الأئمة من تأسيس أسطول حربي ليتمكنوا من القضاء على القراصنة في الخليج والمحيط الهندي وإعادة تأمين طرق التجارة البحرية، كما تمكنوا من تحرير جزيرة سقطرى من الأحباش بعد أن استنجد أهلها بالإمام الصلت بن مالك الخروصي، وهكذا حافظت عمان على وحدتها وقوتها إلى أواخر عهد الإمام الصلت بن مالك.

نتيجة للاختلاف بين العمانيين وتفرقهم قام العباسيون والقرامطة والسلاجقة بمحاولة استغلال الشقاق بين صفوف العمانيين لفرض نفوذهم على عمان، لكن العمانيين بالرغم من ذلك ظلت مبايعتهم للأئمة قائمة وهي ما عرفت ببيعة الدفاع كون أن البلاد في حالة حرب فتمت مبايعة العديد من الأئمة، فظلوا يدافعون عن بلادهم ضد أي أطماع خارجية ويديرون بلادهم رغم الصراعات التي كانت بينهم.

وخلال هذه الفترة ازدهرت التجارة البحرية وأصبحت عمان أكبر وسيط تجاري بين الشرق والغرب، لخبرة العمانيين الملاحية التي أسهمت في انتعاش التجارة مع العديد من المناطق الساحلية المطلة على الخليج والمحيط الهندي وسواحل شرق إفريقيا وجنوب شرق آسيا، ولقد أسس العمانيون عددا من المدن والمستوطنات التي اتسمت بالطابع العماني ومنها مدينة ماليندي على الساحل الشرقي الإفريقي، كما ساهم التجار العمانيون في نشر الإسلام في هذه المناطق وانتشرت الدعوة الإسلامية المعتدلة نتيجة تحلي هؤلاء التجار بالأخلاق والقيم الإسلامية السمحة من خلال التسامح الديني واحترام أصحاب الديانات الأخرى، والعمل على تبادل المصالح المشتركة وعدم التدخل في شؤون الغير، مما أثار إعجاب سكان تلك المناطق بسلوكهم القويم، فتعرفت تلك الشعوب على مبادئ وتعاليم الدين الإسلامي التي تدعو إلى المساواة والحرية والكرامة الإنسانية وتنبذ الطبقية والطائفية التي كانت شائعة بين المجتمعات، ودلالة على حسن أخلاق العمانيين أطلق الإمبراطور الصيني (سون سین زون) على التاجر العماني أبو عبيدة عبد الله بن القاسم (جنرال الأخلاق الحميدة) حينما وصل إلى قوانتشوا في الصين عام (133هـ/‏‏ 750 م) على رأس أول وفد عربي، وقد ذكرت المصادر الصينية رحلة أبي عبيدة بأنها أقدم رحلة للعرب المسلمين إلى بلاد الصين، وأن العمانيين والتجار العرب أقاموا لهم مدينة خاصة في كانتون منذ عام (191هـ/‏‏758م).

كما تناول هذا الجزء «الدولة في عصر النباهنة» فقد أشارت المصادر التاريخية إلى أن عددا من الأمراء النباهنة التجار كانوا يترددون سنويا على (باتا) في أرخبيل (لامو) طوال الفترة الممتدة منذ بدايات عصر النباهنة في عمان عام (393 هـ/‏‏ 973م) حتى عام (590هـ /‏‏ 1195م)، وكانت هذه التجارة رافدا لتقوية مكانتهم في عمان، ورغم تعدد السلطة في عمان إلا أن العمانيين كانوا متماسكين في وجه المطامع الخارجية، فلم يتمكن الفرس من السيطرة عليها رغم محاولاتهم المتعددة.

وقسم الباحثون عصر النباهنة إلى فترتين: فترة النباهنة الأوائل والتي تمتد من (557هـ /‏‏1191م) وحتى عام ( 906هـ /‏‏ 1500م) وقد شهدت هذه الفترة اضطرابات في الأوضاع السياسية نتيجة الأطماع الخارجية والصراعات الداخلية حول السلطة ومبايعة الأئمة وغياب الاستقرار السياسي.

أما الفترة الثانية فقد سميت بفترة النباهنة المتأخرين، التي بدأت بتولي الملك سلطان بن محسن بن سليمان النبهاني عام ( 906 هـ /‏‏1500م) خلال هذه الفترة كانت الإدارة السياسية مقسمة ما بين ملوك الظاهرة ونزوی وبهلا، فاستمر عهدهم هذا حتى عام (1026هـ /‏‏1617م) وبداية عهد اليعاربة بتولي الإمام ناصر بن مرشد اليعربي زمام أمور البلاد وسعيه نحو توحيدها مجددا (1624م.

أبدع الإنسان العماني خلال تلك الفترة، وباهتمام من ملوك النباهنة في الجانب المعماري شيدت العديد من المعالم والمنشآت. اتسم فن العمارة من خلال طابعه الفريد والأنماط الهندسية المعمارية المتنوعة وفنونها الزخرفية، فظهرت العديد من القلاع والحصون والمساجد المتميزة بمحاريبها المزخرفة، ومن أبرز المعالم حصن الأسود في ولاية عبري ببلدة مقنيات، وحصن بيت المراح بولاية ينقل.

ويعد عصر النباهنة العصر الذهبي للشعر والشعراء، فقد قرب ملوك النباهنة الشعراء إليهم وأغدقوا عليهم الأموال، ومنذ هذا العصر أخذ الفقهاء والعلماء يؤلفون مؤلفاتهم نظمأ شعرية تماشيا مع روح العصر وليسهل على الناس حفظها، كما ظهرت مؤلفات شعرية في علم الفلك والجغرافيا والطب، ومن أشهر شعراء هذه الفترة أبو بكر أحمد بن سعيد الخروصي (المعروف بالستالي)، وسمي بشاعر النباهنة الأوائل، وله ديوان يعرف بديوان الستالي ويعد من المراجع المهمة التي تروي فترة حكم بني نبهان، ويضم العديد من قصائد المدح والتهاني والرثاء لملوك بني نبهان، ومن الشعراء المشهورين الذين امتدحوا عددا من ملوك النباهنة الشاعر موسی بن حسین بن شوال الحسيني، والملقب بالكيذاوي تشبيها لشعره بشجرة الكيذاء ذات الرائحة العطرة الفواحة، ومن علماء الطب الشيخ راشد بن خلف بن محمد بن عبد الله بن هاشم القري العيني الرستاقي، وله مؤلف يعرف بمختصر شرح لامية ابن هاشم) في الطب، وقد ألف هذا المخطوط سنة (934هـ).

وبرز علماء الفلك وعلم البحار والجغرافيا، وكان أشهرهم البحار العماني أحمد بن ماجد بن محمد السعدي من جلفار، هو من أرسى قواعد الملاحة للعالم، من مؤلفاته كتاب (الفوائد في أصول علم البحر والقواعد)، ويعتبر ابن ماجد مؤسس علم الجغرافيا البحرية ومخترع الإبرة المغناطيسية (البوصلة الملاحية)، ومكتشف الطريق البحري الذي يربط الساحل الشرقي للقارة الإفريقية بالهند وسيلان وجاوة، ويبلغ عدد الموجود من مؤلفات ابن ماجد أربعين مخطوطا، معظمها قد تمت صياغتها شعرة، كما يعد البحار والفلكي سليمان بن أحمد بن سليمان المهري المتوفى ( 961هـ/‏‏1554م) الذي ينسب أصله إلى الشحر من تلاميذ أحمد بن ماجد، وقد لقب بمعلم البحر لأنه اشتهر بمهارته وبراعته الملاحية.

وبدأ نفوذ النباهنة في شرق إفريقيا وتوطد في «باتا» بعد هجرة سليمان النبهاني إليها عام (597هـ/‏‏ 1200م)، حيث تزوج بالأميرة بتاوينا ابنة حاكم باتا اسحاق بن محمد البتاوي، فتنازل الحاكم إسحاق عن حكمه لزوج ابنته في (599هـ /‏‏1203م)، وهكذا أصبح سليمان أول حاكم لجزيرة باتا إلى أن توفي في (625هـ /‏‏1228م)، ومنها انطلق السلاطين النباهنة نحو تأسيس سلطنة عمانية عربية امتدت من رأس جردفوي شمالا إلى رأس دلجادو جنوبا، وتولوا حكم ساحل شرق إفريقيا لمدة 311 سنة، وذلك من عام (599هـ/‏‏1203م) حتى عام (911هـ/‏‏1506م) عند قدوم البرتغاليين. وأثارت المراكز التجارية المزدهرة التي أسسها العمانيون على طول سواحل المحيط الهندي أطماع البرتغاليين، وفي عام 1507م قام البرتغاليون بالسيطرة على مسالك الطرق التجارية في المحيط الهندي وسواحل شرق إفريقيا والسواحل العمانية وجميع السواحل الأخرى المطلة على الخليج، كما ظهر الاهتمام البريطاني في المنطقة متمثلا في شركة الهند الشرقية في عام 1900م، وظهر الوجود الهولندي في شركة الهند الشرقية الهولندية في عام 1902م، ليقوم التنافس بين هذه القوى لفرض السيطرة على طرق التجارة في المحيط الهندي والخليج.

كما تناول الجزء الدولة في عصر اليعاربة.

وتناول الجزء الدولة في عصر البوسعيديين (1107هـ /‏‏1744م) إلى عصر النهضة المباركة ففي أواخر عهد اليعاربة منذ عام (1131هـ/‏‏مايو 1718م) بدأ تصدع الوحدة الوطنية، وبسبب الخلافات القبلية التي أجهزت على الرصيد الكبير من الإمكانيات العسكرية والاقتصادية، فاستغل الفرس هذه الفرقة وحاولوا فرض سيطرتهم على عمان، فتزعم أحمد بن سعيد البوسعيدي والي اليعاربة على صحار حركة المقاومة الوطنية ولعب دورا أساسيا في التصدي للفرس والتخلص منهم، لذا تمت مبايعته بالإمامة عام (1157هـ/‏‏1744م) ليكون أول الأئمة البوسعيديين، فعمل على تطوير إدارة البلاد وبناء أسطول بحري وتجاري من خلاله إعادة ترسيخ موقع عمان كقوة إقليمية في المحيط الهندي والخليج، وقام بإعادة تثبيت سلطة عمان على الممتلكات العمانية في منطقة شرق إفريقيا، وأقام علاقات دبلوماسية جيدة مع المناطق الواقعة جنوب بلاد فارس والخليج والهند، ومع القوى الأجنبية المتمركزة في المنطقة كبريطانيا وفرنسا، لقد واصلت عمان ترسيخ مكانتها وهيبتها الأمر الذي أدى بالسلطات الهولندية والإنجليزية للتسليم والاعتراف بالسيادة العمانية على كثير من شواطئ الخليج والمحيط الهندي، ولعب الإمام أحمد بن سعيد دورا فعالا في إفشال الحصار الذي ضربه كريم خان الزندي على البصرة، ففي عام (1189هـ - 1775م) قام الفرس بحصار البصرة، واستنجد أهلها بالإمام أحمد بن سعيد الذي قام بتجهيز أسطول بحري بقيادة ابنه هلال على متن الطراد (الرحماني) الذي تمكن من قطع سلاسل الحديد التي وضعها الفرس على مدخل شط العرب لتحول دون وصول قوات الإمام وتم فك حصار البصرة، وعلى ضوء ذلك قرر السلطان العثماني مصطفى الثالث صرف مكافأة سنوية من خراج البصرة للإمام أحمد بن سعيد، تقديرا من السلطان الموقف الإمام الشجاع في مناصرته لمبدأ العدل والإنصاف.

خلال فترة حكم السيد سلطان بن أحمد ازداد النشاط التجاري والملاحي، واستطاع صد الوهابيين الذين تحالفوا مع القواسم والعتوب في البحرين ضد عمان، كما وازن في علاقته مع القوى الأجنبية مثل بريطانيا وفرنسا المتنافسة في مياه المحيط الهندي والخليج.

وتولى السلطان سعيد بن سلطان (1219 - 1273هـ/‏‏1804- 1856م) الذي اتسم عهده بالاستقرار والازدهار رغم المطامع والمؤامرات الأجنبية، واستطاع تأسيس إمبراطورية عمانية ذات أسطول تجاري حربي قوي وأصبحت كافة المناطق الواقعة بين بندر عباس على الساحل الشرقي للخليج إلى زنجبار على الساحل الشرقي لإفريقيا مناطق نفوذ عمانية، وجعل من زنجبار العاصمة الثانية للإمبراطورية العمانية، وأسهم اتباع السلطان سعيد بن سلطان سياسة التسامح الديني في اتساع النفوذ العماني من خلال اصطحابه إلى زنجبار العديد من الأعيان والتجار والفقهاء والعلماء من مختلف القبائل والمذاهب، ودعوتهم بالتسامح الديني وعدم التعرض أو الإساءة لأتباع الديانات الأخرى الموجودة في شرق إفريقيا، وعاملوا المواطنين من أهل البلاد وزعماءهم معاملة كريمة مبنية على الاحترام والمساواة بين جميع السكان على اختلاف أعراقهم وأديانهم، وامتد نفوذ عمان التجاري والسياسي إلى مناطق البر الإفريقي والبحيرات الاستوائية، ومما يدل على ذلك المثل القائل: «إذا قرعت طبول السلطان في زنجبار رقص عليها أبناء البحيرات الإفريقية».

أما الجزء الخامس فتناول النهضة العمانية المعاصرة 1970م، وتحدث هذا الجزء في بدايته عن عمان ما بين الماضي التليد والمستقبل المشرق، فقد وصف الكثير من النقاد طبيعة الحياة في عمان قبل (23 يوليو 1970م) بأنها بدائية، منعزلة افتقرت لكل وسائل الحياة المعاصرة في حينه، فلا طرق معبدة ولا كهرباء ولا صحافة ولا إذاعة أو تلفزيون، وتعيش المناطق كأنها قطع متجاورة لصعوبة التنقل بين أفرادها وانعدام وسائل النقل باستثناء الدواب التي لا ينعم باقتنائها الكثير، فالاقتصاد كان تقليدية بسيطة في شكله وحجمه مع شح فرص العمل على كثير من العمانيين، وبسبب تلك الظروف غادر الكثير من العمانيين بلادهم إلى مختلف بقاع الأرض طلبا للرزق، وقد مكنهم ذلك من اكتساب المعارف والمهن ولكن كما هو معروف: «لا يغرد الطائر إلا في سربه».

تضاءل الأمل واضمحلت القدرة على الصمود وكاد الناس أن يظنوا بالله الظنون، وفي يوم (23 يوليو 1970م) وهو أحد الأيام الممطرة في ظفار انبثقت خيوط الأمل وأشرقت الشمس بعزيمة القائد الشاب السلطان قابوس بن سعيد ليعلن للعمانيين والعالم:

شعبي... أتحدث إليكم كسلطان مسقط وعمان بعد أن خلفت والدي يوم (18جمادى الأولى 1390هـ) الموافق (23 يوليو 1970م). كنت ألاحظ بخوف متزايد وسخط شديد عجز والدي عن تولي زمام الأمور... إن عائلتي وقواتي المسلحة قد تعهدوا لي بالطاعة والإخلاص... إن السلطان السابق قد غادر السلطنة، وإني أعدكم أول ما أفرضه على نفسي أن أبدأ بأسرع ما يمكن أن أجعل الحكومة عصرية وأول هدفي أن أزيل الأوامر غير الضرورية التي ترزحون تحت وطأتها.

أيها الشعب.. سأعمل بأسرع ما يمكن لجعلكم تعيشون سعداء لمستقبل أفضل، وعلى كل واحد منكم المساعدة في هذا الواجب. كان وطننا في الماضي ذا شهرة وقوة، وإن عملنا باتحاد وتعاون فسنعيد ماضينا مرة أخرى وسيكون لنا المحل المرموق في العالم العربي، وإني متخذ الخطوات القانونية لتلقي الاعتراف من الدول الخارجية الصديقة، وإني أتطلع إلى التأييد العاجل والتعاون الودي مع جميع الشعوب وخصوصا جيراننا وأن يكون مفعوله لزمن طويل والتشاور فيما بيننا لمستقبل منطقتنا.

وتناول هذا الجزء الدولة العصرية، والقوات المسلحة، وتنمية الإنسان والمجتمع، ومظاهر النهضة الحديثة بكامل مفرداتها، وانتهى هذا الجزء بفصل أخير مفصل عن وفاة السلطان الراحل قابوس بن سعيد طيب الله ثراه.