1439065
1439065
المنوعات

الدكتور مرقطن: فهم نقوش ظفار القديمة ما زال مستعصيا على الباحثين لقلة الدراسات

25 فبراير 2020
25 فبراير 2020

«عمان» توثّق نقشا أثريا بوادي عيدم يُقدّر بألفي سنة -

الربط والاستدلال بين ثقافة الإنسان وإمكانياته مهمة جدا لفك هذه النقوش -

صلالة - بخيت كيرداس الشحري:-

ليس من الغريب :ن نعثر على منحوتات أثرية أو حروف ورسومات قديمة منقوشة او مطبوعة على صخور وكهوف عمان في بيئاتها المختلفة وذلك لأن الإنسان حاضر فيها منذ قديم الزمان وهو صانع تلك الحضارات المتعاقبة على أرض عمان، فتلك الرسومات والنقوش ما هي إلا مدونات الإنسان ومذكراته اليومية التي يكتبها لتبقى خالدة وشاهدة لحضارة قديمة بناها الإنسان القديم واليوم تلك الآثار ينبش فيها إنسان هذا الزمان ليقرأ فكر ذاك الإنسان القديم ويقف على مدوناته ومخطوطاته وأدواته بداعي الفضول المعرفي وحب الاطلاع واكتشاف الماضي ولقراءة ما تركه الأسلاف من موروث حضاري وثقافي والبناء عليه في حاضره ومستقبله. وظفار من أكثر محافظات السلطنة التي تمتلك كما هائلا من النقوش والحروف القديمة والتي لا تزال قراءتها مستعصية أمام الباحثين وتنتشر هذه النقوش في جبال وصحاري ظفار.

جريدة (عمان) وثقت نقوش أثرية لأول مرة يتم الإعلان عنها عبر وسائل الإعلام خلال زيارة استطلاعية لموقع صخرة كبيرة تبعد عن ولاية صلالة حوالي 250 كم في مكان يطلق عليه (عزوم) في وادي عيدم بولاية المزيونة وهي عبارة عن لوحة صخرية منقوش عليها كتابات بحروف المسند ورسومات للإبل، وقد كان ضمن هذه الرحلة الاستطلاعية الدكتور محمد مرقطن الباحث في جامعة هايدلبرغ الالمانية والذي كان في زيارة لولاية صلالة لإلقاء محاضرة في مركز التراث والثقافة بصلالة حول كيفية قراءة النقوش والكتابات القديمة.

وقد استطعنا الوصول للموقع الذي يعرفه عدد من أهالي المنطقة بفضل الدليل سعيد بخيتون زعبنوت المهري من أبناء ولاية المزيونة، والذي ذكر أن بقرب هذا الموقع كان مورد ماء منذ القدم وهذا ما دفع الدكتور محمد مرقطن أن يفسر أن هذا الموقع قد يكون موقع استراحة للجمالة وخاصة أن الصخرة الكبيرة المستندة إلى جرف كبير والتي نقشت عليها تلك الحروف والرسومات توفر ظلا بشكل دائم في منطقة صحراوية ترتفع فيها درجات الحرارة مما يجعل منها ملاذا يستظل به من حرارة الشمس.

وخلال هذه الزيارة الاستطلاعية لهذا النقش الأثري أجرينا حواراً مع الدكتور محمد مرقطن وهو باحث في النقوش القديمة واللغات السامية للحديث عن أهمية التراث الإنساني وما خلفه من الرسومات والأدوات والنقوش والكتابات القديمة.

وكان مستهل حوارنا معه بسؤاله ما هي قراءته لهذه النقوش في اللوحة الصخرية بوادي عيدم بولاية المزيونة وأهميتها؟

بدايةً أحب أن أوضح أن ما تم تصويره وتوثيقه في هذه الزيارة يعتبر توثيقا عشوائيا عند علماء النقوش وزيارتنا هذه هي مجرد زيارة استطلاع وليست زيارة عمل مهنية وحينما يُكشف مثل هذا النقش لابد من تحديد الموقع عن طريق الـ GPS وتحديد اتجاه الشمال وان تكون لدينا مقاسات، وحينما نأتي لتوثيقها بشكل علمي هناك عدة طرق لذلك ومن هذه الطرق طريقة تقليدية يتم خلالها فرش لوحة بلاستيكية شفافة على اللوحة أو الصخرة التي توجد بها النقوش وتثبت عليها وبعد ذلك يُرسم كل حرف بحرفه على هذا البلاستيك، والمهم جدا في التوثيق الأولي أن ترتسم اللوحة بالفوتوشوب وتُكبر اللوحة حتى يحاول اكتشاف كل الدقائق الموجودة في هذه الرسومات والنقوش وان تكون الصورة في لوحة واحدة وليست مجزأة.

ولو ترسم هذه اللوحة في قاعة متحف سوف تكون وثيقة لجزء من حياة الناس في وادي عيدم والمناطق القريبة منه وأنا أقدر عمرها تقريباً بـ 2000 سنة، وفي حال أن الخط المنقوش لا يمكن تأريخه تكون هناك مقارنة مع نقوش مختلفة، والاهم في هذا الاكتشاف انه عندنا وثيقة أثرية للحياة في هذا الوادي، ومن الرسومات الموجودة يبدو انهم كانوا جمّاله بحكم وجود رسومات الإبل ولابد التأكيد إذا كان هذا الموقع يقع على طريق القوافل ام لا.

وأهمية اكتشاف هذه النقوش انه قد يكون هناك نقوش أخرى في المنطقة لم تكتشف بعد في الكهوف او الصخور الكبيرة ذات الظلال كما هو الحال في هذه الصخرة المنقوش عليها تلك الرسومات والكتابات.

ونقدر طول الجزء المنقوش عليه في الصخرة ويمكن أن نسميها اللوحة تقريبا 6 أمتار بارتفاع مترين، والرسومات في اللوحة متناثرة وتحتوي على رسومات للجمال ونقوشا من نفس تقاليد نقوش وكتابات ظفار والتي نسميها بالمسند العماني والتي توجد في مناطق مختلفة من عمان وكذلك جزء منها في سقطرى والقليل منها في منطقة نجران. ولا يمكن أن نعرف إن كانت كتبت في فترة زمنية واحدة وهذا ممكن الكشف عنه عبر دراسة علمية لهذه النقوش وعمق الحفر فيها.

وحقيقة لا يزال هناك معضلات في فهم هذه النقوش وفك رموزها ولكنها تنتمي إلى حضارة عمان بشكل عام ومن المهم جدا أن تهتم الجهات المعنية بهذه الاكتشافات والنقوش وأن تكون هناك دراسات مكثفة وتوثيق لهذه النقوش والرسومات ودراستها بعمق لأنها سوف تكشف عن حقبة زمنية لمنطقة تاريخية ومهمة في الجزيرة العربية.

ما هي الأدوات التي ممكن عن طريقها فك طلاسم هذه النقوش والكتابات القديمة ودور الباحثين العرب في هذا المجال؟

ما زال الباحثون العرب لا يحاولون دراسة ونشر هذه النقوش برغم وجود مجموعة من العلماء العرب من الأردن واليمن وفلسطين والسعودية في هذا المجال وكذلك هنا في عمان لا نغفل جهود الباحث علي الشحري في جمع نقوش وكتابات ظفار، وكذلك الدكتور ناصر الجهوري ولكن الاهتمام بالنقوش القديمة ودراستها هنا في عمان لا يزال محدوداً ونتمنى الاهتمام أكثر بدراسة هذه النقوش والكتابات القديمة.

ولقلة الدراسات والاهتمام بها لحد الآن يظل فك رموزها صعبا، وهذه النقوش او الكتابات خطها قريب للخط الثمودي اللحياني، وهناك أشكال متقاربة كثيرا وأتوقع أن تكون هذه النقوش عبارة عن نصوص تذكارية أي انها تذكر فلان بن فلان أو فلان فعل ذاك أو ما شابه ذلك، فعادة النقوش القصيرة تكون بهذا الشكل. ويبدو أن القيمة الصوتية في هذه الحروف مختلفة عن الحروف الموجودة في الثمودي أي تأخذ معاني صوتية مختلفة وهذا يشكل صعوبة، فالحرف قد يتشابه ولكن نطقه يختلف عما هو في النقوش الأخرى التي تمت قراءتها لذا المحاولات، اعتقد أن فك معاني هذه الحروف هي محاولة قراءة الأسماء المكتوبة بهذه الحروف القديمة لخط المسند العماني.

والخارطة اللغوية للجزيرة العربية هي اللغات السامية او أخوات اللغة العربية مثل المهرية والشحرية ولابد أن ننطلق لفك رموز هذه الحروف من إنها لغة سامية وليس من الخطأ أن نعتمد على أصوات اللغة الشحرية مثلا لمحاولة قراءتها وفك رموز هذه الحروف، وهناك اكثر من 35 حرفا جمعت من هذه النقوش المتناثرة في ظفار، وعند دراسة هذه الحروف يجب محاولة توثيق كل مجموعة لوحدها حتى داخل المجموعة الواحدة؛ أي يجب فحص كل حرف لوحده ثم مقارنتها بالحروف التي وجدت في مكان آخر، وهذا قد يساعدنا في معرفة هل هي حروف لكتابة واحدة او هل هي نفس الحروف أم انها حروف إضافية بخلاف ما تم جمعه من مواقع أخرى. وكذلك يمكن أن ينطلق بحثنا في فك هذه الرموز من خلال الحروف الصوامت والصوائت في اللغة الشحرية والعربية؛ بمعنى هل كان يكتب حروف العلة مثلا وهل يكتب الحروف الصامتة رغم انها لا تنطق وقد يكون هذا الشيء وارد وهل هذه الحروف على شكل مقطعي كل على حدة.

وانا اعتقد أي محاولة لكشف هذه الحروف يجب أن تكون منطقية ومعقولة مثلا لو حاول أحد قراءة هذه الكتابة وأتى باسم مثلاً لا ينتمي للإنسان الذي يعيش في هذه الأرض فهذه القراءة ليست دقيقة لأنه لا توجد دلالة معقولة في الاستنتاج على ذلك فمسألة الربط والاستدلال بين ثقافة الإنسان وإمكانياته مهمه جدا لفك هذه النقوش.

ما مدى انتشار خط المسند العربي في الجزيرة العربية؟

اتفق العلماء على أن اصل خط المسند مستمد من الحضارة الكنعانية ولكن هذا الخط الذي تم استيحاؤه من الكنعانية،وأخذ تجليات مختلفة في الجزيرة العربية بحيث يمكن ان نتحدث عن مسند شمالي، مسند عربي جنوبي، ومسند عماني وهناك طبعا تفرعات وحتى ممكن أن نتحدث عن مجموعة نقوش عربية تسمى إحسائية نسبة لمنطقة الإحساء في شرق المملكة العربية السعودية وهذا خط مسند، ويعتبر اقرب الخطوط إلى خط المسند العربي الجنوبي وهو خط احسائي معروف ومقروء ومن اهم النقوش المقروءة بهذا الخط ومهم كذلك بالنسبة لعمان كحضارة هو النقش الذي عثر عليه في منطقة مليحة بالشارقة وهو مكتوب باللغة الآرامية وبالخط الاحسائي وأهمية هذا النقش لعمان انه يذكر اسمك ملك عمان، ويعتبر هذا النقش اقدم ذكر لاسم (عمان) كدولة او كبلد وذلك في القرن الثالث قبل الميلاد ولكن عمان ذكرت بأسماء مختلفة قبل هذا التاريخ وذلك في الألف الثالث قبل الميلاد حيث كانت تذكر باسم مجان في مصادر بلاد ما بين النهرين وتذكر كذلك بلاد المهرة إلى جانب عمان في نقوش سبئية من القرن الرابع والخامس الميلادي وفي هذا الإطار ممكن ان نتحدث عن المئات من النقوش بالمسند العماني ولم يتم حصرها عددياً حتى الآن والجزء الأكبر والأساسي منها يقع في ظفار ولكن في شمال ووسط الجزيرة العربية توجد مثل هذه النقوش بعشرات الآلاف من خط المسند العربي التي يمكن قراءتها باستثناء المسند العماني الذي ما زال لغزا لم يتم كشف معانيه حتى الآن.

إلى أي مدى يخدم علم النقوش والآثار حياتنا المعاصرة؟

من المهم جدا على كل انسان أن يعرف هوية وطبيعة الأرض التي يعيش عليها وهذا مهم جدا وأنا اعتقد أن أرضا لا نعرف هويتها لا نستحقها وعلينا ان نعرف أهمية الأرض التي تطأها أقدامنا، والمسألة المهمة في هذه المعرفة هي الهوية التاريخية وكيف هي علاقة الإنسان مع هذه الأرض، وكيف تفاعل معها عبر التاريخ، وتجربة الإنسان على هذه الأرض هي عبارة عن تراكمات ومن هذا المنطلق فعلم الآثار والنقوش علم جليل يهتم بعلم الانسان على هذه الأرض التي يعيش بها وهي انعكاس لثقافته وهويته التاريخية. والمنهجية العلمية الأساسية في علم الآثار هو أن تبحث في المعطيات الموجودة من النقوش والآثار الموجودة وليس البحث من اجل إثبات فرضية معينة، انا هدفي ان أصل إليها وانما هو ان تبحث المادة بتجرد علمي لتصل إلى نتيجة حقيقية بناء على البحث الذي قمت به. واعتقد ان المنهجية الصحيحة للتعامل مع التاريخ هي النظرة الشمولية للتاريخ العربي بأبعاده التاريخية والتي تعطيه القوة وتحصنه في النظر إلى مستقبله وهذه مسألة مهمة لان علم التاريخ دروس مستقاة من الماضي، وكيف نبني على ذلك في صنع المستقبل والقضية الإساسية في التاريخ هي النظر في حياة الانسان وتجاربه واستمرارية الحياة وحينما نأخذ ظفار كنموذج علينا ان نحاول فهم كيفية كانت استمرارية الحياة للإنسان في ظفار وكيف استطاع ان يعيش في جبالها وصحاريها ويتغلب على تضاريسها وكيف استطاع لاحقاً ان يكون اعظم مصدرا في حقبة معينة لمادة اللبان وفهم هوية الانسان وعلاقته بالأرض التي يعيش فيها، وحينما نفهم هذه الأشياء تتكون الفكرة الكاملة لدينا عن الهوية الثقافية، اضف إلى ذلك ما كتبه المؤرخون عن هذه المنطقة ولكن برأيي ان مدونات ونقوش ابناء هذه الارض هي الأكثر أهمية لأنها جزء من ذاكرة هذا الانسان، وانا اشير إلى ان هذه النقوش والكتابات الموجودة والمنتشرة في ظفار هي ذاكرة الانسان في هذه الارض ووعلينا ان ننظر للتاريخ من الأسفل وليس بالضرورة من الاعلى لان اغلب المؤرخين يهتمون بالقصور والمباني الكبيرة التاريخية وذكر الملوك في حقب معينة وهذا شيء عظيم ولكن البحث في ما دوّنه الانسان من نقوش في أماكن مختلفة يعطيك تفسيرا او فهما لما كان عليه الانسان في تلك الفترة وتعتبر مصادر مهمة لطبيعة حياته ويومياته.

كيف يمكن توظيف الإرث التاريخي والحضاري في الجانب السياحي؟

لابد من التعامل بحذر حينما نوظف التراث الانساني في المجال السياحي لان المواقع الأثرية مواقع حساسة في خواصها وطبيعة تكوينها ومهم جدا المحافظة عليها مثل ما هي والتي قد تتأثر حينما تصبح مزارات سياحية ويمكن أن يغير شيئا من خواصها وهذا ممكن التعامل معه بوضع برامج توعية واشتراطات معينة للحفاظ على هذا المواقع الأثرية.

ولكن من المهم جدا أن يكون هناك اهتمام بالتراث من خلال التوعية وإقامة الندوات الفكرية والثقافية لفهم هذا التراث وكذلك برامج للتوعية بقيمة التراث الإنساني على مستوى المدارس وتأهيل المدرسين والمدرسات في هذا الجانب لتعظيم الجانب التراثي وقيمته في نفوس الطلاب، وكذلك تفعيل أقسام التراث في الكليات والجامعات، وأنا أرى أن مكانة عمان التاريخية تستوعب كثيرا من خريجي الآثار والمرشدين السياحيين، ومهم جدا تأهيل المرشدين السياحين وان يكون هناك تنسيق بين المؤسسات المعنية بالتراث والثقافة وبين المؤسسات العلمية من اجل إقامة دراسات ودورات علمية في مجال التراث وتوظيف هذا الجهد في تفعيل السياحة الثقافية والتراثية وتنشيطها. وأنا قمت بزيارة لمتحف ارض اللبان وأعجبني كثيرا القاعة البحرية الخاصة بالتاريخ البحري ولكن لاحظت أن المتحف والذي يحمل اسم ارض اللبان ينقصه كثيرا ما يختص بتجارة اللبان وكذلك عدم وجود قاعة مختصة بالنقوش والرسومات المنتشرة في ظفار وأنا أرى انه من المهم جدا وجود متحف خاص بالنقوش والكتابات القديمة في ظفار وهذا مهم جداً لأن النقوش هي التي تخبرنا بما كان عليه الإنسان في تلك الحقب التاريخية.