إشراقات

النظافة :وطن يستحق

13 فبراير 2020
13 فبراير 2020

علي بن سعيد العلياني -

الوطن هو الحضن الدافئ، والملجأ الآمن، وبعبارة أخرى نقول: «الوطن أب للجميع»، ففيه نشأنا، وفي أفيائه عشنا صغارا وكبارا، وفي دوحه حللنا، وتحت أشجاره الوارفة كان لنا ذكريات جميلة. فكان نعم المحتضن؛ لذلك فهو يستحق منا كل التقدير والعرفان ورد الجميل في صور عديدة وجوانب شتى. وطننا الغالي يستحق منا أن نحافظ على مكتسباته، وننمي ثرواته، ونقدم له كل ما نستطيع من البناء والجد والاجتهاد في سبيل رفعته. وطننا الغالي يستحق منا أن نصبوا لأن نجعله نظيفاً أينما حللنا أو ارتحلنا في جميع أرجائه، بأن نكون قدوة لغيرنا، ومصدر إرشاد وتوضيح وتوجيه ما استطعنا إلى ذلك سبيلاً، وأن نعي المسؤولية الملقاة على عاتقنا في هذا المجال، أن نكون فعل وفعل، فالساحة إذا لم يشرفها أبناء الوطن ليجعلوا منها نظيفة، فمن يا ترى سيقوم على نظافتها وترتيبها؟

ونريد أن نوجز بعض النقاط في هذا المجال فالوطن يستحق، الوطن يستحق أن نعمل باستمرار؛ لخلق جيل قادر على إدراك مسؤولياته تجاه الوطن، وخصوصاً الحرص على مقدراته ومكتسباته من التلف والضياع والتخريب أو التعرض للإهمال، بسبب الكسل والتقاعس ونسيان رد الجميل. ويستحق أن نكون عند حسن الظن في العمل على العمل التطوعي القائم على الوقوف على الثغرات الناتجة عن التقصير في بعض جوانب النظافة. ويستحق أن يكون موضوع النظافة أولوية في حياتنا؛ بحيث لا يكون هناك اتكال على جهة معينة أو هيئة حكومية في مسألة النظافة العامة، بل نبادر كل يؤدي دوره حسب استطاعته.

الوطن يستحق أن لا ننظر إلى النظافة بأنها أمر مستحقر أو عمل ينقص من قدرنا أو يقلل من قيمة شخصياتنا، بل هو كمال في العقل والثقافة والرأي السديد. فالنظافة شيء أساسي ومن الأهمية بمكان بحيث تسخر له الجهود وتفرغ له الأوقات.

الوطن يستحق أن ينظر إلى هذا الموضوع من زاويته الحقيقية، فكلما زاد الاهتمام بالنظافة، كلما زادت فرصة أن ينشأ جيل يتمتع بالصحة والعافية وحب العمل والعطاء.

الوطن يستحق أن يرتقي بأبنائه، عن طريق تسخير إمكانياتهم التوعوية والإرشادية؛ للنهوض بهذا الجيل نحو وعي وإدراك بأهمية النظافة الشخصية والعامة، فهذا أدعى للخروج من شرنقة الأمراض والأوبئة والتخلف والجهل.

الوطن يستحق أن يكون خالياً من الأمراض التي يكون سببها قلة الاهتمام بنظافتنا ونظافة بيوتنا وشوارعنا وأسواقنا، فهذه الأماكن يجب أن تولى عناية من قبل الجميع، فالتكاتف يحل المشاكل العويصة ويرقى بالجميع في سلم التحضر والتقدم.

الوطن يستحق أن لا نخرج من دورة مياه عامة أو حديقة أو أي مكان عام نجلس فيه إلا وتكون مغادرتنا له بعد أن يكون نظيفاً. وهذه المسألة، وللأسف الشديد، تحصل دائماً، فدورات المياه والمساجد والحدائق والمتنزهات تجدها دائماً ترزح تحت طائلة الروائح المنتنة والفضلات المتراكمة، هذا وللأسف يعكس شخصيات من يرتادها.

الوطن يستحق أن نضحي من أجل أن يكون بيئة صحية، نعيش فيها بعيداً عن الأمراض الفتاكة والاكتئاب والضيق والملل؛ لذلك ما دام الوطن هو بيتنا الكبير، لا بد من العطاء الواسع في جانب تحويله إلى بيئة نتنفس فيها هواء نقياً، ونشم رائحة زكية، ونبعد عن أنفسنا الحشرات الضارة كالبعوض والذباب، وأيضاً نحاول جاهدين أن لا يكون بيئة خصبة للجراثيم والبكتيريا.

الوطن يستحق منا كل التضحيات، مهما كبرت، في سبيل إيجاد جو من التفاؤل الممزوج بعبق الروائح الطيبة، والأماكن التي تسر الناظرين وتبهج المكتئبين.

الوطن يستحق أن يكون مجالاً لتسابق أبنائه نحو جعله مكان جذب وأنس وابتهاج، بالمحافظة على بيئته نظيفة مشرقة، تزهو بثياب جميلة، تستند إلى رجال يعشقون النظافة وثقافة الأناقة والجمال والزينة القائمة على نظافة المكان والبدن والملبس.

الوطن يستحق أن نقف على كل تفاصيل بيئته؛ لنجعلها بيئة تكون مهوى الأفئدة، وقرة العين، وأنس النفس، من خلال نظافتها وثقافة أبنائها ومعرفة كل دوره في هذا الجانب.

إذاً الأوطان لا تبنى إلا بسواعد أبنائها، والأمم لا تنهض إلا بهمم أهلها، والقناعات التي تغير الواقع المرير إلى واقع مشرق جميل هي التي يعول عليها في تغيير النظرة السائدة إلى مسألة النظافة، خصوصاً العامة، على أنها في الهامش أو تقاذف التهم كل يتهم الآخر بأنه هو السبب، لن يجدي نفعاً، بل لابد من تشمير ساعد الجد والعزم الأكيد على بذل المزيد في سبيل تغيير الواقع الحالي إلى واقع أفضل يزيح عنا كاهل الجهل المستشري بأهمية النظافة في حياتنا. وللعلم النظافة لا تحتاج إلى موارد مالية ولا إلى تضحيات جسام، هي تحتاج إلى أن يعي كل واحد دوره في هذه الحياة تجاه هذا الموضوع.

إننا عندما نقلب هذا الموضوع على وجوه شتى، فنحن نفعل ذلك لنحاول أن نصل إلى نتيجة نكون من خلالها أضفنا لبنة إلى البناء الحضاري، أو أننا نوصل رسالة إلى من كان له قلب أو ألقى السمع وهو شهيد. وعلينا أن نثق بذواتنا وأنفسنا، أننا نستطيع أن نصل إلى مبتغانا، متى ما كانت هذه القضية تحظى بالأهمية التي تستحقها، وأيضاً إذا كان لثقافة النظافة المكانة التي يجب أن توضع فيها. وللأسف، حالياً عندما نذكر النظافة وأبجديات النظافة، سواء في البيئة المحيطة أو الخارجية، وكأنها لا تعنينا لا من قريب ولا من بعيد، مع أننا كنا المعنيون بالدرجة الأولى؛ لأننا نحتاج إلى هواء نقي ومرافق نظيفة، كما أننا يعنينا أن نعيش في بيئة صحية خالية من الأمراض والأوبئة، ويعنينا أن نكون سعداء بحياتنا الهانئة. كل هذه المعطيات لا تكون إلا عن طريق وجود بيئة نظيفة بهمة أبنائها الأفذاذ.

الوطن يستحق أن يكون بيئة مهيأة للعيش الكريم القائم على خلوه من الآفات والأمراض التي تستهلك الأموال والعقول والأوقات، فالمستشفيات تنوء بأعداد وفيرة من المرضى، الذين كان من الممكن تلافي حالاتهم الصحية من خلال خلق بيئة نظيفة جميلة يعيش أهلها في سعادة وصحة وهناء. فالوطن يستحق منا التضحية والعطاء في جانب النظافة في كل مكان وكل بقعة. والنظافة ليست أمراً مستحيلاً ولا صعباً، فقط مجرد إحساسنا بالمسؤولية أمام هذه المهمة الملقاة على عاتق الجميع، وبتعاون الكل.

الوطن يستحق أن يبقى شامخاً أمام أعتى التيارات وأقوى الزوابع، وذلك إذا أخلصنا النية في عملنا الدؤوب باتجاه خلق بيئة جذابة جميلة رائعة، ترتكز على أساس متين من نظافة المرافق والأفراد. وكل شبر في هذا الوطن يكون معنياً بأمر أن يكون نظيفاً خالياً من المخلفات التي تبث سموماً من الحشرات والجراثيم.

الوطن يستحق منا كل التقدير والاحترام، من خلال إبراز دورنا في تنمية الجانب الصحي، من خلال المبادرات التي تخلق حراكاً في الجانب الصحي، وذلك بالعمل على التثقيف والتوعية والإرشاد والنصح باتجاه خلق جو صحي بالتركيز على أهمية مسألة النظافة.

الوطن أغلى ما نملك، فترابه يضمنا، وجباله وسهوله ووديانه وفضاءاته مراتع الصبا ومتنفسنا، وكل خيراته هي لنا، نتصرف فيها لنعيش في رغد من العيش. فلابد من رد الدين وذكر الجميل في شكل حب ينطبع في القلب والروح بصورة تجعلنا نسعى لرفقته وبقائه نظيفاً جميلاً نتنفس فيه أطيب الروائح.