1432927
1432927
المنوعات

خطر الكوارث الطبيعية يحلق فوق الجميع بإندونيسيا والسكان يحاولون التكيف

08 فبراير 2020
08 فبراير 2020

جاكرتا - «د ب أ»: كان الزوار يتطلعون إلى قضاء عطلة نهاية أسبوع مطولة بمناسبة أعياد الميلاد، وكانت الفنادق الكائنة في مضيق سوندا الذي يقع بين جزيرتي جاوا وسومطرة محجوزة بالكامل في نهاية ديسمبر 2018. وفي ذلك الوقت كان معظم الرواد من الإندونيسيين، وكثير منهم جاءوا من العاصمة جاكرتا، حيث يفضل الأجانب زيارة مقاطعة بالي.وفي مساء يوم سبت اكتمل فيه القمر، بدأ فريق «سيفنتين» الغنائي الإندونيسي حفله الموسيقي على شاطئ تانجونج ليسونج أمام جمهور يتكون من بضع مئات من الأشخاص، وكان أفراد الفرقة الموسيقية يعطون ظهورهم للمحيط.

حينئذ جاء التسونامي، وقبيل حلول الساعة التاسعة والنصف مساء، ضربت موجة عاتية الساحل ناتجة عن ثوران بركان جزيرة كاراكاتوا وهو أحد البراكين العنيفة سيئة السمعة في العالم، وبشكل أكثر دقة جاء ثوران البركان من أناك كاركاتوا «أي طفل كاركاتوا»، وهي جزيرة بركانية ثانية تقع في مضيق سوندا تكونت من ثوران بركاني سابق. واستغرق وصول الموجة العنيفة للساحل 24 دقيقة ، حيث اكتسحت 430 شخصا على الأقل ليلقوا حتفهم، ولا يزال العشرات مفقودين حتى اليوم.

ويتذكر كل فرد في إندونيسيا أحداث هذه الكارثة التي وقعت في 22 ديسمبر 2018، ليس بسبب التداعيات المأساوية الناتجة عنها فحسب، ولكن لأنها أنهت آمال المواطنين بأنه يمكنهم الحصول على الحماية من التسونامي عن طريق أنظمة الإنذار المبكر.

ولم يتم إطلاق تحذير مبكر من التسونامي ذلك لأن الموجة الكاسحة لم تحدث نتيجة زلزال، ولكن بسبب حدوث انهيار أرضي هائل، شمل أكثر من مليون متر مكعب، وأدى الانهيار إلى انخفاض جزيرة أناك كاركاتوا حاليا بمسافة 235 مترا عن مستواها السابق ليصبح 100 متر فقط فوق سطح البحر.

ولدى جزر إندونيسيا التي يبلغ عددها 17500 جزيرة خبرات كثيرة مع مثل هذه الكوارث، فيوجد بالبلاد 127 بركانا نشطا بما يفوق أي عدد آخر من البراكين النشطة في العالم، بالإضافة إلى بركان كاركاتوا الذي كان ثورانه عام 1883 أحد أكبر الكوارث الشهيرة في تاريخ البشرية، حيث أدى إلى مقتل 36 ألف شخص، كما أن بركاني ميرابي وأجونج بمقاطعة بالي يشكلان خطورة بشكل خاص، وهما يخضعان لمراقبة من الخبراء على مدار الساعة. غير أنه من المستحيل التنبؤ بشكل دقيق بموعد ثوران بركان، حتى على الرغم من المراقبة المستمرة باستخدام أحدث الوسائل التكنولوجية. وعادت السياحة للانتعاش مرة أخرى في أناك كاركاتوا، وتبلغ تكلفة الرحلة بالقارب إلى هذه الجزيرة من البر الإندونيسي حوالي 250 دولارا. ويمكنك حتى أن تقوم بجولة سيرا على الأقدام داخل الجزيرة، لمشاهدة البحيرة ذات المياه البيضاء كاللبن والتي تكونت نتيجة سقوط أحد النيازك وتندفع الفقاقيع من قاعها، بينما ترتفع سحب كثيفة من البخار إلى عنان السماء، وهو مشهد ساحر بشكل لا يصدق، غير أنه لا يرغب أحد في البقاء طويلا في هذه المنطقة. وبالنسبة للأشخاص الذين يعيشون على طول الساحل فإنهم على وعي دائم بالخطر المحتمل، فمثلا نجد أن أجون سوكاريا الذي يعمل حارسا في العاصمة الإقليمية بانديجلانجد ساعد على انتشال الجثث من تحت أنقاض فندق موتيارا تشاريتا، وبعد ذلك فقد وظيفته. ومع ذلك لا يزال هذا الرجل الذي يبلغ من العمر 42 عاما يقول «إنني أرى كاركاتوا كصديق وليس عدوا، فهو مصدر حياتنا». وكان شخص واحد فقط من السكان المحليين من بين الموتى، ويضيف سوكاريا «الموتى الآخرون كانوا جميعا من جاكرتا، وأنا لا أعرفهم».

وينطبق هذا الرأي على سكان آخرين، فيتذكر عطا صائد الأسماك كيف كان يشعر «بإحساس غريب» قبل ثوران البركان، الأمر الذي ساعده على النجاة بالانتقال إلى منطقة داخلية بالبلاد.

وهو لا يعتزم مغادرة المكان، ويقول عطا الذي يبلغ من العمر 50 عاما «لست خائفا، لأن الموت يمكن أن يدركني في أي مكان، فهو يخضع لمشيئة الله، وأحيانا يغضب بركان كاركاتوا منا نحن البشر لأننا نرتكب خطايا مثل تناول الخمور أو الزنا، ومن هنا فإنه يجلب علينا الدمار».

وليس عطا صائد الأسماك هو الوحيد الذي يعتنق هذا الرأي، فيقول خبير البراكين توريكين بارتوميهادجو «كثير من الإندونيسيين يعتقدون أن هذه الكوارث هي تنفيذ لإرادة الله، وأن الناس يموتون لأنهم ارتكبوا ذنوبا».

ويرى الخبير أنه من المهم إقامة محطات لقياس احتمال ثوران البراكين مع إقامة مخابئ لحماية السكان من غضبها، والأكثر أهمية أن يتعلم السكان كيف يحمون أنفسهم منها، ويقول «ليس أمامنا أي خيار، فهناك الكثير من البراكين في إندونيسيا، وفرصتنا الوحيدة للعيش هو أن نتكيف معها». وتم الآن تشييد حاجز جديد لحماية بانديجلانج، وهو عبارة عن كتلة خرسانية يبلغ ارتفاعها ثمانية طوابق ويشبه ساحة انتظار سيارات عملاقة متعددة الطوابق، غير أن المعالم التي تذكر السكان بالكارثة ما زالت موجودة في كل مكان. ففي فندق موتيارا تشاريتا ما زالت الأسقف منهارة، ولا يزال الطين منتشرا في بعض غرفه، ولا يوجد به كهرباء أو مياه جارية، وظل الفندق مغلقا أمام الزوار في عطلة أعياد الميلاد لعام 2019، غير أن الاحتفالات الشاطئية تواصلت في أماكن أخرى بالجزيرة.