أفكار وآراء

منجزات النهضة والانطلاق نحو المستقبل

03 فبراير 2020
03 فبراير 2020

عوض بن سعيد باقوير - صحفي ومحلل سياسي -

نصف قرن من الإنجازات التنموية وإقامة الدولة العصرية أصبحت شاهدة على إرث إنساني وحضاري وفكري قدمه السلطان قابوس بن سعيد -رحمه الله- من خلال خطابه الأول الذي تحدث عن رؤية تحقيق الدولة العصرية فأنجز الوعد والعهد، ومن هنا فإن تلك المكاسب الوطنية في طول البلاد وعرضها أصبحت أرضية للانطلاق إلى جملة من الرؤى والتحديات التي يفرضها العصر والمرحلة.

إن البناء على ما تحقق من منجزات عظيمة هو ليس فقط مسؤولية الحكومة بل هو واجب وطني على الأفراد والمجتمع وهذا ما أشار إليه جلالة السلطان هيثم بن طارق - حفظه الله ورعاه - في خطابه الأول بعد توليه مقاليد الحكم وهو ضرورة المساندة والتكاتف من الجميع، وهنا لابد أن تكون هناك هبة وطنية لتحقيق الرؤية القادمة من خلال عدد من الملفات الأساسية وفي مقدمتها الملف الاقتصادي وملف الباحثين عن عمل وتقييم الجهاز الإداري للدولة بما يتوافق مع المرحلة الجديدة وإعطاء القدرات الوطنية المزيد من الأدوار في مجال العمل الوطني.

الدولة العصرية

عندما يكون هناك منجز وطني كبير على غرار الدولة العصرية التي أصبحت حقيقة ماثلة للعيان فإن البناء على ذلك يعد أمرا مهما وهذا ما أشار إليه جلالة السلطان هيثم بن طارق - حفظه الله - في خطابه الأول بمجلس عمان يوم 11 يناير عندما أكد على ضرورة البناء على ما تحقق من منجزات ومكتسبات كبيرة استطاع السلطان الراحل رحمه الله، أن يجعل عمان ليس فقط دولة عصرية حديثة ولكن دولة تتمتع بالأمن والاستقرار وذات نهج سياسي متفرد في المنطقة والعالم ومحطة هامة لنزع فتيل الأزمات والصراعات خاصة في منطقة الخليج.

السلطنة لديها إمكانيات كبيرة على صعيد الثروات الطبيعية والموارد البشرية ولديها موقع استراتيجي يطل على البحار المفتوحة من بحر عمان شمالا إلى بحر العرب والمحيط الهندي شرقا وجنوبا علاوة على الخليج العربي، كما أن السلطنة أصبحت تمتلك بنية أساسية شبه مكتملة في كل المجالات الحيوية، ومن هنا فإن البناء على ذلك سوف يتواصل خلال المرحلة الحالية والمستقبلية من خلال تقييم دقيق للمرحلة وما تتطلبه من تغييرات حاسمة للنهوض بالوطن إلى آفاق أرحب في ظل المتغيرات الجيو-سياسية والمنافسة الاقتصادية والتحديات التي يواجهها الاقتصاد العالمي وفي ظل تحديات حقيقية تحتاج إلى مراجعة تفرضها المرحلة للانطلاق إلى مزيد من الإنجازات في كل القطاعات سواء من خلال الخطط الخمسية الحالية أو من خلال رؤية عمان 2040 أو من خلال إعادة النظر في الهياكل المنظمة لعمل الدولة حيث إن المراجعات والتقييم هو أسلوب صحيح للأفراد والجماعات وحتى للدول.

وفي ظل إنجازات وطنيه مشهودة فإن الانطلاقة تصبح لها أساسيات بحيث يكون التركيز على جملة التحديات التي تمت الإشارة إليها وخاصة الملف الاقتصادي الذي لابد أن تتضافر الجهود الحكومية والمجتمعية للخروج من تلك التحديات لتحقيق أهداف الرؤية المستقبلية خلال العقدين القادمين، بحيث تتحقق المؤشرات المرسومة خلال سنوات الرؤية التي تنطلق من العام القادم، ومن هنا فإن التحدي الاقتصادي يبرز للسطح وهذا ديدن كل دول العالم التي تتسابق لتطوير قطاعاتها الاقتصادية من خلال سياسة التنويع الاقتصادي وترشيد الإنفاق وجلب المزيد من الاستثمارات وخلق المزيد من فرص العمل في القطاعات الإنتاجية والتغلب على البيروقراطية ومحاربة الفساد.

النقلة النوعية

من خلال الحديث عن وجود الأرضية والمكتسبات الكبيرة التي تحققت في عهد السلطان قابوس بن سعيد رحمه الله على مدى نصف قرن، فإن الجهد كان كبيرا والتحديات لم تكن سهلة واستطاع السلطان قابوس طيب الله ثراه أن يصنع دولة حديثة بكل معنى الكلمة من خلال سياسة داخلية وخارجية نالت على احترام العالم شرقه وغربه.

نحن الآن أمام فرصة تاريخية للانطلاق مجددا والتحديات يمكن التغلب عليها كما كان عليه الحال عام 1970 التي كانت السلطنة لا تمتلك أي شيء وكانت دولة منعزلة ومقسمة ويتقاذفها الثالوث المرض والجهل والفقر ولكن من خلال الإرادة الوطنية والقيادة الحكيمة حدث التحول التاريخي، ونحن الآن نتحدث عن النقلة النوعية للوطن في ظل مكاسب كبيرة تحققت للوطن ومن هنا فإن التكاتف والعمل بإخلاص سوف يجعلان من تلك النقلة النوعية أمرا حقيقيا خلال المرحلة القادمة.

وكما تمت الإشارة فإن النقلة النوعية والبناء على ما تحقق يحتاجان إلى إحداث تغييرات جذرية في مجال العمل الوطني والى سياسات تتماشى والمرحلة ولكل مرحلة ظروفها وتحدياتها في العصر الرقمي والثورة التكنولوجية والثورة الصناعية الرابعة والذكاء الاصطناعي ووجود المبدعين الذين لهم الأفكار الجديدة بعيدا عن التقليدية التي لم تعد تتماشى وهذا العصر السريع، ومن هنا فإن تلك النقلة النوعية تحتاج إلى رؤية مختلفة وإلى طرح جديد يتماشى والتطورات التي تجتاح العالم من خلال التركيز على الموارد البشرية وهو الأمر الذي نجحت فيه دول جنوب شرق آسيا وأيضا ضرورة جودة التعليم ومن دون هذا الأخير يصعب الحديث عن أي تطور في مجال تلك النقلة النوعية، وهذا يتطلب مراجعة كبيرة لوضع التعليم الذي لم يعد يتواكب مع المستجدات والتحديات وأيضا ضرورات المرحلة وتحقيق الرؤى المستقبلية.

القطاعات الإنتاجية غير النفطية لابد من التركيز عليها بشكل يعتمد عليها في مجال الموارد في ظل تقلبات أسعار النفط ولاشك أن المناطق الاقتصادية في السلطنة سوف يكون لها دور أكبر خاصة في مجال الموانئ البحرية وضرورة استغلالها بشكل أكبر علاوة على قطاع الخدمات والقطاع اللوجستي والأسماك وقطاع التعدين وهذا الأخير يحتاج إلى وقفة جادة لاستغلاله بالشكل الذي يدر على خزينة الدولة العائدات المجزية التي تعزز الاقتصاد الوطني، وتلك النقلة النوعية تحتاج إلى فكر ابتكاري من خلال الكوادر الوطنية الشابة الذين هم نتاج النهضة العمانية الحديثة.

نحو التحديث

السلطنة ومن خلال مقوماتها وموقعها الاستراتيجي ومواردها البشرية الطموحة تحتاج بالفعل إلى نقلة نوعية والى إحداث تغيير في المنهجية والانطلاق إلى تحقيق المزيد من الإنجازات ومنها شبكة الطرق الحديثة التي نفتخر بها كواحدة من افضل شبكة الطرق في منطقة الشرق الأوسط وشمال إفريقيا بل وتتفوق على دول عريقة في الغرب والشرق على حد سواء، ومن هنا فإن تحديث الجهاز الإداري للدولة هو واحد من الملفات الأساسية وأيضا تطوير القوانين والتشريعات ولاشك أن قانون الاستثمار الأجنبي يعد من القانون الهامة التي بدأ تطبيقها في بداية العام الجديد كذلك قانون الشراكة بين القطاعين الخاص والعام.

والسلطنة لديها فرص كبيرة نحو المزيد من الانطلاق في مجال السياحة التي لا تزال دون الطموح ولابد من تحريك المطارات العمانية والموانئ وكل مقومات الدولة وإيجاد السياسات المرنة التي من شأنها جذب المزيد من الاستثمارات في ظل مناخ مستقر وآمن تعيشه السلطنة على مدى نصف قرن.

على المواطن والمجتمع دور أساسي في تلك النقلة من خلال العمل المخلص وزيادة الإنتاجية ولاشك أن القطاع الصناعي يعول عليه من خلال إنشاء المزيد من المصانع الكبيرة التي تستوعب الشباب العماني وتوفر آلاف الفرص للعمل وفي كل محافظات السلطنة، فالتصنيع هو الأساس للدفع بالاقتصاد إلى الأمام والتشجيع على شراء المنتجات الوطنية ودورة رأس المال الداخلي لإنعاش الأسواق المحلية وإقامة المزيد من المنتجعات السياحية حتى يمكن للأسر العمانية أن تقضي أوقات إجازاتها في ربوع الوطن العزيز وعدم إهدار أموالها خارجيا وفي المحصلة الأخيرة فإن الوطن والحمد لله بخير والبنية الأساسية قوية وهذا البناء القوي يتم الانطلاق منه إلى تحقيق نقلة تنموية واقتصادية وبشرية تمكن السلطنة من تحقيق المزيد من الإنجازات لتكون إضافة نوعية للدولة العصرية التي تحققت في عهد السلطان قابوس بن سعيد رحمه الله وجزاه الله خير الجزاء عن وطنه وشعبه والإنسانية.

ولا شك أن جلالة السلطان هيثم بن طارق المعظم - حفظه الله ورعاه - لديه الرؤية والفكر المتجدد والعزيمة التي من خلالها تحدث الانطلاقة الثانية في تاريخ عمان الحديث، ومن المهم أن يتكاتف الجميع خلف قيادته وحكمته لتحقيق الآمال والطموحات الوطنية لتظل عمان دوما دولة راسخة وقوية ومتطورة ومتخطية كل التحديات والعقبات إلى مستقبل واعد تنعم فيه أجيال عمان بالخير والازدهار والتقدم في ظل قيادة جلالته - حفظه الله ورعاه -.