ghada
ghada
أعمدة

غدا ستنتهي الحرب!!

31 يناير 2020
31 يناير 2020

غادة الأحمد -

لم تنته الحرب في سورية، ولكنها أنبتت مخالبها في حياة السوريين، فاتسعت رقعة الفقد ورقعة الحزن ورقعة الوحدة والغربة... واتسعت معها الحكايا.

«يوم لبستُ وجه خالتي الغريبة» مجموعة قصصية للكاتبة السورية سلوى زكزك صدرت حديثاً ترصد حالات إنسانية غاية في البؤس بطلاتها النساء السوريات اللواتي أهدتهن القاصة هذه المجموعة: «إلى السوريات البهيّات»، النساء الصابرات الصامدات اللواتي يتجرعن مرارة الأيام ببسالة ويعاركن قساوة الظروف المعيشية بحكمة الجدات: «لا فائدة تُرجى من رصد أحوال الأمهات القابضات على الجمر، المكويات بخوف الرحيل، وحيدات ومهجورات، يحصين أيام الغياب وتواريخ الوصول إلى الأرض الغريبة». تحار الأمهات بمحتويات حقائب الرحيل الشحيحة، لو كان بيدهن لأفرغن محتويات البيوت في حقائب الأبناء المغادرين في لحظات معتمة، يهربون فيها كاللصوص، كالمنبوذين، أو المطرودين، يديرون ظهورهم لكل شيء حتى لدموع الأمهات. فقد فرضت عليهم الحرب رحلة اللجوء المحفوفة بالمخاطر، والعذاب. «رحيل طويل بلا موعد للعودة... ولا موعد للقاء».

يواصل السوريون حياتهم الطبيعية كما يدّعون ما بين قذيفة وأخرى وفي الفواصل الزمنية الضيقة ما بين موت وآخر، وإصابة وأخرى والسوريون مصرون على تأمين حاجياتهم اليوميّة.

دمشق تبدأ صباحاتها زمن الحرب بحركة متسارعة: «فللمدينة وجه آخر في كل وقت، والثامنة صباحاً مجرد موعد مع الله، يحضر الناس بقوة... تحضر البسطات، وعبوات المياه الهزيلة، والبضائع الرخيصة والفتيان الغافون الضجرون، وأصحاب البسطات المتيقظون الغارقون في كآباتهم».. العاملون والموظفون كل يسير إلى شأنه متبلد الأحاسيس غارق ومثقل بهموم النزوح وتأمين لقمة العيش.

سلوى زكزك لبست حكاية المرأة الغريبة: «تلبستُ حكاية خالتي الغريبة، وشعرت أن وجهي لبس وجهها، وكان لسانها من يروي بدل لساني، وقصصت حكايتها على الأم وطفلها، وعلى ركاب الحافلة أيضاً، أخبرتهم أن ابني الوحيد يعمل في لبنان، ويرسل لي حوالة بريدية شهرية، وكدت أن أفتح حقيبتي لأريهم الرزمة الثخينة، ويدي اليسرى مازالت تقبض على ورقة مالية واحدة عن فئة الألفي ليرة، نقدتني إياها خالتي الغريبة حين تعثرت بغربتها ذات صباح حاشد بالغربة، وصوتها يقول لي: نحن أبناء خير وعز والمصاري وسخ الدنيا!!

ووشمها الكحلي المدقوق على يديها يمعن في غربته ويجرفنا نحوه ومعه».

للحرب مفاصل متعددة منتشرة كما الفطر.. وكما الرصاص، وكما الغياب... غياب يلف الجميع ويطويه بعباءته من البشر وحتى نقطة الماء.

هكذا تسير الحياة في الحرب... وتستمر الأفراح وتُعلن الارتباطات ربّةُ العائلة، حارسة الغياب. وناطور مفاتيح العودة تأبى الدموع تحت سوط الوحشة والغربة والتغييب تأبى تأكيد غياب الأبناء ولا تصدّقه وكأنه سيرة كاذبة، أو مجرد إشاعة مغرضة.

فتعلن خطبة مزدوجة في غياب ابنيها المهاجرين إلى أوروبا.

نساء المجموعة القصصية غريبات في وطن غريب سرق أعمارهن كما سرق أبناءهن... ولكنهن بقين ينسجن حكايات الوحدة ويلّونَّ الحياة بما تبقى من ذكريات عن المنازل التي شيّدنها والورد الذي زرعنه في حديقة الدار...

«غداً ستنتهي الحرب! سترحل بعيداً معترفة بأنها لم تهزم امرأة قط، فكيف بأمٍّ باعت خاتم زواجها مقابل خاتمي زواج للغياب..».

  • يوم لبست وجه خالتي الغريبة - سلوى زكزك - دار آتار للطباعة والنشر.