1426571
1426571
إشراقات

المجتمع مدعو إلى تثمير مواهبه والتنافس في عمل الصالحات والمسارعة إلى الخيرات

30 يناير 2020
30 يناير 2020

خلق الله الخلق متفاوتين ونهاهم أن يتمنى بعضهم عين ما في يد بعض -

عرض: سيف بن سالم الفضيلي -

خطبة الجمعة التي تعدها وزارة الأوقاف والشؤون الدينية تدعو اليوم المجتمع إلى أن يثمروا مواهبهم في التنافس في عمل الصالحات، والمسارعة إلى الخيرات.

موضحة: إن هذا الباب مفتوح أمام الرجال والنساء، والشيب والشباب؛ فإن الدرجات العالية والمقامات الرفيعة، لا تعرف رجلا ولا امرأة، ولا صغيرا ولا كبيرا.

وأكدت أن الله خلق الخلق متفاوتين، فالحياة لا تستمر إلا بهذا الاختلاف في المواهب ولا تكون حياة إلا بهذا التنوع في العطايا، وما من إنسان إلا وقد سخره الله لأخيه الإنسان، فالحاكم لا بد له من محكوم والمحكوم لا بد له من حاكم والغني لا تستقيم حياته إلا بوجود الفقير والفقير لا تستقيم حياته إلا بوجود الغني والرجل لا تستمر حياته إلا بوجود المرأة والمرأة لا تستمر حياتها إلا بوجود الرجل.

وبيّنت أن الله تعالى نهى الخلق أن يتمنى بعضهم عين ما في يد بعض ولئن كان الإنسان منهيًا عن تمني عين ما عند الآخر فقد كان مندوبًا إلى سؤال مثل ما عند الآخر، وأكثر منه فعطاء الله ليس مثله عطاء، ومنعه عطاء، فمن أعطى غيرك قادر على إعطائك، ومن فتح لغيرك قادر على الفتح لك وما كان ليوصد باب الوهاب فمن وقف بالباب رجع من عنده بخير جواب .. وإلى ما جاء في نص الخطبة...

الحمد لله المعطي بفضله، المانع بعدله، القائل في فصله: (وَاسْأَلُواْ اللّهَ مِن فَضْلِهِ)، وأشهد أن لا إله إلا الله، له في كل شيء حكمة، وأشهد أن محمدا رسول الله، أعظم الخلق فعلا وأحسنهم كلمة -صلى الله عليه وسلم وعلى آله وصحبه ذوي العزائم والهمم.

أما بعد، فاتقوا الله، -عباد الله- تفـلحوا، وافعلوا الخير تنجحوا (يِا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ إَن تَتَّقُواْ اللّهَ يَجْعَل لَّكُمْ فُرْقَانًا وَيُكَفِّرْ عَنكُمْ سَيِّئَاتِكُمْ وَيَغْفِرْ لَكُمْ وَاللّهُ ذُو الْفَضْلِ الْعَظِيم).

عباد الله:

(إِنَّ هَـذَا الْقُرْآنَ يِهْدِي لِلَّتِي هِيَ أَقْوَمُ)، فلا تجد شيئًا تستقيم به الحياة إلا وله في القرآن باب، ولا يكون هناك شيء تضنك به الحياة إلا والقرآن عنه حجاب، ولا عجب؛ فالقرآن رسالة الله لكل إنسان، وخطابه الصالح لكل زمان ومكان، ولذلك كان المخاطب مطالبًا بتدبره من غير انقطاع، والغوص في محيطه الذي ليس له ساحل ولا قاع، ولما كان هذا الكتاب كذلك، وكان مسلكه نهاية المسالك وغاية السالك، قال منزله تبارك وتعالى مبيـنا حكمة إنزاله، ومظهرا سره في تفصيله وإجماله: (كِتَابٌ أَنزَلْنَاهُ إِلَيْكَ مُبَارَكٌ لِّيَدَّبَّرُوا آيَاتِهِ وَلِيَتَذَكَّرَ أُوْلُوا الأَلْبَاب)، ولما كانت عجائبه لا تنقضي، وأسراره لا تنتهي، وخيراته وافرة، وبركاته ظاهرة، تجد المؤسسات المرموقة، والجامعات العالية، في مشارق الأرض ومغاربها لا تجد سبيلا أمامه إلا التسليم، وذكره بشيء مما فيه من الخير العميم، ولن نجد قولا في عجائب أسراره، وكثرة حكمه وعظمة أحكامه، أبلغ من قول من أنزله؛ فإنه يقول فيه: (قُل لَّوْ كَانَ الْبَحْرُ مِدَادًا لِّكَلِمَاتِ رَبِّي لَنَفِدَ الْبَحْرُ قَبْلَ أَن تَنفَدَ كَلِمَاتُ رَبِّي وَلَوْ جِئْنَا بِمِثْلِهِ مَدَدًا).

أيها المؤمنون:

إن من الآيات البالغة التي تنظم حياة البشر، وتهذب النفوس، وتصقل القلوب، وتبعث على الهمة، وتندب الإنسان إلى الوصول إلى القمة، وتجعله سليم الصدر، وترفعه ليكون جليل القدر، قول الله تبارك وتعالى: (وَلاَ تَتَمَنَّوْاْ مَا فَضَّلَ اللّهُ بِهِ بَعْضَكُمْ عَلَى بَعْضٍ لِّلرِّجَالِ نَصِيبٌ مِّمَّا اكْتَسَبُواْ وَلِلنِّسَاء نَصِيبٌ مِّمَّا اكْتَسَبْنَ وَاسْأَلُواْ اللّهَ مِن فَضْلِهِ إِنَّ اللّهَ كَانَ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمًا)، تعالوا بنا -يا أهل القرآن- ننظر إلى تجليات كرم ربنا تبارك وتعالى من خلال هذه الآية؛ فإن ربنا هو الغني الحميد، ومن آثار غناه أنه خلق الخلق متفاوتين، وجعلهم غير متشابهين، فلا شك أن الذي يصنع ألف مصباح بصور مختلفة وقوى متفاوتة، هو أرسخ قدما وأعظم اختراعا ممن يصنع مصباحا واحدا (وَلِلّهِ الْمَثَلُ الأَعْلَىَ وَهُوَ الْعَزِيزُ الْحَكِيم).

عباد الله:

إن الحياة لا تستمر إلا بهذا الاختلاف في المواهب، ولا تكون حياة إلا بهذا التنوع في العطايا، وما من إنسان إلا وقد سخره الله لأخيه الإنسان، فالحاكم لا بد له من محكوم، والمحكوم لا بد له من حاكم، والغني لا تستقيم حياته إلا بوجود الفقير، والفقير لا تستقيم حياته إلا بوجود الغني، والرجل لا تستمر حياته إلا بوجود المرأة، والمرأة لا تستمر حياتها إلا بوجود الرجل (نَحْنُ قَسَمْنَا بَيْنَهُم مَّعِيشَتَهُمْ فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَرَفَعْنَا بَعْضَهُمْ فَوْقَ بَعْضٍ دَرَجَاتٍ لِيَتَّخِذَ بَعْضُهُم بَعْضًا سُخْرِيًّا وَرَحْمَتُ رَبِّكَ خَيْرٌ مِّمَّا يَجْمَعُون)، ولما كانت حكمة الله في خلق العباد على هذه الصفة، نهاهم أن يتمنى بعضهم عين ما في يد بعض؛ فإن كان هذا مفضلا بشيء فقد فضل الآخر بشيء آخر، وعلى كل إنسان أن يبحث عما فضل به، ويفتش عما خص به، ومن كان صادقا في البحث والتـفتيش، فسيجد نفسه أمام قول رب العالمين: (وَإِن تَعُدُّواْ نِعْمَةَ اللّهِ لاَ تُحْصُوهَا).

فاتقوا الله -عباد الله-، واشكروه على نعمائه، واستزيدوه من فضله وعطائه؛ فإن ربكم هو الكريم، وعطاءه هو العطاء العظيم.

أقول قولي هذا وأستغفر الله العظيم لي ولكم، فاستغفروه يغفر لكم إنه هو الغفور الرحيم، وادعوه يستجب لكم إنه هو البر الكريم.


الحمد لله، وأشهد أن لا إله إلا الله، وأشهد أن محمدا رسول الله، صلى الله عليه وسلم وعلى آله وصحـبه ومن والاه.

أما بعد، فاتقوا الله -عباد الله-؛ وثمروا مواهبكم في التنافس في عمل الصالحات، والمسارعة إلى الخيرات، وهذا الباب مفتوح أمام الرجال والنساء، والشيب والشباب؛ فإن الدرجات العالية والمقامات الرفيعة، لا تعرف رجلا ولا امرأة، ولا صغيرا ولا كبيرا، بل قانونها (لِّلرِّجَالِ نَصِيبٌ مِّمَّا اكْتَسَبُواْ وَلِلنِّسَاء نَصِيبٌ مِّمَّا اكْتَسَبْنَ)، وميزانها (إِنَّ أَكْرَمَكُمْ عِندَ اللَّهِ أَتْقَاكُمْ)، وشرط السعي لتلك الدرجات والصعود إلى تلك المقامات (فَلاَ تُزَكُّوا أَنفُسَكُمْ هُوَ أَعْلَمُ بِمَنِ اتَّقَى)، ولئن كان الإنسان منهيا عن تمني عين ما عند الآخر، فقد كان مندوبا إلى سؤال مثل ما عند الآخر وأكثر منه؛ فعطاء الله ليس مثله عطاء، ومنعه عطاء (وَاسْأَلُواْ اللّهَ مِن فَضْلِهِ إِنَّ اللّهَ كَانَ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمًا)، فمن أعطى غيرك قادر على إعطائك، ومن فتح لغيرك قادر على الفتح لك، وما كان ليوصد باب الوهاب، فمن وقف بالباب، رجع من عنده بخير جواب؛ ألم يأمرك بالدعاء ويعدك بالإجابة (وَقَالَ رَبُّكُمُ ادْعُونِي أَسْتَجِبْ لَكُمْ) ألم يخبرك بالقرب لتكون من أهل القرب الذين يدعون فيجابون، ويعملون فيثابون (وَإِذَا سَأَلَكَ عِبَادِي عَنِّي فَإِنِّي قَرِيبٌ أُجِيبُ دَعْوَةَ الدَّاعِ إِذَا دَعَانِ فَلْيَسْتَجِيبُواْ لِي وَلْيُؤْمِنُواْ بِي لَعَلَّهُمْ يَرْشُدُون)، وما طلب الطالب من ملك المطلوب؟! (يا عبادي، لو أن أولكم وآخركم، وإنسكم وجنكم سألوني فأعطيت كل واحد مسألته، ما نقص ذلك مما عندي شيـئا!) .

هذا وصلوا وسلموا على رسول الله الأمين، فقد أمركم ربكم بذلك حين قال: (إِنَّ اللَّهَ وَمَلاَئِكَتَهُ يُصَلُّونَ عَلَى النَّبِيِّ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا صَلُّوا عَلَيْهِ وَسَلِّمُوا تَسْلِيمًا).

اللهم صل وسلم على سيدنا محمد وعلى آل سيدنا محمد، كما صليت وسلمت على سيدنا إبراهيم وعلى آل سيدنا إبراهيم، وبارك على سيدنا محمد وعلى آل سيدنا محمد، كما باركت على سيدنا إبراهيم وعلى آل سيدنا إبراهيم في العالمين، إنك حميد مجيد، وارض اللهم عن خلفائه الراشدين، وعن أزواجه أمهات المؤمنين، وعن سائر الصحابة أجمعين، وعن المؤمنين والمؤمنات، وعن جمعنا هذا برحمتك يا أرحم الراحمين.

اللهم ارحم سلطاننا قابوس، وأعطه من الأجر والثواب ما ترجو له النفوس، اللهم ضاعف له أجور صالح العمل، وتجاوز عنه كل خطأ وزلل.

اللهم ربنا احفظ أوطاننا وأعز سلطاننا وأيده بالحق وأيد به الحق يا رب العالمين، اللهم أسبغ عليه نعمتك، وأيده بنور حكمتك، وسدده بتوفيقك، واحفظه بعين رعايتك.

اللهم اجعل جمعنا هذا جمعا مرحوما، واجعل تفرقنا من بعده تفرقا معصوما، ولا تدع فينا ولا معنا شقيا ولا محروما.

اللهم أعز الإسلام واهد المسلمين إلى الحق، وأجمع كلمتهم على الخير، واكسر شوكة الظالمين، واكتب السلام والأمن لعبادك أجمعين.

اللهم يا حي يا قيوم يا ذا الجلال والإكرام، لا إله إلا أنت سبحانك بك نستجير، وبرحمتك نستغيث ألا تكلنا إلى أنفسنا طرفة عين، ولا أدنى من ذلك، وأصلح لنا شأننا كله يا مصلح شأن الصالحين.

اللهم أنزل علينا من بركات السماء وأخرج لنا من خيرات الأرض، وبارك لنا في ثمارنا وزروعنا وكل أرزاقنا يا ذا الجلال والإكرام.

ربنا آتنا في الدنيا حسنة وفي الآخرة حسنة وقنا عذاب النار.

اللهم اغفر لكل من آمن بك، الأحياء منهم والأموات، إنك سميع قريب مجيب الدعاء.