إشراقات

جيل عاملات المنازل «٢»

23 يناير 2020
23 يناير 2020

علي بن سعيد العلياني -

جيل عاملات المنازل جيل يتسم في معظمه وليس كله باللامبالاة وعدم التفكير في العواقب السيئة في عدم الاعتماد على النفس وبالتالي عندما يأتي السقوط يكون مريعا ولننظر إلى الواقع الذي يخبرنا بأكوام من النفايات في كل مكان أضف إلى ذلك النتائج السيئة في المدارس وغيرها من مرافق التعليم فهناك الشرود الذهني والتحصيل المتدني إلا ما ندر وما هذا إلا بسبب الاتكالية على العاملة وعدم القدرة على تحمل التبعات بعد أن نشأ حتى اللقمة تدخل في فمه.

جيل عاملات المنازل لا يبالي أن ينظف آباءهم أو أمهاتهم أماكن نومهم وأكلهم وجلوسهم ولا يرى غضاضة في ذلك فقد تعود أن يأخذ ولا يعطي فالمسكين لم يفهم يوما أن الدنيا هي أخذ وعطاء ولم يعِ أنه ولد ليتولى مسؤولية ويؤدي دورا في هذه الحياة وبالتالي لابد أن يعد نفسه إعدادا جيدا لذلك اليوم من خلال الاعتماد على نفسه من بداية مشواره في هذا الحياة.

الوالدان يجب أن يدركا أن دورهما في هذه الحياة يتعدى توفير الطعام والشراب والراحة لأبنائهم لتجد الكلمة الشائعة بين الآباء «إني وفرت وجمعت وفعلت ومع ذلك الأولاد ما فالحين»، فهم لا يعرفون أنهم ظلموهم بأن خلقوا منهم أشخاصاً كسالى يعتمدون على غيرهم في كل صغيرة وكبيرة دون توجيه ولا تنبيه ولا أمر أو نهي وبالتالي فإن الوزر الأكبر يقع على عاتق الوالدين، فلسنا في معرض تثمين أجساد بل المفروض توجهنا هو تنشئة الأجساد على الصبر والقوة والتحمل والاعتماد على النفس، المفروض نبني العقول القادرة على التفكير في النافع والضار. الوالدان عليهم أن يرتقوا بتفكيرهم أثناء تربية أبنائهم إلى المستوى الذي يجعلهم يتعاملون مع أناس هم يعدوهم لتحمل المسؤولية من بعدهم، وبالتالي ينتبهوا إلى ظروف التربية الملائمة لإيصالهم إلى بر الأمان.

جيل عاملات المنازل، هناك نماذج مثالية من الوالدين خلقوا أناس متميزين في هذا الوسط الذي خلق لنا أزمة فهم وإن كانوا جلبوا عاملات أو عمال منازل إلا أنهم لم يفرطوا في دورهم في الحياة تجاه أبنائهم ولم ينسوا أن يجعلوهم يعتمدون على أنفسهم من خلال التربية والتوجيه وحث الولد على العناية بنظافته ونظافة المكان الذي يعيش فيه حتى إذا خرج إلى البيئة الخارجية كان قدوة ومثالاً يحتذى في مسألة المحافظة على النظافة أينما حل أو ارتحل وهؤلاء الآباء الأفذاذ كانوا وما زالوا يحبون أبناءهم حباً جماً ويخافون عليهم من كل أذى فليس معنى للحب إذا كان سيدمر مستقبل أبنائنا ولا رغبة في المحافظة على الأبناء إذا كانت هذه المحافظة نتيجتها ايجاد جيل كسول مترهل لا يستطيع أن يسقي نفسه شربة ماء.

جيل عاملات المنازل هو الجيل الذي جاء بعد أن عاش الجيل الذي قبله في ظروف اقتصادية صعبة، وبالتالي عندما تغير الواقع بوجود الطفرة الاقتصادية النفطية وتغيرت الأوضاع المعيشية، لم تواكبها طفرة في الوعي بمعاني التربية في ظل الظروف الجديدة، لذلك ظهر هذا الجيل الذي أعطي من العطف والحنان الخاطئ جرعات زائدة عن الحد ودار في خلد الوالدين أن المحافظة على هذا الابن أو الابنة من كل آثار الشقاء والتعب ولفحات الشمس الحارقة، يتطلب إيجاد وضع يصبح الابن أو الابنة عديم الحركة وقليل النشاط، وللأسف انساق وراء المحافظة على بشرة الأبناء الكثير من الآباء وانطلت عليهم الحيلة التي تقول إن علامة وجاهتك وتحضرك أن يكون ولدك بشرته لم تلفحها الشمس وجسمه لم ينهكه العمل لذلك نشأ جيلاً اتكالياً غير قادر على إعالة نفسه فضلا أن يكون متميزا منتجا، هناك استثناءات من هذا الحكم فليس كل الناس غير واعين إلى مخاطر تدليل الأولاد لكن نسبة كبيرة وقعوا في فخ وهم التحضر من خلال تدليل الأبناء فهناك آباء وأمهات مع وجود المال والجاه لكنهم ربوا أبناءهم تربية أخرجوا منهم أبناء يعتمد عليهم في كل الميادين لكن المبالغة في التدليل انسحب على كل جوانب حياة هؤلاء المدللين وخصوصاً جانب النظافة لكون هذا الجانب يمس المجتمع من ناحية أهميته وكون الأبناء جزء من هذا النسيج الاجتماعي في جميع مراحل الحياة.

جيل عاملات المنازل فيما يخص النظافة فإننا جميعاً نعلم أن الوظيفة الرئيسية لعاملات المنازل هو نظافة البيوت بنسبة كبيرة وهذا يدلنا دلالة واضحة على الدور الكبير الذي تلعبه العاملات في الحد من اعتماد الأولاد على أنفسهم في مسألة النظافة. من هنا كانت الأهمية لإثارة هذه القضية الشائكة فهي تحتاج إلى حملات توعية خصوصاً لربات البيوت ولأولياء الأمور لإنقاذ أبنائهم من مشكلة أن يظلوا عالة على المجتمع بعد أن يكبروا في جميع النواحي ولكوننا هنا نتكلم عن النظافة فإن هذا الجانب قد تأثر كثيراً ومشاهدة الظواهر السلبية الناتجة عن هذه الممارسات الخاطئة كفيل بقرع جرس الإنذار لمن كان له قلب أو ألقى السمع وهو شهيد وخير دليل على ذلك ما نشاهده من تناثر المخلفات هناك أو هناك أمام المحلات وعلى جوانب الطرقات وفي الأحياء وفي الأماكن العامة كالمنتزهات والحقائق فأكياس المأكولات والمعلبات الفارغة للمياه الغازية وأكواب العصائر أمام المقاهي هي مشاهد يومية متكررة ناجمة عن غياب حس المسؤولية العامة والخاصة بسبب فقر الجيل الحالي إلى خاصية التعود على الاعتماد على النفس في جانب النظافة.

جيل عاملات المنازل إذا كنا متفقين عليه ونريد له الخيار والنجاح والصلاح فلنوجهه نحو الوجهة الصحيحة التي تخدمه في كل مراحل حياته ولنقف إلى جنبه لنقول له أن مسؤولية النظافة في حدود استخدامه لمتطلبات حياته تقع على عاتقه وأننا بذلك لسنا نعاقبه بل نمنحه فرصة أفضل للحياة ونعطيه جرعة تنفعه وتقوي من جسمه وتنمي فكره وإدراكه وتصقل مواهبه وبالتالي هو يعيش في ورشة تدريب ضرورية لا نحاول أن نمنعه عنها بحجة حمايته من المكروه، فإن هذه الحماية هي تدمير ممنهج للجسم والعقل والإدراك.

يجب أن يكون لدينا وعي كامل بما يريده واقع أبنائنا من خلال إعداد منهج يسيرون عليه ليستطيعوا الدخول إلى معترك الحياة متسلحين بالعزيمة والقوة والإصرار وحب المثابرة وارتياد الصعاب بدل أن نرمي بهم، كما قال الشاعر: «ألقاه في اليم مكتوفاً وقال له إياك إياك أن تبتل بالماء».