أفكار وآراء

ازدهارنا المُختَل

21 يناير 2020
21 يناير 2020

روبرت سامويلسون ـ واشنطن بوست -

ترجمة : قاسم مكي -

إنه عام اللامساواة. اتخذ الجدل الاقتصادي في الولايات المتحدة انعطافة مثيرة عام 2019. من المؤكد أن قدرا كبيرا من الاهتمام انصرف نحو قضايا مألوفة مثل الوظائف وأسعار الفائدة والتضخم والتجارة.

لكن هذه القضايا التي قتلت بحثا حل محلها الآن انشغال متزايد بلغ حد الوسوسة بالطبيعة المختلة للازدهار الأمريكي.

لقد صار من باب الموضة إدانة البليونيرات. فبيرني ساندرز (مرشح رئاسي ديمقراطي سابق) يعتقد أنه ينبغي محوهم من على وجه الأرض. ومن جانبها، تقول اليزابيث وارن (ديمقراطية متطلعة إلى الترشح في الانتخابات الرئاسية القادمة) إن الحكومة تعمل فقط من أجل مصلحة أصحاب الثراء الفاحش والشركات العملاقة.

في الواقع الكثير من كل هذا ليس أكثر من بحث مضنٍ عن كبش فداء في سنة انتخابية. فنحن نبرئ كل أحد وكل شيء آخر تقريبا حين نحمِّل من يشكلون نسبة الواحد في المائة من الأمريكيين الأعلى دخلا المسؤولية عن العديد من مشاكلنا.

رغما عن ذلك من الواضح أن شيئا جليلا يحدث. ونحن بحاجة إلى فصل الحقيقة عن المتخيل.

دعونا نلقي نظرة خاطفة على بيانات مستخلصة من تقرير جديد صدر عن مكتب الموازنة بالكونجرس. يظهر التقرير مكاسب من ينتمون إلى فئة الواحد في المائة الأعلى دخلا في الولايات المتحدة ثم الـ 19% التي تليها ثم الـ 80% في أسفل سلم الدخل.

مثلا في عام 2016 كان متوسط دخل الفرد الأمريكي من فئة الـ 1% الأعلى دخلا حوالي 1193900 دولار. أما في العام القادم (2021) فيقدر مكتب الموازنة بالكونجرس أن متوسط دخل الفرد من هذه الفئة سيكون 1393000 وهو ما يعني مكسبا إضافيا يصل إلى حوالي 199100 أو 16.7%. في ذات الوقت كان دخل الفرد من فئة الـ 25% الأكثر فقرا 35000 دولار . ويُقَدّر أنه في عام 2021 سيكون 36700 دولارا. أي أن الزيادة في دخل الفرد من هذه الفئة ستكون 1700 دولار أو 4.9%.

تنطوي التحويلات الحكومية مثل طوابع الطعام (التي تقدم بموجب برنامج مساعدات التغذية التكميلية) والعون الطبي (برنامج ميديكيد) على أهمية حاسمة في دعم أولئك الذين يتموضعون في أسفل سلم الدخل. هذه البرامج تزيد الآن دخل أفقر 20% من أفراد الشعب الأمريكي بحوالي 70% ، بحسب مكتب الموازنة بالكونجرس.

والفكرة التي ترى أن دخول معظم العائلات الأمريكية من خارج شريحة الـ 10% الأكثر ثراء أو نحو ذلك تتسم بالركود تنطوي على شطط ومبالغة في أفضل الأحوال . فَمِمّا له دلالة أن الإحصاءات التي استخدمها مكتب الموازنة تشمل برامج التحويلات (برنامج التغذية التكميلية وسواه) ومعاملات ضريبية تفضيلية مفيدة. بعض الدراسات الأخرى، بما في ذلك التقديرات الحكومية الرسمية للفقر، تعرضت للنقد لأنها أسقطت هذه التحويلات النقدية وبالتالي ضخَّمَت الفقر.

دعونا ننتقل الآن إلى الخبر السيء. يؤكد جدول بيانات دراسة مكتب الموازنة بالكونجرس أن اللامساواة الاقتصادية تتزايد بوتيرة منتظمة. فكلما ارتقى الفرد في سلم الدخل كلما زادت مكاسب الدخل زيادة نسبية ومطلقة على السواء. وما يثير الإحباط أيضا أن الاقتصاديين لا يتفقون تماما حول أسباب ذلك.

يقول معدُّو تقرير مكتب الموازنة بالكونجرس إن «الدراسات لم تؤدِّ إلى إجماع بعد». وكثيرا ما يوجه اللوم إلى العولمة أو تعهيد الإنتاج (يعني هذا المصطلح نقل عملية الإنتاج من البلد الأم إلى بلد أجنبي للاستفادة من رخص العمالة مثلا - المترجم).

يذكر تقرير مكتب الموازنة في هذا الصدد الرواتب العالية لكبار المسؤولين التنفيذيين في الشركات الأمريكية والمستشارين ذوي المخصصات المالية المجزية وكبار النجوم الذين يحصلون على تعويضات نقدية مجزية كالممثلين والرياضيين والموسيقيين.

ويبدو من المحتم أن فائقي الثراء وربما أفراد الطبقة الوسطى العليا سيدفعون المزيد من الضرائب إذا حدثت زيادة أخرى في الضرائب لأن تركز الدخل يعني أيضا تركز الضرائب. فمن يشكلون نسبة الواحد في المائة الأعلى دخلا يدفعون سلفا حوالي 25% من كل الضرائب الفيدرالية.

لا ينبغي لأحد أن ينحى باللائمة على فائقي الثراء. لم يختف الجشع. ومن المؤكد أن هنالك حالات عديدة للتصرفات غير الأخلاقية. لكن يصعب القول أن مثل التصرفات تقتصر على الأغنياء.

لا يترتب على هذا القول أن بليونيرات أمريكا أضعفوا الاقتصاد. ومن المرجح أن يكون ضرر الضرائب العقابية (التي تفرض علي دخولهم) أكبر من نفعها.

الخطر الجسيم في هذه الحالة اجتماعي وسياسي. وهو يتمثل في إيجاد أو توسيع مجتمع متعدد الفئات تتمتع فيه بالمكاسب الأكبر في الدخل مجموعات صغيرة نسبيا من الناس تتموضع قريبا من قمة سلم التوزيع الاقتصادي.

يشعر الأثرياء وشبه الأثرياء بأنهم وُصِموا وحُطَّ من قدرهم لنجاحهم. ومن جانب آخر يشعر العديد من الأمريكيين الذين تقل دخولهم عن المستوى الأعلى في سلم الدخل بالاستياء لأن كدهم واجتهادهم في العمل لم يحقق لهم الأمان والاستقرار الذي يشعرون بأنهم يستحقونه.

لقد سبق لترامب استغلال هذا المزاج. وتشير كل الدلائل إلى أنه سيستغله مرة أخرى في انتخابات عام 2020. هذا الاحتمال لا يسعد البال.