salim
salim
أعمدة

نوافذ: وجــع الرحــيل

20 يناير 2020
20 يناير 2020

سالم بن حمد الجهوري -

[email protected] -

أفجع الرحيل المؤلم لباني عمان الحديثة ومؤسسها السلطان قابوس بن سعيد «طيب الله ثراه»، أبناء عمان والأمة العربية والعالم، لما يمثله من ثقل كبير وقدرة جعلته متبوئًا مكانةً علية على المسرح الدولي، أوجع هذا الرحيل الكبير لهذا القائد الكبير كل عماني وعربي ومحب لشخصه على وجه هذا الكوكب، إيمانا منهم أن غيابه يمثل خسارة لا يمكن تعويضها، للصفات التي اجتمعت فيه وقدرت له هذا الانفراد عن الآخرين بالحكمة والحلم والقدرة على تطويع الأمور المستعصية ليس في عمان فحسب، بل في العالم الذي جاء جماعات وفرادى لمواساة عمان وسلطانها الجديد، تقديرًا لتلك المكانة التي أوصل إليها هذا الوطن، الذي بناه من الصفر قاطعًا كل تلك المراحل حتى بلوغ الذرى وهي المكانة التي ينشدها كل من على هذا الكوكب.

تألم الكثير رجالًا ونساءً، شيبًا وشبابًا على فقيد عمان ورمزها؛ لأنهم يرونه في كل حجر وطريق وكل جبل وسهل وكل منزل وحي وكل شاطئ وصحارٍ ووهاد يرونه في الجبل الأخضر وسمحان والقمر، يرونه في كل اللحظات الخالدة التي تبقى في عقولهم عالقة لا يمحوها الزمن، يرونه في كل الإنجازات التي تحققت، وكل الوعود التي أوفيت، وكل الآمال التي قطعت، وكل الأحلام التي رسمت، وكل الجولات التي تعددت، وكل اللقاءات التي جمعت، وكل الأحداث التي سطرت، وكل الأقلام التي خطت عن رؤية مبكرة لسعادة الإنسان الذي وعد بها وأوفى.

رحل من صنع لعمان شخصيتها وقدرتها على فرض احترامها على العالم، وعلى من طلب ودها في إسناد لحل خلاف مع جارٍ أو مكون منها، من صنع بواكير السلام والأمن اللذين كانا هما على كتفه فتجلت رؤية في اتفاق كامب ديفيد، عندما كان البعض يتعاطى السياسة بعاطفته بعيدًا عن الواقعية، ثم وسيط السلام بين حربي الخليج واحتلال العراق والأزمة السورية واليمنية والليبية، والصراعات الدولية من مشرق الأرض إلى مغربها، ليشهد زعماء العالم الكبار له تلك المكانة والقدرة على تطويع الممكن، رجل كان همه أن يعيش العالم بسلام واستقرارًا، رحل وليس في رقبته دم بريء أو تآمر على جارٍ قريب أو بعيد، أو أي من البشر، رحل وهو نقي في مبادئه وأخلاقه، عفيف في تعامله واضح شفاف صريح ذو مواقف ثابتة من 50 عامًا لم تتغير أو تتبدل مع المصالح ولم تمل إلى جانب، ولا يحمل أي أجندة خفية أو يضمر لأحد أي من كان، لذلك لقب بسلطان السلام، وأي سلام هذا الذي أصبح أمنية غالية على وجه المعمورة.

كيف لا يأسر قلوب أبنائه، وهو من وضعهم في عينيه، كيف لا يبكونه ويتعلقون بثراه وهو من شق الطرقات الوعرة ليصل إليهم في الجبل والسهل والصحاري والأودية، كيف لا يمتلك وجدانهم وقد علمهم أن الإرادة تبدأ من التعليم تحت الشجر، كيف لا يذرفون الدمع عليه وهو من أنار لهم طريق الحياة وتفتحت أعينهم عليه منذ سنواتهم الأولى وعاشوا في رعاية وحماية.

رحل من عشق تراب هذا الوطن ومن جعل كل العمانيين يعشقونه وتشبعوا بتلك الوطنية الفذة التي قدموا أرواحهم من أجل كل ذرة فيه وكان إمامهم في ميادين الوغى عندما كانت الأطماع تحوم حول الوطن من كل حدب وصوب،علمهم أن الوطن أثمن ما يكون في هذا الوجود، وأن من لا وطن له لأسماء تظله.

رحل وترك امتداده ليعيش العمانيون تحت ظله، هو سلطانهم الجديد الذي اختاره بعناية ليضمن لهم الحياة الكريمة بعد رحيله، فأكرمهم حيا وميتا.