1417417
1417417
عمان اليوم

انتقال سلس للسلطة بإنفاذ النظام الأساسي والتزام الأصالة والحكمة العمانية

12 يناير 2020
12 يناير 2020

تثبيت وصية جلالة السلطان قابوس عرفانا وتقديرا من العائلة المالكة -

كــــــــتب : عماد البليك -

كان الانتقال السلس للسلطة في السلطنة العنوان الأبرز في عدد من الصحف والوسائل الإعلامية الخارجية، وتنوعت العناوين في المفردات وإن اتفقت في المضمون، السلاسة والهدوء، وهي إشارات إلى عمق ما يتجذر في مضامين الثقافة العمانية وأصالتها في الميراث التاريخي والسياسي عبر القرون الذي تأكد في عهد النهضة الحديثة التي بدأت مع جلالة المغفور له بإذن الله السلطان قابوس بن سعيد بن تيمور.

بحسب النظام الأساسي للدولة الصادر بالمرسوم 101/‏‏ 96 في السادس من نوفمبر 1996 الذي تم تعديله وفق المرسوم 99/‏‏ 2011 بتاريخ 19 أكتوبر 2011م، ويتضمن النظام الأساسي دستور البلاد الذي يوضح شكل الدولة ونظام الحكم والحقوق والحريات والواجبات العامة، ويوضح السلطات الثلاث التشريعية والتنفيذية والقضائية، ويمضي في توضيح اختصاصات كل سلطة من هذه السلطات من حيث الواجبات والحدود، أيضا يوضح المبادئ الدولية والعامة.

وفي التعديل الذي تم عام 2011 فقد شمل توسيع صلاحيات مجلس عمان وبيان القواعد الرئيسية المبينة لعمل المجلس الذي يضم فيه جناحيه مجلس الدولة ومجلس الشورى، ويخصص الباب الأول من النظام الأساسي للدولة ونظام الحكم وهو الذي عبر عدد من مواده يتم توضيح آلية انتقال السلطة بعد شغور منصب سلطان البلاد.

تنص المادة الخامسة من النظام الأساسي على أن يكون نظام الحكم في السلطنة سلطانيا وراثيا حيث ورد فيها النص الآتي: «نظـام الحكم سـلطاني وراثي في الذكـور من ذريـة السيد تركـي بن سعيد بن سلطـان ويشترط فيمن يختار لـولاية الحكم من بـينهم أن يكون مسلما رشيدا عـاقلا وابنا شرعيا لأبوين عمانيـين مسلمين».

أما المادة السادسة من النظام الأساسي فتوضح آلية اختيار السلطان الجديد للبلاد بعد شغور المنصب، وقد ورد في نص المادة كالآتي: «يقوم مجلـس العائلة المالكة، خلال ثلاثة أيام من شغور منصب السلطان، بتحديد من تـنتـقل إليه ولاية الحكم. فإذا لم يتـفق مجلس العائلة المالكة على اختيار سلطـان للبلاد قام مجلس الدفاع بالاشتراك مع رئيسي مجلس الدولة ومجلس الشورى ورئيس المحكمة العليا وأقدم اثنين من نوابه بتثبيت من أشار به السلطان فـي رسالته إلى مجلس العائلة».

ومعلوم أن مجلس الدفاع هو الذي يتولى تسيير الأمور في البلاد خلال فترة شغور المنصب، وإلى أن يتم اختيار السلطان حيث حسب المادة السابعة من النظام الأساسي «يـؤدي السلطان قبـل ممارسـة صلاحياتـه، في جلسـة مشتركة لمجلسـي عمـان والدفاع، اليمين الآتية: (أقسم بـاللّه العظيم أن أحترم النظام الأساسي للـدولـة والقوانين، وأن أرعى مصالح المواطنين وحـرياتهم رعـاية كاملة، وأن أحافظ على استقلال الوطن وسلامة أراضيه)».

في ذات الوقت وحسب المادة الثامنة «تستمر الحكومة في تسيير أعمالها كالمعتاد حتى يتم اختيار السلطان ويقوم بممارسة صلاحياته».

بحسب ما تم وإنفاذا للدستور فقد قام بالخطوات اللازمة لضمان استقرار البلاد بعد شغور المنصب، وقد كان من نعم الله وحكمة أهل عمان والعائلة المالكة أن الأمور مضت بهذه السلاسة والسهولة حيث كان الاقتداء بالأسوة الحسنة من التاريخ العماني الذي يقوم على الشورى والدقة والانتباه، وبالتالي فلم تكد تمر سوى ساعات معدودات حتى رتب كل شيء بهذه الدقة الموروثة عن نهج جلالة السلطان الفقيد قابوس المعظم، الذي طالما عرف بهذا الجانب من الإدارة الحكيمة، ولهذا فقد كان جلالته رحمه الله حريصا أشد الحرص أن يكون هذا الجانب جليا في النظام الأساسي العماني بحيث لا يترك ثغرة ويضمن الأمان والاستقرار لهذه البلاد وأهلها وما تم فيها من منجزات على كافة الأصعدة طوال عقود النهضة المباركة التي بدأت منذ مطلع السبعينات.

أصدر مجلس الدفاع بيانه بعد إعلان الوفاة الذي أوضح فيه أنه بناء على المادة السادسة من النظام الأساسي للدولة الصادر بالمرسوم السلطاني رقم 101/‏‏96 وتعديلاته، فقد انعقد مجلس الدفاع برئاسة معالي الفريق أول سلطان بن محمد النعماني وزير المكتب السلطاني رئيس مجلس الدفاع بالإنابة، وبحضور جميع أعضائه، وهم: معالي الفريق حسن بن محسن الشريقي المفتش العام للشرطة والجمارك، معالي الفريق سعيد بن علي الهلالي رئيس جهاز الأمن الداخلي، الفريق الركن أحمد بن حارث النبهاني رئيس أركان قوات السلطان المسلحة، اللواء الركن مطر بن سالم البلوشي قائد الجيش السلطاني العماني، اللواء الركن طيار مطر بن علي العبيداني قائد سلاح الجو السلطاني العماني، اللواء الركن بحري عبدالله بن خميس الرئيسي قائد البحرية السلطانية العمانية، اللواء الركن خليفة بن عبدالله الجنيبي قائد الحرس السلطاني العماني.

وأوضح بيان مجلس الدفاع بأنه تنفيذًا للمادة (2 /‏‏ أ) من المرسوم السلطاني رقم (105/‏‏ 96 في شأن مجلس الدفاع، فقد قام مجلس الدفاع بدعوة مجلس العائلة المالكة للانعقاد لتحديد من تنتقل إليه ولاية الحكم، وسيظل مجلس الدفاع في حالة انعقاد «معاهدين الله بالثبات على الولاء والطاعة لما فيه خير هذا الوطن العزيز ورفعته. حفظ الله عمان وشعبها الوفي»، وقد كان ذلك صباح يوم السبت 15 جمادى الأولى 1441هـ الموافق11 يناير 2020م.

ولم يمض سوى وقت وجيز لم يتجاوز الساعتين في صباح اليوم نفسه، حيث أصدر مجلس الدفاع بيانا آخر، لتصبح الأمور بعده جلية واضحة حيث جاء فيه نصا: «يسترعي مجلس الدفاع انتباه المواطنين الكرام، بأنه وبالإشارة إلى البيان الأول الذي أعلن فيه عن قيامه بدعوة مجلس العائلة المالكة الانعقاد لتحديد من تنتقل إليه ولاية الحكم، فقد تسلّم مجلس الدفاع يوم السبت بتاريخ 15 جمادى الأولى 1441هـ الموافق 11 يناير 2020م ردًا كريمًا من مجلس العائلة المالكة تمثل في أن مجلس العائلة المالكة قد انعقد وقرر عرفانًا وامتنانًا وتقديرًا للمغفور له بإذن الله جلالة السلطان قابوس بن سعيد المعظم رحمه الله، وبقناعة راسخة، تثبيت من أوصى به جلالة السلطان في وصيته، إيمانًا من مجلس العائلة المالكة بالحكمة المعهودة والنظرة الواسعة لجلالة السلطان قابوس بن سعيد طيب الله ثراه، وعليه أوكل مجلس العائلة المالكة لمجلس الدفاع القيام بفتح الوصية وفقًا لما نصت عليه المادة (6) السادسة من النظام الأساسي للدولة، واتخاذ الإجراءات لتثبيت من أوصى به جلالة السلطان بالتنسيق مع مجلس العائلة المالكة».

وهكذا مضت الأمور بهذه السلاسة والرغبة من العائلة الكريمة في إنفاذ وصية جلالته، حيث تم اختصار المدة المحددة سابقا لثلاثة أيام كحد أقصى، ومضى بيان مجلس الدفاع ليوضح بعدها الآتي، بأنه: «بعون من الله وتوفيقه، فقد عقدت جلسة فتح الوصية في يوم السبت المؤرخ في 15 جمادى الأولى 1441هـ الموافق 11 يناير 2020م ، بحضور رئيس مجلس الدفاع وأعضائه الذين جرت الإشارة لهم سابقا، بالإضافة إلى حضور الجلسة من قبل كل من: معالي الدكتور يحيى بن محفوظ المنذري رئيس مجلس الدولة، سعادة خالد بن هلال المعولي رئيس مجلس الشورى، فضيلة الشيخ الدكتور إسحاق بن أحمد البوسعيدي رئيس المحكمة العليا، فضيلة الدكتور صالح بن حمد الراشدي نائب رئيس المحكمة العليا، فضيلة الدكتور خليفة بن محمد الحضرمي نائب رئيس المحكمة العليا، وهم يمثلون رئيسي مجلس الدولة والشورى جناحي السلطة التشريعية الممثلة في مجلس عمان بالإضافة إلى المؤسسة القضائية ممثلة في رئيس المحكمة العليا وأقدم اثنين من معاونيه.

وقد تشرف مجلس الدفاع بحضور أصحاب السمو أفراد العائلة المالكة الكريمة، شهودًا كرامًا على الإجراءات، وفق ما ورد في البيان وما عكسته الصور التلفزيونية التي بثت لهذا الحدث، ومن ثم كان لمجلس الدفاع شرف فتح الوصية وقراءتها بشكل مباشر على جميع الحاضرين الكرام، والإعلان بأن جلالة السلطان هيثم بن طارق بن تيمور المعظم حفظه الله ورعاه هو سلطان عمان.

تم هذا الطقس بكل سلاسة كما جرى التوضيح وحيث عرض ذلك على شاشة التلفزة من تلفزيون سلطنة عمان كما بثت صوره عبر وكالة الأنباء العمانية، وعرض مظروف الوصية المكون من عدة نسخ على الملأ وهو مختوم بالشمع الأحمر قبل أن يفتح وتتم قراءته، وقد جاء نص الوصية كالتالي:

«بسم الله الرحمن الرحيم

ربنا عليك توكلنا وإليك أنبنا وإليك المصير.. الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله، وعلى آله وصحبه ومن والاه.. أصحاب السمو أعضاء مجلس العائلة الكرام،

السلام عليكم ورحمة الله وبركاته..

فقد حملكم النظام الأساسي للدولة أمانة عظيمة وكلفكم بمهمة جسيمة، بإسناده إلى مجلسكم الموقر مسؤولية تحديد من تنتقل إليه ولاية الحكم، وذلك خلال ثلاثة أيام من شغور منصب السلطان. وحيث إن مجلسكم الموقر، لم يتفق على اختيار سلطان للبلاد في المدة التي حددها النظام الأساسي للدولة، فإننا بعد التوكل على الله ورغبة منا في ضمان استقرار البلاد، نشير بأن يتولى الحكم السيد هيثم بن طارق، وذلك لما توسمنا فيه من صفات وقدرات تؤهله لحمل هذه الأمانة، وإننا إذ نضرع إلى الله العلي القدير أن يكون عند حسن الظن الذي دعانا إلى اختياره والثقة التي دفعتنا إلى تقديمه، فإننا ندعوكم جميعا إلى مبايعته على الطاعة في العسر واليسر والمنشط والمكره، وأن تكونوا له السند المتين والناصح الأمين معتصمين دائما تحت قيادته بوحدة الصف والكلمة والهدف والمصير متجنبين كل أسباب الشقاق والتناحر والتنابذ عاملين بقوله تعالى:

(ولا تنازعوا فتفشلوا وتذهب ريحكم)

صدق الله العظيم..

وفقكم الله والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته قابوس بن سعيد».

نسبة للاتفاق حول من اختاره السلطان الراحل إيمان بحكمة جلالته رحمه الله المعهودة ونظرته الواسعة، فقد كان لذلك الجانب التسريع بنقل السلطة، وهو يعكس مدى الولاء والحب والعرفان للسلطان الفقيد والثقة في اختياره، كما أن جلالته رحمه الله كان قد أشار في الوصية التي كتبت بدقة تامة وعناية فائقة، على مبايعة السلطان الجديد والالتفاف حوله لمصلحة البلاد بما يمنع التناحر ويدفع إلى وحدة المصير والهدف، وهو ما تحقق بحمد الله وعنايته والحكمة التي أديرت بها هذه المرحلة الحساسة من التاريخ العماني، حيث لم يتجاوز الأمر بضع ساعات قدمت للعالم درسا حول عمان وأهلها.