إشراقات

النظافة :جيل عاملات المنازل

09 يناير 2020
09 يناير 2020

علي بن سعيد العلياني -

كان آباؤنا يعتمدون على أنفسهم في كل شيء بدءاً من توفير الغذاء عن طريق الزراعة إلى توفير باقي المتطلبات بطريقة ذاتية وكانوا يعانون الأمرين في مسألة توفير الماء لشح وجوده أو لبعدهم عن مصادره أو لعدم وجود الوسيلة القادرة على توفير المياه بكميات كبيرة داخل البيوت. ومع ذلك كانوا يحاولون قدر الإمكان المحافظة ولو على الحد الأدنى من الماء للشرب والطبخ والنظافة. واستمر الوضع إلى أن ظهرت الآلات والتوصيلات الحديثة القادرة على توفير الماء بطريقة تجعله متوفراً ولكن تحمل المسؤولية استمر إلى أن خرجت النساء إلى العمل، فأصبح من الضروري في بعض البيوت إيجاد عاملة منزل تتولى أمر النظافة بالدرجة الأولى والطبخ وإن بدرجة أقل وفي مرحلة تالية أصبحت عاملة المنزل من باب الوجاهة وعلامة على المكانة الاجتماعية عند البعض، المهم ليس في ذلك غضاضة لو كان الأمر لم يصل إلى حد الاتكالية وخاصة عند الجيل الناشئ لقد سببت هذه الطفرة بعض المعطيات وأفرزت لنا ظواهر ستصبح مع مرور الوقت -إذا تمادينا- معضلة كبيرة معقدة ومن الممكن تلافي كل الجوانب هذه السيئة إذا التفتنا إلى أولادنا وعودناهم على التعاطي مع الواقع بمعزل عن عاملة المنزل.

جيل عاملات المنازل جيل مترف تعود أن يجد كل شيء جاهزاً وحسب الطلب دون أن يبذل أي مجهود يذكر وهذا مما يؤدي إلى الوهن وضعف البنية وبالتالي صعوبة التأقلم مع الظروف المحيطة مستقبلاً، مما يؤدي إلى عدم استطاعته أداء دوره في هذه الحياة.

جيل عاملات المنازل من الممكن أن يقف على رجليه بكل شجاعة وقوة وتسيرها حياته بطريقة لا تعيقه عن أداء دوره في الحياة لو أنه انتبه إلى نفسه وترك حياة الراحة والدعة والترف واعتمد على نفسه. وهنا يأتي دور الوالدين في توجيه دفة السفينة نحو الوجهة الصحيحة.

جيل عاملات المنازل وخصوصا في مسألة النظافة اعتمد اعتمادا كليا على غيره واعتبر هذه المسؤولية ليست من اختصاصه بعد أن تعود على تنظيف غرفته وغسل ملابسه وتنظيف مكان تناول طعامه وهو شخص مستهلك طول فترة وجوده في البيت هنا يعتاد على هذا الأمر ليتصور أنه ولد ونشأ ليخدمه الآخرون وليس من حقهم أن يتأففوا أو ينطقوا ببنت شفه.

جيل عاملات المنازل وليس الكلام هنا عاما على على الجميع وهناك أسر لديها عاملات منازل لكنها تحسن التعامل مع هذا الواقع فهم يعودون أولادهم على الاعتماد على الذات في مسألة ترتيب وتنظيف غرفهم وصالات الطعام.

جيل عاملات المنازل اعتاد الكثير منهم أن يترك الفضلات بعد أن يتناول طعامه أو شرابه على الأرض وكأن الأمر لا يعنيه بل يرمي ملابسه مبعثرا في كل الأركان وهذا ينشأ الواحد منهم اتكاليا ليخرج إلى البيئة الأوسع وهناك لا وجود للعاملة وبالتالي تتراكم النفايات ويزداد الأمر تعقيدا إذا اجتمع الكل وكانوا على هذه الشاكلة وللأسف هذه الظاهرة في ازدياد والشخص يتربى على هذا النمط منذ نعومة أظفاره وبالتالي يكون التراجع عن هذا السلوك في الكبير صعبا وانظر إلى أماكن التجمعات الشبابية في معظمها عندما يذهبون تجد النفايات أكواما هنا وهناك.

جيل عاملات المنازل ممكن أن يكون ظلما إذا لم يجد التوجيه الكافي نحو الاعتماد على نفسه في توفير بيئة نظيفة على الأقل من التوجيه والتوضيح والإرشاد بدل أن يجد الشخص نفسه في وضع لا يحسد عليه بالنسبة للولد أو البنت وليست حجة أن يقول الشخص إنه فيما بعد يستطيع توفير عاملة منزل فهذه حدودها المنزل لكن هو يرتاد الشارع والمدرسة والمستشفى والكلية والجامعة والمصالح الحكومية فهل ستكون العاملة معه أينما حل أو ارتحل؟.

جيل عاملات المنازل اعتمد في نظافته ونظافة ملبسه ومأكله ومشربه على غيره فلا يكاد يحس طعما للحياة التي تعطي السعادة لمن دخل إلى معتركها بكل قوة وهمة ونشاط بدل البلادة والكسل والاستسلام للظروف المحيطة فالاعتماد على النفس يبني لدى الشخص المهارات الأزمة للتعامل مع الواقع بكل أريحية بدل أن يعيش أزمة نفسية وبدنية نتيجة المعاناة التي أفرزها كسله وحبه للراحة والدعة.

جيل عاملات المنازل من الممكن أن يصحح المسار إذا وجد أما أو أبا يقف معه ليقول هذا الكوب الذي تشرب فيه الشاي من واجبك أن تنظفه وهذه الأكياس التي أفرغت منها ما فيها من طعام عليك أن توصلها إلى سلة المهملات والحمام عندما تستخدمه عليك أن تخرج منه وهو نظيف.

جيل عاملات المنازل ظهر نتيجة طفرة اقتصادية من المفروض أن تكون نعمة وليست نقمة وحدثا يستغل للوصول بثقافة النظافة إلى أغلى المراتب لكن عندما أسيئ استغل هذا الوضع ووضع في زاوية ضيقة وهي الوجاهة الاجتماعية والترف أصبحت وبالا يجني ثماره السيئة جيلا بأكمله إلا من كان الحظ حليفه لانتباه والداه إلى خطورة اتكاله على العاملة في كل شيء.

جيل عاملات المنازل وصل الأمر بالبعض من الجيل الناشئ تحت رحمة عاملات المنازل أن يأمر العاملة بإحضاره الماء ليشرب ثم انتهى رمى الكوب في أي مكان غير مبال بما فعل وهو يحس نفسه من أولاد الذوات وتفكيره خاطئ طبعا فأولاد الذوات تجدهم يعتمدون على أنفسهم لكنه توهم الترف بأنه كسل ودعة وراحة واعتبر أن يقف الواحد بلا حراك ليلبي متطلباته قمة الوجاهة وقمة التحضر وهذا هو الفهم الخاطئ.