الاقتصادية

الاقتصاد الوطني يدخل عقدا جديدا.. واهتمام غير مسبوق بالتنويع وتشجيع الشراكة

01 يناير 2020
01 يناير 2020

2020 .. آخر أعوام الخطة التاسعة -

كتب ـ ماجد الهطالي -

يمثل 2020 آخر أعوام الخطة الخمسية التاسعة، ويدشن العام الجاري بداية عقد جديد للاقتصاد المحلي يسوده اهتمام غير مسبوق بالتنويع الاقتصادي وتشجيع الشراكة الاستراتيجية بين القطاعين العام والخاص كركائز للخطة الخمسية العاشرة وللرؤية المستقبلية للسلطنة 2040 اللذين يدخلان حيز التنفيذ بدءا من العام المقبل، وقد سبقهما الكثير من الجهود لتعزيز التنويع الاقتصادي وتسهيل إجراءات الاستثمار.

وفي هذا السياق أكد مستثمرون وأصحاب أعمال أن تطور البنية الأساسية والتشريعية بالسلطنة يمثل أحد أهم الممكنات لبدء الاستثمار، وأكدوا على أهمية الشراكة بين القطاعين العام والخاص التي تجد دعما كبيرا من وجود منظومة تشريعية تعزز آفاق الشراكة عبر نموذج جديد للقطاع الخاص يقوم على الاستثمار والإنتاج والتصدير والابتكار وتحفيز ريادة الأعمال، وتحقيق أعلى مستويات الشراكة بين أنشطة القطاعين الحكومي والخاص والحكومة.

التغيرات الديموغرافية

وقال الدكتور يوسف بن حمد البلوشي: إن السلطنة خلال العقود الماضية حققت قفزات تنموية على مختلف الأصعدة معتمدة في ذلك على الإيرادات النفطية والسلطنة الآن في مرحلة من التنمية تتطلب التحول والتغيير إلى نموذج قادر على جني ثمار الاستثمارات الضخمة في البنية الأساسية، ويزيد من ضرورة ذلك ما حدث من تغيرات في مجال الطلب والعرض على النفط وتعرض أسعاره إلى ضغوط كبيرة وحالة عالية من عدم اليقين وكذلك التغيرات الديموغرافية في السلطنة وما صاحب ذلك من زيادة في عدد السكان والطلب على السلع والخدمات والوظائف، وكذلك التغيرات المرتبطة بالثورة الصناعية الرابعة وما صاحبها من تغيرات في مختلف الجوانب، وهناك تحولات مطلوبة أيضا في مختلف السياسات العامة النقدية والمالية والعمالية والتجارية والضريبية والاستثمارية والصناعية وغيرها. فالتنمية ليست إلا محصلة للسياسات العامة المتبعة وتوليفة الشراكة بين أنشطة القطاع الخاص والحكومة ومصالح الأفراد ومؤسسات المجتمع. الذين يمثلون أقطاب النمو والتنمية، مضيفا أن جهود التنويع تتطلب إعادة توزيع الأدوار والمسؤوليات بين الحكومة ومؤسسات الأعمال وأفراد المجتمع لتحقيق التنمية الشاملة تماشيا مع تسارع وتجدد الأولويات، وتعاظم التحديات، الأمر الذي يبرز أهمية وجود استراتيجيات مناسبة لكل مرحلة من السياسات العامة المختلفة التي ستؤثر بشكل مباشر على أدوار الأقطاب الثلاثة للتنمية. والمؤكد أن المرحلة الحالية تتطلب تحقيق قفزة تنموية نوعية، وحجر الزاوية فيها صياغة وتنفيذ سياسات عامة مناسبة في الوقت المناسب، بما يتيح التعامل مع التحديات واقتناص الفرص المتاحة، بيد أن تحقيق ذلك يحتاج إلى فهم عميق للمتغيرات المختلفة وبذل جهود من قِبل الجهات المعنية بالتنفيذ، التي عليها التغلب باستمرار على عامل مهم هو سرعة تجدد الأولويات التي تتطلب ديناميكية وتفاعلا مع التطورات على مختلف الأصعدة.

رفع الكفاءة

وأشار الدكتور يوسف البلوشي إلى أن التطور في الجانب التشريعي والقوانين مهم وضروري لتشجيع الاستثمار ويتكامل معه وجود منظومة تنفيذية تدعم النقلة النوعية المطلوبة والأهداف الاقتصادية الكبرى للاقتصاد العماني المتمثلة في تحقيق نمو وتنمية اقتصادية على مختلف الأصعدة تكون نتاج رفع كفاءة البنى الأساسية والاستغلال الأمثل للموارد الطبيعية والبشرية المتاحة محليا مع أهمية الاستفادة من المكانة الرفيعة للسلطنة بين الأمم لجذب العناصر المفقودة محليا كالمعرفة والتكنولوجيا والأسواق ورؤوس الأموال التي نحن في أمس الحاجة إليها لتشغيل قاطرات النمو المختلفة. موضحا أن صدور القوانين الأخيرة المتعلقة بالاستثمار في غاية الأهمية لتهيئة البيئة التشريعية أمام الاستثمار المحلي والأجنبي. والجميع بانتظار اللوائح التنظيمية الخاصة بهذه القوانين وهو الأمر الذي سينعكس إيجابا على بيئة الأعمال وتنوع الاستثمارات.

وأوضح أن القطاع الخاص يحتاج إلى إعادة ترتيب أوراقه وإجراء تحول جوهري في نموذجه الحالي القائم على الإنفاق والمناقصات الحكومية والاستيراد والعمالة الوافدة إلى نموذج قائم على الاستثمار والإنتاج والتصدير والابتكار وريادة الأعمال، بما يمكنه من الدخول في شراكات استراتيجية مع الاستثمار الأجنبي لتوفير عناصر إنتاج يحتاجها السوق محليا كتلك المرتبطة بالتكنولوجيا والأسواق وغيرها، كما يتطلب نجاح القطاع الخاص وجود قطاع حكومي كفء ومرن وفعال وأقل بيروقراطية، وأطر تمويلية بكلفة مناسبة، مما يستدعي العمل على تطوير القطاع المصرفي، وتشجيع الاندماج في القطاع، وجذب القطاع المصرفي الأجنبي أيضا. في حين تمثل البنية الأساسية عالية الجودة في السلطنة أحد أهم الممكنات لبدء الاستثمار، ومن ناحية أخرى، يجب العمل على تهيئة الكفاءات الوطنية وتطوير مهاراتها بما يتناسب مع مستقبل الإنتاج، ومتطلبات التحول التكنولوجي والرقمي في مختلف القطاعات الاقتصادية.

الأطر القانونية

وقال غانم بن ظاهر البطحري رئيس مجلس إدارة شركة البركة للخدمات النفطية إنه بعد العديد من المبادرات التي أطلقتها العديد من الجهات الحكومية وعلى رأسها ديوان البلاط السلطاني والمجلس الأعلى للتخطيط التي تهدف إلى تعزيز جهود التنويع الاقتصادي وتحسين بيئة الأعمال، فإن وجود الأطر القانونية المنظمة لهذه المبادرات التي تساعد على تشجيع وتحفيز الاستثمار ضرورة لا بد منها وهذا ما قامت به الجهات التشريعية والتنفيذية من خلال إصدار قوانين تُعنى بالقطاع الاقتصادي وتنظيمه، منها قانون التخصيص والشراكة وقانون الاستثمار الأجنبي والإفلاس والقانون التجاري وكلها جاءت لمواكبة هذا السعي الحثيث نحو توفير بيئة جاذبه للأعمال ورفع القدرة التنافسية للاقتصاد الوطني خصوصا في هذه الفترة الصعبة من عمر الاقتصاد العالمي والإقليمي.

وأوضح البطحري أن مشاريع الشراكة تعد إحدى الأدوات التي ستمكن الحكومة من تنفيذ العديد من المشاريع التي تحتاج إلى تمويل ضخم بالشراكة مع القطاع الخاص، كما ستمكن الشراكة القطاع الخاص من القيام بالدور المناط به في استكمال مسيرة النهضة وتوفر خدمات للمواطنين وتخفف العبء على الحكومة في تنفيذ هذه المشروعات وتطلعاتنا جدا كبيرة لأن تقوم الهيئة العامة للتخصيص والشراكة بدورها في هذا المجال.

رفع الوعي

وقال طاهر بن مبخوت الجنيبي رئيس مجلس إدارة شركة الدقم الأهلية إن الاهتمام بالشراكة والاستثمار ينبع من متطلبات التنويع الاقتصادي خلال الفترة الحالية خاصة في ظل تذبذب أسعار النفط الذي تتجاذبه العديد من العوامل الاقتصادية والسياسية، لذلك قامت الحكومة بإطلاق العديد من المبادرات التي ساهمت -قبل كل شيء- في رفع الوعي العام بأهمية تكاتف جميع القطاعات وعناصر الإنتاج مع الحكومة للدفع في هذا الاتجاه، وكان أبرز هذه المبادرات هو البرنامج الوطني لتعزيز التنويع الاقتصادي «تنفيذ» الذي تبنى العديد من المشروعات التي حققت وستحقق نتائج سريعة وملموسة في القطاعات المستهدفة، مشيدا بجهود مواكبة الجهات التشريعية للتوجه نحو التنويع من خلال سنّ وتعديل العديد من القوانين التي تلامس الشق الاقتصادي وتساهم في تحسين بيئة الأعمال ابتداء من قانون الشركات التجارية -الذي يعد العمود الفقري للأطر القانونية المنظمة للقطاع الاقتصادي- وصولا إلى قانون الإفلاس وقانون التخصيص وقانون الشراكة وانتهاء بقانون الاستثمار الأجنبي وهي جميعها قوانين تهدف إلى تحسين بيئة الأعمال ورفع القدرة التنافسية للاقتصاد الوطني وجعل السلطنة أكثر جاذبية لممارسة الأعمال خصوصا في هذه الفترة التي يشهد فيها الاقتصاد العالمي حالة تباطؤ يتوقع البعض أن تستمر لعامين قادمين.

وأشار طاهر الجنيبي إلى أن إنشاء الهيئة العامة للتخصيص والشراكة ككيان مستقل بصفته الاعتبارية يأتي كأحد المحفزات لنشوء نوع جديد من المشاريع يسمى مشاريع «الشراكة بين القطاعين العام والخاص» أو اختصارا بمشاريع الــ PPP ليكون أحد الحلول التي تساهم في تخفيض العبء المالي على الحكومة في تنفيذ مشاريع تقدم خدمات عامة للمواطنين وتوفر في المقابل فرص أعمال جاذبة للقطاع الخاص وخدمات ذات جودة عالية وبأسعار تنافسية حيث ستقوم هذه الهيئة بوضع الأُطر العامة لتنفيذ هذا النوع من المشاريع والعمل على تشجيعها و زيادة مساهمتها في الناتج الإجمالي المحلي.

تحديد أوجه الاستثمار

وقال المهندس سعيد بن ناصر الراشدي الرئيس التنفيذي لجمعية الصناعيين العمانية إن مساهمة قطاع الصناعات التحويلية بالسلطنة في الناتج المحلي الإجمالي تحقق ارتفاعا متواصلا عاما بعد عام، ففي نهاية عام 2018 بلغ الارتفاع نسبة 8.4% ليصل إلى ما يزيد عن 2.9 مليار ريال عماني مُقارنة مع 2.7 مليار ريال عماني بنهاية العام 2017. وهذه المساهمة تعادل حوالي 10% من مجموع الناتج المحلي بالسلطنة. مشيرا إلى أن القطاع يساهم في تنوّع الدخل القومي لتقليل الاعتماد على الريع النفطي حيث إنه ثاني أهم قطاع مؤثر على الناتج المحلي، كما يوفر أمن الاكتفاء الذاتي للسلطنة بعدم الحاجة إلى للاستيراد من الخارج وبالأخص في قطاع الصناعات الغذائية والدوائية.

كما يساهم القطاع أيضا في تشغيل الأيدي العاملة الماهرة العمانية بما يرفع من مستوى المعيشة للفرد في وظائف جيدة لتحقيق حياة كريمة. ويساهم القطاع في معادلة الميزان التجاري للسلطنة مع العالم لضمان تدفق ضروري للعملات الأجنبية.

وأكد الراشدي على أن قطاع الصناعة يتطلب استثمارات مالية ضخمة وهذا لا يتأتى إلا بوجود رؤية مستقبلية واضحة لتشجيع الاستثمار، فالمستثمر المحلي أو الخارجي يهمه الاطمئنان لمعرفة مدى الاهتمام الذي توليه البلد ممثلة في الجهات المختصة لهذا القطاع، مشيرا إلى أن السلطنة بحاجة لتحديد أوجه الاستثمار في هذا القطاع لضمان أعلى عائد ممكن مع المحافظة على مبدأ الديمومة لضمان الاستدامة ومواجهة التحديات خصوصا أن قطاع الصناعة قطاع حيوي ومتغير. موضحا انه في إطار الشراكة بين القطاعين العام والخاص، قامت وزارة التجارة والصناعة بإشراك الصناعيين في إعداد استراتيجية الصناعة بكل مراحلها، سواء بالتواصل المباشر إضافة لقنوات التواصل مثل الجمعية التي سهلت مجموعة من اللقاءات بين الصناعيين والخبراء المشاركين في إعداد الاستراتيجية.