Ahmed
Ahmed
أعمدة

نوافذ: عام جديد

31 ديسمبر 2019
31 ديسمبر 2019

أحمد بن سالم الفلاحي -

[email protected] -

تتوالى الأعوام تباعا بين عام يُودّع، وآخر يُستقَبل، وما بين الوداع والاستقبال تكون قصة حياة، بطلها الإنسان، وشخوصها مجموعة من الأحداث التي تتوالى علينا كبشر، مخيرين في كثير منها، ولذلك نحن - البشر - فاعلوها، وفي القليل منها مسيرون، الكثير منها السعيد المبهج، والقليل منها المحزن المؤلم، ولأن الحزن قاسٍ على النفس، فأثره ضعف الذي يسر، كما جاء في قول أبي العلاء المعري: «إن حزنا في ساعة الموت، أضعاف سرور في ساعة الميلاد» وهكذا تتقصى الأيام أثرنا بينهما، أردنا ذلك بمشيئتنا، أو رفضنا ذلك بغير إرادتنا، ويغلف ذلك كله قدر الله وقوته وجبروته، ومعرفته التامة الشاملة بما يسر ويضر عباده، ومن في الأرض جميعا.

هذه الصيرورة الزمنية هي التي تبعث فينا الأمل، وتجدد طاقاتنا نحو العمل، فتجدد الليل والنهار، هناك ألف أمنية تتحقق، وألف طموح على قائمة الاهتمامات، هناك ألف غض لطرف عن مثالب كثيرة يصدمنا بها الآخرون بقصد، وبغير قصد، هناك ألف محطة للتروي، وللمراجعة، فالرؤية تتجه دائما للبقاء، والبقاء هو مشروع إنساني بامتياز، ولولاه لتعطلت الحياة، وللبست السواد، صحيح أن هناك موتا يعقب كل حياة، ولا بقاء سرمدي، هذه حقيقة معروفة، ولكن لأننا بشر، فإننا نغلب جانب البقاء لاستمرار كثير من أوجه الحياة التي نعيشها، ومن أوجه الحياة التي نريد، هذه هي حقيقتنا كبشر.

نعم، نقتات على الأمل، عسى أن يكون الغد هو الأجمل، والأصلح، ونحاول جاهدين أن نتخطى عثرات اليوم، التي تتشبث بكل كينوناتنا، وبكل مشاعرنا، وبكل قدراتنا الذهنية والعقلية، تماما، كما هي أقدارنا المكتوبة علينا منذ نشأتنا الأولى، ولا ندري عنها شيئا، حيث رحمة الله تتجلى في إخفائها عنا، وفي ضبابيتها عن قدراتنا على معرفتها، ولذلك عندما يداهمنا اليأس في لحظات تخاذلنا لأسباب كثيرة، كثيرا ما نستشعر الضعف، ونرى الحياة صغيرة صغيرة، ولا تحتاج كل هذا اللهاث المرير الذي يقض مضاجعنا، فنتوارى عن المشهد، وننزوي عن صناعة الأحداث، ونركن إلى قناعاتنا الصغيرة، وننسى المعنى السامي الكبير للحياة الذي يحمله موقف الرسول صلى الله عليه وسلم عندما واجه النفر الـ (3) عندما زهدوا في الحياة، فكما جاء في الرواية، عن أنس رضي الله عنه قال: : «جاء ثلاثة رهط إلى بيوت أزواج النبي صلى الله عليه وسلم يسألون عن عبادة النبي فلما أخبروا كأنهم تقالوها وقالوا: أين نحن من النبي عليه الصلاة والسلام وقد غفر له ما تقدم من ذنبه وما تأخر. قال أحدهم: أما أنا فأصلي الليل أبدا. وقال الآخر: وأنا أصوم الدهر أبدا ولا أفطر. وقال الآخر: وأنا أعتزل النساء فلا أتزوج أبدا. فجاء رسول الله صلى الله عليه وسلم إليهم، فقال: أنتم الذين قلتم كذا وكذا؟ أما والله إني لأخشاكم لله، وأتقاكم له، لكني أصوم وأفطر، وأصلي وأرقد، وأتزوج النساء، فمن رغب عن سنتي فليس مني»، متفق عليه.

يذهب بنا مفهوم الـ «الصيرورة التأريخية» أن ليس هناك ديمومة لكل الأنشطة الإنسانية، فلكما قطع الإنسان شوطا مقدرا في لبنة الحياة، ازدهارا، أو تراجعان كلما كان الزمن كفيلا بإتيان ما يلغي ذلك، أو يضيف إليه، أو يستبدله بآخر، وهذه الحقيقة تذهب بنا، إلى أن توالي الأزمان هي لبنات لبناء الحياة، وتراكم منجزاتها الإنسانية المادية والمعنوية، صحيح أن هناك، في المقابل، بعض الخسارات التي ندفع ثمنها من أعمارنا، لتصرفاتنا الخاطئة، في كثير من الأحيان، ولكنها حكمة الله في خلقه، أن نكون على هذه الحالة لنتعلم أكثر، ونتيقظ أكثر، ونعيد ترتيبات حياتنا بصورة أفضل، فالإنجاز البشري لم يكن يتأتى له الوصول إلى ما وصل إليه إلا بهذه المراجعات التي يتيحها لنا الزمن عبر هذا الوداع والاستقبال في آن واحد. وكل عام وأنتم بخير.