mahmood2
mahmood2
أعمدة

جرة قلم: أبو العزم.. معجمي طوّع المفردات بعيدا عن الأيديولوجيا

29 ديسمبر 2019
29 ديسمبر 2019

محمود الرحبي -

في رحاب كلية الآداب بجامعة محمد الخامس بالرباط، حضرت محاضرة ألقاها الدكتور عبد الغني أبو العزم، الذي يعدّ علَما في مجال البحث المعجمي، ليس في المغرب فقط، وإنما على الصعيد العربي. وتتميز كتاباته بجمعها بين الأصالة والمعاصرة.

وفي الميدان المعجمي ألّف مصنفات عديدة، من أهمها «المعجم المدرسي، أسسه ومناهجه»، «المعجم الصغير باللغات الأوروبية»، «معجم تصريف الأفعال». وكان من أهم إنجازاته في ميدان المعاجم كتابه المعجمي الشامل «معجم الغني»، وهو بحث إحصائي في المصطلحات والكلمات المشتقة، إلى جانب «معجم المصطلحات الدينية» و«المعجم اللغوي التاريخي، منهجه ومصادره»، متوجا إنجازه المعجمي بـ«معجم الغني الزاهر»، الذي استغرق إنجازه ربع قرن، والذي يشكّل نقلة نوعية بالنظر إلى معظم المعاجم التي ظهرت خلال القرنين الماضيين؛ إلى جانب أعمال أخرى في الترجمة والإبداع. ومن أهم إنجازاته في هذا السياق، ترجمته الملفتة لرواية خوان رولفو « بيدرو بارامو»

وقد نذر العلامة أبو العزم نفسه لهذا الأمر، مقتطعا جزءا من سنوات عمره في تقفّي جذور الكلمات وتتبعها ومعانقة اشتقاقاتها في زمن صار فيه الباحث الأكاديمي الجاد والرصين مثل القابض على الجمر.

وقد تحدّث أبو العزم خلال المحاضرة عن الحثّ على الجانب الموضوعي والحيادي في العمل المعجمي. وتحدث، كذلك، عن العلاقة الشائكة بين المعجم والتحولات السياسية والاجتماعية ومدى مقدرة المعجم على الاستجابة لجميع هذه التغيرات دون أن يقع في حبائل الإيديولوجيا والأهواء. فالمعجم، في رأيه، ليس فقط ترتيبا ألفبائيا، بل هو بنية إنتاجية للمعاني التي يجب أن تستوعب الرهان الأساسي، المتمثل في كيفية أن يكون المعجم حياديا وموضوعيا وأن يظلّ في الوقت نفسه تقدميا. وكذلك كيف يتأتى لمعجم معاصر أن يستوعب صراع الأفكار والتناقضات الاجتماعية، إذ أن كل صيغة من صيغ اللغة قابلة للتأويل، فيمكن بذلك إخضاعها بسهولة للأيدولوجيات. فلا مناص من أن يكون المعجمي محايدا وموضوعيا ويتخلى عن نزعته الإيديولوجية، أي أن يعتمد الشرح الوظيفي دون الوقوع في أحكام القيمة (بأن يبتعد، مثلا، عن التعصب الطائفي بصفة نهائية) لأن المعجم يعبّر عن المستوى الحضاري والعلمي للأمة ومكانتها.

فكيف يمكن للباحث أن ينجز معجما مع تحييد قناعاته السياسية والإيديولوجية، أي أن ينتج معجما بعيدا عن النزعات السياسية والإيديولوجية؟

وقد حاول الدكتور أبو العزم أن يتعامل مع حمولات المفردة تعاملا علميا، مع تحييد كل نزعة ذاتية، على سبيل المثال حديثه عن مفردة «الصهيونية».. «الصهينة»، والتي تتبع اشتقاقاتها ومحيطها اللغوي، غاضا الطرف عن حمولاتها السياسية أو الأخلاقية.

وينسحب الأمر نفسه على مفردات كثيرة، من قبيل «الاشتراكية» و«الشيوعية» و«الرأسمالية» و«الإمبريالة».. وهي مفردات سياسية في أساسها، ورغم ذلك استطاع المعجمي الدكتور أبو العزم، من خلال متونه المعجمية العديدة أن يعرّفها بحياد معرفي كما هي عليه دون أن يُخضعها للأغراض «اللامعجمية».

كما شدّد الدكتور أبو العزم، في محاضرته تلك، على أنه يجب على المعجمي الجادّ والموضوعي أن يتابع ويواكب مفردات اللغة ومستجداتها في جميع مجالات الحياة، بشرط الالتزام بالشرط الموضوعي من دون تضخيم أو تحقير، وأيضا بمعايير العمل المعجماتي. فحياد المعجمي، في نظره، لا يعني الانغلاق والانكفاء، وإنما الغوص في مختلف الأنماط المعرفية، بما فيها التحولات الدينية، ولكن دون الوقوع في التصنيف الإيديولوجي. ويسري الأمر نفسه على التوجه الحداثي بدون نكران التراث، ما يجعل من المعجم - في حالة اتباعه هذه القواعد- مرجعا موضوعيا لمختلف تعريفات الحياة.

ووضّح المحاضر، في إجاباته في نهاية اللقاء، ما غمض واستشكل، مثل حديثه عن دور المعجمي ليس في الإتيان بمصطلحات جديدة وإنما في البحث والتعريف بما هو قائم تعريفا علميا موضوعيا، دون أن يضيف شيئا من عنده. لذلك يجب التفريق بين صانع المعجم والباحث في موضوع المعجم. وتابع المحاضر أن قيمة المعجم تكمن في تداوله، لذلك على المعجميّ أن ينظر جيدا في هذا الأمر وهو يدبّج ويصوغ معجمه، ليجعله سهل التداول بين الناس.

وفي ما يتعلق بالدارجة، أفاد المحاضر بأنه يمكن الاستفادة منها فقط في إطار الإضافة، أي في إمكان إدخال كلمة عامية تستخدم بكثرة في إطار المعجم العربي، على سبيل المثال كلمة «كندورة».