أفكار وآراء

كـيف خسـر ترامـب حـربه التجـارية؟

29 ديسمبر 2019
29 ديسمبر 2019

بول كروجمان - واشنطن بوست - ترجمة قاسم مكي -

الحروب التجارية نادرا ما يكون فيها منتصرون. لكن أحيانا يوجد لها خاسرون. لقد اتضح على وجه اليقين أن دونالد ترامب هو الخاسر (في حربه التجارية مع الصين).

بالطبع هذه ليست هي الطريقة التي يصور بها هو وفريقه الاتفاق الأوّلي الذي أبرموه مع الصين مؤخرا ويزعمون أنه انتصار. الحقيقة هي أن إدارة ترامب لم تحقق تقريبا أيا من أهدافها. فهي تعلن عن فوزها في حين أنها تتقهقر في عجالة.

الصينيون يعلمون ذلك. فقد أوردت صحيفة نيويورك تايمز أن المسؤولين في بكين، «مبتهجين ولا يصدقون» نجاح استراتيجيتهم التفاوضية المتشددة.

لِكَي نفهم ما حدث علينا طرح السؤال التالي: ما الذي كان ترامب وشركاؤه يحاولون تحقيقه برسومهم الجمركية، وكيف يمكن مقارنة ذلك بما حدث فعلا؟

أولا وفوق كل شيء، أراد ترامب خفض العجز التجاري الأمريكي. ويجمع الاقتصاديون، جلّهم أو أدنى من ذلك، على أن هذا هدف خاطئ. لكن في ذهن ترامب البلدان تكسب عندما تبيع أكثر مما تشتري. ولا يمكن لأحد أن يقنعه بخلاف ذلك.

لذلك من اللافت التنويه بأن العجز التجاري ارتفع ولم يهبط، على مرأى منه ، من 544 بليون دولار عام 2016 إلى 691 بليون دولار في فترة السنة المنتهية في أكتوبر الماضي.

ما كان يريده ترامب بالتحديد هو إنهاء العجز التجاري في السلع المصنّعَة. وعلى الرغم من وقوفه «لفظيا» إلى جانب «المزارعين الوطنيين العظماء» لكن من الواضح أنه يحتقر الصادرات الزراعية. ففي الصيف الماضي وفي معرض شكواه من العلاقة التجارية للولايات المتحدة مع اليابان علَق ساخرا بقوله «نحن نرسل إليهم القمح. القمح! هذه صفقة غير جيدة.» إذن يبدو الآن أننا لدينا اتفاق تجاري مع الصين أهم عنصر فيه هو «وعد بشراء المزيد من السلع الزراعية الأمريكية».

لقد أراد فريق ترامب كبح انطلاقة الصين لتأسيس نفسها بوصفها القوة الاقتصادية العظمي للعالم. فقبل عام صرح بيتر نافارو، أحد كبار المستشارين التجاريين، قائلا «الصين تحاول أساسا سرقة المستقبل». لكن الاتفاق الجديد رغم اشتماله على بعض الوعود بحماية الملكية الفكرية لم يمسّ جوهر الإستراتيجية الصناعية للصين والتي وصفت بأنها «شبكة ضخمة من الدعم الحكومي الذي شكل وقودا لانطلاق العديد من الشركات الصينية إلى العالمية».

إذن لماذا نكص ترامب على عقبيه في حربه التجارية؟

الجواب، بشكل عام، أنه كان يعاني من أوهام العظمة. فأمريكا لن تنجح أبدا في «التنمُّر» على بلد واسع شاسع وفخور بنفسه واقتصاده أكبر من اقتصادنا استنادا إلى بعض المقاييس. لن تنجح في ذلك خصوصا عندما تنفِّر في الوقت ذاته البلدان الأخرى المتقدمة اقتصاديا والتي ربما كانت ستنضم إلينا في الضغط على الصين من أجل تغيير بعض سياساتها الاقتصادية.

بشكل أدق لم تنجح استراتيجية ترامب التجارية في أي من أجزائها، على النحو الذي وعدَ بِهِ.

وعلى الرغم من إصرار ترامب مرارا وتكرارا على أن الصين تدفع رسومه الجمركية إلا أن الحقيقة تقول بخلاف ذلك. فأسعار الصادرات الصينية لم تنخفض. وهذا ما يعني أن تكلفة الرسوم الجمركية يتحملها المستهلكون والشركات في الولايات المتحدة. وكان العبء سيزداد كثيرا على المستهلكين إذا لم يوقف فرض المزيد من الرسوم التي كان من المقرر سريانها يوم الأحد 15 ديسمبر.

في ذات الوقت، ألحق الرد الصيني ضررا بالغا ببعض المصدرين الأمريكيين وخصوصا المزارعين.

وفي حين أن ترامب يمكنه احتقار الصادرات الزراعية في صمت إلا أنه يحتاج إلى أصوات أهل الريف الأمريكي (في الانتخابات الرئاسية القادمة). وهي أصوات يمكن أن يفقدها على الرغم من برنامجه الخاص بدعم المزارعين والذي زادت تكلفته عن ضعف تكلفة برنامج باراك أوباما لإنقاذ صناعة السيارات.

وأخيرا من الواضح أن انعدام اليقين بشأن السياسة الجمركية كان من شأنه الإضرار بالاستثمار الصناعي والتجاري رغم متانة النمو الاقتصادي عموما.

إذن وكما قلت فإن ترامب في الأساس أعلن عن انتصاره (في الحرب التجارية مع الصين) ثم انسحب.

والسؤال هو : هل هزيمة ترامب التجارية ستضره سياسيا؟

ربما لن تفعل ذلك. فمن المؤكد أن أمريكيين عديدين سيصدقونه (في زعمه بالانتصار). كما أن الحرب التجارية لم تكن أبدا محبوبة على أية حال.

إلى ذلك، يعكس التصويت الانتخابي في الغالب اتجاه الاقتصاد وليس مستواه. أي ليس أن الأشياء جيدة أو سيئة ولكن إذا ما بدأت تتحسن مؤخرا؟

وفي الحقيقة قد يكون من باب الإستراتيجية السياسية الجيدة أن يفعل المرء أشياء «غبية» لبعض الوقت ثم يكف عنها قبل عام من الانتخابات.

لكن على أية حال ستكون هنالك تكاليف في الأجل الطويل للحرب التجارية. فحالة عدم اليقين في مجال الأعمال التي أوجدها تقلب ترامب لن تختفي. فهو في النهاية أستاذ فن الاتفاقيات المنتهكة. إلى جانب ذلك، أساءت ألاعيب ترامب التجارية إلى سمعة أمريكا.

فمن جانب، تعلم حلفاؤنا ألا يثقوا بنا. فنحن بعد كل شيء صرنا بلدا يفرض فجأة رسوما جمركية على كندا (يا للعجب، كندا وليس بلدا آخر!) بناء على مزاعم واضحة السذاجة بأننا نحمي الأمن القومي. ومن الجانب الآخر، تعلم منافسونا ألا يخشوننا كما هي الحال مع الكوريين الشماليين الذين تملقونا لكنهم واصلوا تصنيع الأسلحة النووية والصينيين الذين فهموا كيفية التعامل مع ترامب. وهم الآن يعلمون أنه يتحدث بصوت عال لكنه يحمل عصاة صغيرة ويتراجع حين يواجه بطرائق قد تضّره سياسيا.

هذه الأشياء مهمة. فحين يكون لنا زعيم لا يثق به أصدقاؤنا الحاليون ولا يخشاه منافسونا الأجانب سيعني ذلك تقليص نفوذنا الدولي بطرائق بدأنا نراها لِتَوّنا.

لم تحقق حرب ترامب أيا من أهدافها. لكنها نجحت في إضعاف أمريكا مرة أخرى.

■ الكاتب أستاذ بمركز الدراسات العليا بجامعة سيتي في نيويورك. حصل على جائزة نوبل للاقتصاد (التجارة الدولية والجغرافيا الاقتصادية) عام 2008.