صحافة

الأيام : المحكمة الجنائية: إسرائيل المرعوبة تبحث عن حصانة

27 ديسمبر 2019
27 ديسمبر 2019

في زاوية آراء كتب أشرف العجرمي مقالا بعنوان: المحكمة الجنائية: إسرائيل المرعوبة تبحث عن حصانة، جاء فيه:

لا شك أن قرار المدعية العامة في المحكمة الجنائية الدولية فاتو بنسودا بوجود أساس لفتح تحقيق في قيام إسرائيل بجرائم حرب ضد الشعب الفلسطيني قد وقع على المؤسسة الإسرائيلية كالصاعقة، وأرعب المسؤولين الإسرائيليين من فكرة أن يتهموا بارتكاب جرائم حرب ويطلبوا للمحاكمة. وقد جاء الرد الإسرائيلي الفوري هستيريا ولا يجيب عن هذا الاتهام. بمعنى أن إسرائيل ترفض فكرة التحقيق من أصلها وتتهم المحكمة الجنائية والمدعية العامة باللاسامية، أي أنها تستهدف اليهود. والتفسير الذي ساقه رئيس الحكومة الإسرائيلية بنيامين نتانياهو هو أن قرار المحكمة يتناقض مع الحقيقة التاريخية بأن اليهود لا يستطيعون السكن في وطنهم. يدعي نتانياهو أن المحكمة شكلت لمعالجة بلدان لا يوجد فيها قضاء سليم، أما إسرائيل فهي مختلفة وهي الديمقراطية الوحيدة في الشرق الأوسط. الآن، تعمل إسرائيل كل ما تستطيع لمواجهة صدور قرار من قضاة المحكمة ببدء تحقيق في ارتكاب إسرائيل جرائم حرب، ولهذا الغرض تم أخذ قرار بتشكيل لجنة عالية المستوى من وزارة الخارجية والدفاع والقضاء وخبراء في القانون الدولي من أجل وضع خطة للتصدي لمحكمة الجنايات الدولية بدءا بالسعي لمنع صدور قرار نهائي بإطلاق تحقيقات ضد إسرائيل، وفي حال حصول ذلك كيف ستتصرف المؤسسة الإسرائيلية للحد من الخسائر ولإحباط الجهود لإدانة القادة السياسيين والأمنيين وطلب تقديمهم لمحاكمات دولية. وفي هذا السياق ستكون مداولات هذه اللجنة سرية حتى لا يتم إفشال الجهود الإسرائيلية.

الحملة في إسرائيل والولايات المتحدة الأمريكية بدأت ضد المحكمة الجنائية الدولية، وحتى وزير الخارجية الأمريكية مايك بومبيو ساهم بدوره في مهاجمة المحكمة والهجوم على موقف الاتحاد الأوروبي الذي عبرت عنه الممثلة الأعلى للسياسة الخارجية في أوروبا فيديريكا موجريني التي أدانت الاستيطان الإسرائيلي واعتبرته مخالفا للقانون الدولي. وتتبنى الإدارة الأمريكية الحالية موقفا متطابقا مع موقف إسرائيل تجاه النظرة للقانون والقرارات الدولية المتعلقة بالصراع الفلسطيني الإسرائيلي. كما يتبنى الطرفان موقفا غريبا تجاه كل من يجرؤ على انتقاد السياسة الاحتلالية الإسرائيلية ويمكن ببساطة اتهامه بمعاداة السامية.

إسرائيل تعتمد سياسة البحث عن حصانة دولية في مواجهة أي انتقاد لسياساتها تجاه الشعب الفلسطيني، تماما كما يبحث نتانياهو نفسه عن حصانة لعدم المثول أمام القانون الإسرائيلي في قضايا الفساد التي قدمت ضده لوائح اتهام، ويعتقد قادة إسرائيل أن الولايات المتحدة يمكنها أن تمارس الضغوط على شخوص قضاة المحكمة الجنائية لترهيبهم من إمكانية اتخاذ قرار بالتحقيق في جرائم إسرائيل تحت طائلة العقوبات الشخصية بما في ذلك المقاطعة ومنعهم من دخول الولايات المتحدة وربما اتخاذ عقوبات إضافية ضدهم. ومشكلة إسرائيل الأبرز ستكون في أوروبا على وجه الخصوص، لأن الموقف الأوروبي الجماعي لا يزال يستند إلى القانون الدولي والقانون الدولي الإنساني ومبادئ حقوق الإنسان على الرغم من أن بعض الدول الأوروبية تخضع لتأثير الولايات المتحدة وبعضها ينحاز لإسرائيل.

وحتى تحصل إسرائيل على حصانة من الانتقاد والعقوبات الدولية تقوم بالهجوم الشخصي على كل فرد أو مجموعة تمتلك الجرأة على توجيه اللوم والنقد أو الإدانة والشجب للممارسات الإسرائيلية. وخير مثال على ذلك ما تعرض له سفير ألمانيا لدى الأمم المتحدة كريستوف هارسجين الذي نشر اسمه في قائمة العشرة المتهمين بمعاداة السامية من قبل مركز «سيمون ويسنثال» وتعرض لحملة تشويه في صحيفتي «جيروزاليم بوست» و»بيلد»، والسبب أنه تحدث عن الاحتلال والاستيطان. وعلى الرغم من موقف ألمانيا المؤيد لإسرائيل والذي تبدى في الدعم اللامحدود الذي تقدمه لها بما في ذلك اتخاذ البرلمان الألماني قرارا بتشبيه حملة المقاطعة «بي. دي. اس» باللاسامية، فهذا لم يشفع للسفير أن يتحدث عن انتقاد لسياسة إسرائيل وهو يمثل حكومة ألمانيا ولا ينطق عن مواقف شخصية حتى يتعرض لهذه الحملة الظالمة التي تقصد تشويهه والإساءة إليه.

حتى أن بعض الإسرائيليين وخاصة مجموعة العمل السياسية برئاسة إيلان باروخ وجهت رسالة للسفير تعبر عن التضامن معه في وجه هذه الحملة التي تقف الحكومة الإسرائيلية خلفها بدون شك.

وسنجد الكثير من الحملات المشابهة ضد قضاة وموظفي المحكمة الجنائية الدولية في المستقبل القريب لأن هذا هو أسلوب إسرائيل للهروب من تحمل مسؤولية جرائمها تحت الادعاء بأنها دولة ديمقراطية وأن لديها محاكم تحكم بالعدل. وعلينا أن نستعد للدفاع عن العدالة ليس فقط لإنصاف المدافعين عن حقوق الإنسان بل وكذلك بتجهيز الملفات التي تثبت ضلوع إسرائيل وارتكابها جرائم ضد الإنسانية ولدينا الآن فرصة لعمل شيء جدي يرقى إلى مستوى قرارات المحكمة الجنائية. ومن المفروض ألا ننتظر القرار النهائي للمحكمة بشأن التحقيق بل علينا المساهمة في صدور هذا القرار من خلال تقديم كل ما لدينا من قرائن وأدلة وبراهين لوجوب اتخاذ المحكمة قراراً بالبدء في التحقيق بجرائم إسرائيل ونحن في الواقع في سباق مع الزمن بين ما يمكن أن تقوم به إسرائيل والولايات المتحدة لترهيب وتخويف المحكمة وما يمكن أن نقوم به لتعزيز التوجه العادل والمنصف ضد الاحتلال الإسرائيلي. وهذا يتطلب جهداً جباراً من الحكومة والمنظمات الحقوقية الفلسطينية التي يمكن أن تساعدها في ذلك منظمات إسرائيلية ودولية لتحضير ملفات على وجه السرعة.