أفكار وآراء

مصباح عماني يضيء الطريق للسلام العالمي

25 ديسمبر 2019
25 ديسمبر 2019

د. مجدي العفيفي -

حين عقد مؤتمر السلام في العاصمة الكورية «سيؤول» ونظمه التحالف الدولي للأديان من أجل السلام 2014 بالتعاون مع معهد الثقافة الدبلوماسية بمشاركة وحضور أبرز الزعماء السياسيين وعلماء الدين والقيادات النسوية والشبابية حول العالم، بعث صاحب الجلالة السلطان قابوس رسالة إلى المؤتمر قال فيها: «إن هذا المؤتمر يعقد في فترة تشهد فيها العديد من المناطق في العالم أحداثا خطيرة وأعمالا تخريبية يذهب ضحيتها الأبرياء فضلا عن أن هناك مناطق أخرى لا تزال تعاني من الثالوث المدمر: الجهل والفقر والمرض».

يتجلى «مشروع إعلان السلطان قابوس للمؤتلف الإنساني» إشراقة إنسانية يتجلى بها فكره في توقيت تتكرر فيها ظلمات شتى في بقاع العالم الذي يعز فيه السلام إلا قليلا، ومن ثم فهو يشكل أطروحة عالمية تتعالى رؤيتها على الإطار القُـطري، وهذا الحدث (العماني- الإنساني - العالمي) له جذوره الضاربة في أرضية الخطاب العماني في كليته وفي أعماق الخطاب السلطاني خاصة، ولا يمكن الإحاطة بجوهر هذه الدعوة الإنسانية دون استدعاء شرائح من تقاطع المعلومات كخاصية يتحقق بها الفهم الدقيق للخطاب في عموميته بين التصريح والتلميح.

تتردد كلمة السلام، تصريحا وتلميحا، ملازمة للرؤية العمانية إزاء أي قضية شائكة أو إشكالية من قضايا المنطقة والعالم، وما أكثر وأصعب الأزمات التي تعرض لها العالم، ومرت بها منطقة الشرق الأوسط، وعانت منها المنطقة العربية تحديدا، ولذلك لا ينفك الخطاب عن بث أطروحاته المتباينة في هذا المجال، حدث ذلك في الخطاب السياسي غير مرة، كان أكثرها جلاء وتثبيتا: «إن السلام مذهب آمنا به، ومطلب نسعى إلى تحقيقه دون تفريط أو إفراط».

يعتقد الخطاب في منظوره العام لإشكالية تحقيق السلام في العالم «أن الدول أصبحت مقتنعة أكثر من أي وقت مضى بأن الصراع المسلح بينها لم يعد مجديا بل معيق لنموها ومهدد للسلام والأمن العالميين، وأن المنطق والشعور الإنساني يدعمان هذا الاتجاه كظاهرة تاريخية لم يشهدها العالم من قبل» وأن المشاكل بين الدول يجب تسويتها عن طريق التفاوض وليس عن طريق اللجوء إلى الحرب المدمرة «وهذا لا ينطبق على الحكومات وحسب، بل على الشعوب في كل مكان، وقد تم تطوير أسلوب أكثر حضارة لحل النزاعات الدولية على الرغم من أن الحروب الطائفية ما زالت حقيقة واقعة ومعاشة للعديد من الناس».

يتجه الخطاب إلى مخاطبة الشعوب، مثلما يتوجه إلى قادة العالم وإلى الحكومات «عملنا على تأكيد أواصر الصداقة مع جميع الدول والشعوب على أساس من الاحترام المتبادل، والمصلحة المشتركة» ويعطي اهتماما خاصة بضرورة بناء الثقة بين شعوب العالم، فهذا العالم في منظوره «لا يمكن أن يخلو من النزاعات والمشاكل بحكم تضارب المصالح» ولذلك يعتقد جازما «أن بناء الثقة بين الشعوب، وتأكيد أواصر الصداقة مع الدول، والعمل على تحقيق المصالح المشتركة، ومراعاة الشرعية الدولية، والالتزام بالمعاهدات والقوانين.. كل ذلك من شأنه أن يؤدي إلى مزيد من التفاهم الواعي، والتعاون البناء، من أجل انتصار الأمن والسلام، وشيوع الطمأنينة والرخاء».

ولا يمل الخطاب في وحداته كلية من ضرورة رفع الظلم وإحقاق العدل «إننا نهيب بالمجتمع الدولي أن يعمل جاهدا على إيجاد حلول للقضايا التي تؤرق العالم، وتهدد السلم، بما يرفع الظلم عن المظلومين، ويُسهم في ترسيخ الأمن والاستقرار، ويحقق الوئام والتعاون بين مختلف الشعوب» ذلك أن العملية السلمية هي في حد ذاتها عمل تاريخي، وهدف نبيل لا يمكن أن ينحرف عن مساره نتيجة تغيير في السياسات المرحلية لأطراف النزاع. إنها مسيرة متصلة، ولن تتوقف، بإذن اللّه، حتى يتحقق السلام، ويسود الوئام، وينعم الجميع بالأمن والأمان.

وفي منظوره أيضا أن «العالم يتضاءل وينكمش، وأنا واثق تماما من أن جميع البلدان يجب أن تسير وفق هذه القاعدة، وتحاول أن تفهم بعضها البعض، وتتعاون في ما بينها، وتعمل جنبا إلى جنب لخير البشرية جمعاء.

وقد لوحظت في السنوات الأخيرة بوادر واعدة تدل على أن النزاعات بين الدول صارت تعتبر من الحماقات المطبقة وأن الخلافات بين البلدان يجب أن تحل بالمفاوضات وليس على سبيل الحرب».

وتتسع دوائر دعوة السلام الخطاب السلطاني لتتجاوز الإطار القُطْري «إننا نؤمن بالسلام ونسعى إليه، وندعو إلى تقوية روابط الصداقة مع الجميع، على أساس من العدل الشامل، والاحترام المتبادل، ومن هذا المنطلق كان وقوفنا الدائم الحازم مع القضايا العادلة.

ولقد جاء التثمين العالمي لخطاب السلام الذي تبناه جلالة السلطان قابوس في وحدات خطابه السياسي بشكل عام في احتفاليتين دوليتين، الأولى جاءت من الغرب عام 1998 وبالتحديد من العاصمة الأمريكية واشنطن، وهي جائزة السلام الدولية أجمعت عليها ثلاث وثلاثون منظمة عالمية، والثانية جاءت من الشرق عام 2007 وتحديدا من العاصمة الروسية موسكو، وهي جائزة السلام من الجمعية الدولية الروسية، تقديرًا لجلالته في مجال خدمة السلم والتعاون، وفعل الخير على المستوى الدولي.

توج العالم سياسات جلالة السلطان وإسهاماته الدائمة والمتواصلة في مختلف الجهود المبذولة لتحقيق ودعم السلام، ليس فقط في منطقة الخليج والشرق الأوسط بل أيضا على الصعيد العالمي، بإهدائه «جائزة السلام الدولية» كأول زعيم يتم منحـه جـائزة السلام الدولية التي بدأ تنظيمها عام 1998 في حفل تاريخـي بالعاصمة الأمريكية واشنطن فـي 16 أكتوبر 1998 بإجماع ثلاث وثلاثين من أبرز الجامعات والمراكز والهيئات شاركت في منح الجائزة ومنها جامعات: جورج واشنطن، جورجيا، هارفارد، بنسلفانيا، اركنساس، كاليفورنيا، والجـامعة الأمريكية، بالإضافة إلى مجلس سياسات الشرق الأوسط، ومراكز كارتر وبيكر ونيكسون وكيندي، وأكاديمية البحرية الأمريكية، وأكاديمية سلاح الجو الأمريكي ومعهد الشرق الأوسط، ومعهد الأمريكيون العرب، والمجلس الإسلامي الأمريكي، ومؤسسة السلام للشرق الأوسط، والمجلس الوطني للعلاقات الأمريكية العربية، ولجنة التعاون بين الشركات الأمريكية الخليجية وغيرها.

جاء التثمين العالمي -طبقًا لقرار هيئة الجائزة- مؤكدا «أن السلطان قابوس نشر السلام بطرق عديدة، فقد فاوض وحل خلافات حدودية صعبة مع جميع جيرانه، وأوصل عمان إلى مركز قيادي في الأمم المتحدة وغيرها من المنظمات الدولية، ويعمل نحو تسوية نهائية عادلة تحمي الحقوق الكاملة للشعب الفلسطيني، وله الكثير من المواقف السياسية، مثل دوره في حل كثير من القضايا الإقليمية والنزاعات الدولية مثل المشكلات الحدودية المعقدة مع الدول المجاورة والمساهمة بدور فعال في إنهاء حروب كبيرة مثل الحرب العراقية - الإيرانية، وغيرها من القضايا» وأشادت هيئة الجائزة بسياسة السلطان قابوس في تطوير بلاده والإنجازات التي تحققت فيها، ومن ثم فإن الجائزة «تمثل تقديرًا مستحقًا للسلطان قابوس، وأن حصول جلالته على جـائزة السلام الدولية إنما هو اعتراف دولي بدوره الفاعل في خدمة السلام الدولي، وأنه مصباح منير لمحبي السلام».

وفي سياق الاحتفاء بهذا الحدث العالمي طرح جلالة السلطان سؤالا غير مسبوق، يكشف عن استشرافه المعهود لغشاوة المتغيرات في العلاقات الدولية والتي أصبحت أكثر من ثوابتها، إذ قال في الاحتفالية: «إن هناك نكسات خطيرة بين حين وآخر، ولكن الحاجز النفسي قد أزيل»، ولم يعد السؤال: «ما إذا كان السلام النهائي سيتحقق» بل السؤال هو:«متى سيتحقق».

حين عقد مؤتمر السلام في العاصمة الكورية «سيؤول» ونظمه التحالف الدولي للأديان من أجل السلام 2014 بالتعاون مع معهد الثقافة الدبلوماسية بمشاركة وحضور أبرز الزعماء السياسيين وعلماء الدين والقيادات النسوية والشبابية حول العالم، بعث صاحب الجلالة السلطان قابوس رسالة إلى المؤتمر قال فيها: «إن هذا المؤتمر يعقد في فترة تشهد فيها العديد من المناطق في العالم أحداثا خطيرة وأعمالا تخريبية يذهب ضحيتها الأبرياء فضلا عن أن هناك مناطق أخرى لا تزال تعاني من الثالوث المدمر: الجهل والفقر والمرض».

سطعت هذه الإشراقة السياسية من وميض رؤيته التي وصفها بقوله: «نحن نعتقد بأنه عندما تتواصل الأمم والحضارات وتتفاهم مع بعضها فإنها تتجه نحو السلام بشكل طبيعي، ونعتقد بأن البشر بطبعهم محبون للسلام، كما نعتقد بأننا جميعا أفرادا وجماعات علينا واجب مقدس لمناصرة قضية السلام، وأننا بأدائنا هذه المهمة نساعد البشرية في تحقيق مصيرها» وذكَّر العالم، في هذا السياق، بأن «اتفاقية كامب ديفيد للسلام عام 1978 هي التي أوحت عملية السلام الحالية والتي مضت قدما منذ مؤتمر مدريد 1992 وقد غيّرت الشرق الأوسط» مؤكدا أن «التزامه صادق بإرادة الله عز وجل وسنصمد في وجه كل تحد».

تبقى الإشارة في سياق الاستبقاء الجوهري من خطاب السلام الذي يفيض به كل ما سبق، أن السلطان قابوس يعد بحق «داعية سلام» من خلال نشر ثقافة التسامح والسلام، والتعاون والتفاهم، بين جميع الأمم، لذلك حق له أن يقول «إننا نأمل أن يؤدي ذلك إلى اقتلاع كثير من الأسباب لظاهرتي العنف وعدم الاستقرار ومن أجل توطيد الاستقرار وزيادة النماء والازدهار ومعالجة أسباب التوتر في العلاقات الدولية بحل المشكلات المتفاقمة حلًا دائما وعادلًا يعزز التعايش السلمي بين الأمم ويعود على البشرية جمعاء بالخير العميم».