الملف السياسي

ما بين عامين.. حساب الحقل وأوان الحصاد

23 ديسمبر 2019
23 ديسمبر 2019

إميل أمين -

على بعد أيام قليلة من نهاية عام 2019 وبداية 2020 يتساءل البعض عن أوان الحصاد وهل جاء موافقا لحساب الحقل أم مغايرا؟

يمكن القطع بأن إلقاء الضوء مرة واحدة على كل ما حفل به العام الماضي عبر مقال واحد أمر غير عقلاني، إلا انه وفي كل الأحوال من المؤكد أن ما تم بذره وزرعه في الاثني عشر شهرا الماضية، سوف يتم حصاده في الأشهر المقبلة، ذلك ان الأيام تعرف تسليم الأحداث، وتوالي الأزمنة من سنن الله في الكون.

لعل السؤال الأول المتقدم في هذه القراءة هل كان العام الماضي عام استقرار أم استمرار لحالة أممية من الاضطراب، فيها من القلق في النهار ما هو أكثر من الأرق في الليل؟

باختصار غير مخل، لم تعرف 2019 أي حلول جذرية للكثير من المسائل العالقة على الصعد الدولية المختلفة، العسكرية والاقتصادية والأمنية، سواء اتصل الأمر بالأقطاب الكبرى، أو بالصراعات الإقليمية، وصولا الى الخلافات بين الدول الصغرى.

ولعل البادرة الطيبة الوحيدة قبل ان ينتهي هذا العام كانت تتمثل في الاتفاق التجاري بين الولايات المتحدة الأمريكية والصين، والذي تحدث عنه الرئيس ترامب بأنه سيكفل للأمريكيين مردودات مالية تصل الى خمسين مليار دولار دفعة واحدة .

وبجانب هذا الاتفاق فإنه قبل أن ينصرم العام كان الرئيس ترامب كذلك ينجح في عقد اتفاقية تجارية جديدة بين بلاده والمكسيك وكندا الأمر الذي يلقي بظلال مهمة جدا على 2020... ماذا نعني بذلك؟

الشاهد أن الكثير من المراقبين للشأن الدولي يضعون أياديهم على صدورهم وقلوبهم خوفا وترقبا مما يمكن أن تأتي به السنة القادمة من الناحية الاقتصادية، وهناك نسبة بالغة من المحللين الاقتصاديين يرون أن العالم مقبل على أزمة اقتصادية كارثية تتجاوز ما جرى عام 2008، ويمكن أن تصل في حدتها إلى حدود ما جرى في ثلاثينات القرن العشرين، أي زمن ما كان يعرف بـ « الكساد العالمي الكبير ».

أما السبب الرئيس في هذا الإطار فمرده أزمة الديون العالمية، وارتفاع أرقامها والعجز عن السداد.

يمكن للقارئ ان يتخيل كيف أن أزمة الرهن أو الديون العقارية في الداخل الأمريكي قد قادت الولايات المتحدة والعالم من ورائها قبل عشر سنوات إلى أزمة عميقة، فكيف يمكن ان يكون الأمر حال توقفت دول كبرى عن سداد ديونها، وبخاصة في ظل حالة الانكماش في النمو التي تعرض لها الاقتصاد الصيني في العامين الأخيرين؟

على أن الاتفاقيات الأمريكية - الصينية الأخيرة، ربما طمأنت العالم بدرجة أو بأخرى، إلا ان مخاوف الاقتصاد سوف تبقى هي الأكثر تأثيرا على العام القادم.

يرحل 2019 ويخلف من وراءه علامة استفهام كارثية بشأن الكرة الأرضية وعملية التغير المناخي، أو الحرب الأيكولوجية، والتي تكاد البشرية تسحق وتمحق من جرائها، ولا يبدو ان قمة المناخ الأخيرة قد توصلت الى حلول قاطعة أو ناجزة، وعليه فإن العام القادم سيبقى حاملا تبعات وأزمات مناخ 2019، لا سيما ما أصاب ويصيب الأقطاب الجليدية الكبرى، القطب الشمالي بداية والذي تنفصل منه يوما تلو الآخر كتل جليدية بحجم بعض كبريات المدن الأوروبية أو الأمريكية، ما يعني بالضرورة والحتمية الطبيعية ارتفاع منسوب المياه في محيطات وبحار العالم، ثم تهديد اليابس لحساب البحر.

والمؤكد أن أزمات المناخ لا تتوقف عند هذا النحو، فهي تمضي بدورها لحالة التصحر المناخي، ما يعني قلة المساحة المزروعة بالحبوب التي تسد جوع الجائعين، ما يدفع بالحتمية التاريخية الى هجرة من الدول الفقيرة الى الغنية، والتي سوف تضحى في واقع الأمر غير غنية بالمرة خلال عقود قليلة.

أما الكارثة الأكبر فموصولة بالحروب التي يمكن ان تنشأ بين حدود الدول المختلفة حول الكرة الأرضية من جراء التغيرات المناخية.

ولعله من المثير ان نربط بين التغيرات الايكولوجية وبين الأوضاع السياسية حول العالم، فماذا عن ذاك؟

خذ على سبيل المثال ما يحدث في روسيا الاتحادية والتي تحقق عاما تلو الآخر تقدما كبيرا على كافة الأصعدة حتى على الرغم من العقوبات المفروضة عليها من قبل أوروبا من جانب والولايات المتحدة الأمريكية من جانب آخر.

حصدت روسيا اكثر من 13 مليار دولار من مبيعات الأسلحة العام الماضي، ويتوقع أن تحصد اكثر من ذلك العام القادم، والسبب المباشر هنا مرتبط بجودة الأسلحة الروسية الجديدة مثل طائرات السوخوي 35 والتي باتت تضارع طائرات أف 35 الأمريكية ذائعة الصيت، إضافة إلى أن غالبية دول العالم باتت تفضل تنويع مصادرها من السلاح، وأن لا تعتمد على مصدر واحد مهما يكن هذا المصدر حليف اليوم، فعالم السياسية لا يعرف معنى أو مبنى للصداقات لكنها مصالح متصلة أحيانا ومنفصلة أحيانا أخرى.

أما فيما يخص التغيرات المناخية، فإنه ربما يكون من متناقضات القدر أن مسألة الاحتباس الحراري التي تزعج العالم كله الى حد الرعب، تلقى قبولا عند الروس، ذلك أنها ستذيب الثلوج القطبية في أقصى شمال روسيا، الأمر الذي يعني تحقيق الحلم الروسي بفتح طريق بحري في المياه التي كانت متجمدة يصل من روسيا، مرورا بكافة دول القارة الأوروبية، وصولا الى مياه المحيط الأطلسي، الأمر الذي يمكن ان يعد تحولا جيوبولتيكيا غير مسبوق، يحقق لروسيا انتصارات كبيرة في صراعاتها السياسية مع الغرب.

هل لا تزال روسيا عدوة للغرب، وماذا جرى في 2019 ويتوقع أن يحدث في 2020؟

اعتقد الجميع أن الحلم الأوراسي قاب قوسين أو أدنى من التحقق في الأعوام الأخيرة، غير ان التأثير الخاص بالتيارات اليمينية، أدى الى تغير وجه الناتو، وإعادة التأكيد على ان روسيا تمثل مخاطر كبيرة بالنسبة لأوروبا وأمريكا، وقد كان مؤتمر الناتو الأخير فرصة لإظهار احد وجوه ستينات القرن الماضي، وكأن التاريخ يعود الى الوراء ولا يتقدم الى الأمام بحال من الأحوال.

هنا ربما يتساءل أحدهم ما الذي نتوقعه على صعيد العلاقات بين الأطلسي ودول شرق آسيا في 2020؟

باختصار غير مخل المزيد من الصدامات والتي تجاوزت الكرة الأرضية، ما بين القوات البرية، والأساطيل البحرية، وصولا الى محاولات جارية على قدم وساق لعسكرة الفضاء على الجانبين.

ضمن متغيرات عام 2019 والتي سيتم تسليمها بغير حسم واضح يأتي ملف البريكست وانفصال بريطانيا عن دول الاتحاد الأوروبي، فقد نجح رئيس الوزراء المحافظ المستقيل بوريس جونسون في الحصول على نسبة فائقة الاعتبار من الأصوات تمكنه من تشكيل الحكومة البريطانية بمفرده، ومن غير الحاجة الى الدخول في تشبيكات او تربيطات سياسية مع أحزاب أخرى.

في يناير من العام الجديد سوف يتم خروج بريطانيا رسميا الأمر الذي يرسم علامات استفهام في الأفق عن السبب الرئيس الذي جعل البريطانيين يفضلون الخروج عن البقاء ضمن الاتحاد الأوروبي.

على أن الأهم هو توجهات بريطانيا، وما الذي ستفعله أوروبيا وعالميا، وهنا ربما يتذكر القارئ ما صرحت به رئيسة وزراء بريطانيا المستقيلة «تريزا ماي»، من أنه قد حان وقت «بريطانيا العالمية».. ما الذي كانت تقصده بهذا التعبير؟

يمكن هنا عبر قراءة استشرافية واستكشافية القول ان البريطانيين ربما عادوا الى أضابير التاريخ ويحاولون الآن جاهدين بلورة رؤية وطنية محلية لبريطانيا التي كانت عظمى في النصف الأول من القرن العشرين، وهو الأمر نفسه الذي أشار اليه جونسون عبر القول إنه حان الوقت لكي نعود ثانية للتحكم في أموالنا، وانتقاء مصالحنا، وتحديد دفة سياساتنا الخارجية.

هل سيكون الانسحاب البريطاني من الاتحاد هذا دافعا جديدا لمزيد من التحلل والتفكك للاتحاد الأوروبي العام 2020؟

لا يمكن القطع بذلك، إلا ان زيادة وتيرة نمو وارتقاء التيار اليميني الأوروبي سواء في المانيا او فرنسا، ربما يعني ان التجربة قابلة بالفعل للتكرار، وان لم يكن في 2020 فربما في العام الذي يليه.

والثابت انه وقت كتابة هذه السطور كانت الولايات المتحدة الأمريكية بدورها تعيش تجربة مثيرة ومزعجة في الوقت عينه، قصة بدأت فصولها في 2019، وها هي تمتد الى 2020 ونعني بها قصة محاولة عزل الرئيس الأمريكي دونالد ترامب، وسط عام حاسم وحساس، عام الانتخابات الرئاسية.

في هذا السياق يسعى الديمقراطيون بقوة لعزل الرئيس ترامب بتهمة إخلاله بمسؤولياته من خلال المكالمة التي جمعته مع الرئيس الأوكراني زيلينسكي، وقولهم بمحاولته الإضرار بمركز منافسه الديمقراطي جوزيف بايدن في الانتخابات القادمة.

هنا قد يكون التساؤل: ما الذي يرمي إليه الديمقراطيون، وهم يعلمون علم اليقين أن الجمهوريين لن يتخلوا عن رئيسهم وبذلك تبطل كل دعاوى العزل؟

الجواب المؤكد هو أننا حالة تموضع سياسي برداء قانوني، ما يعني أن الديمقراطيين جل همهم هو إلحاق الضرر بالحزب الجمهوري، أكثر من الاهتمام بالفوز بالمقعد الرئاسي العام القادم، الأمر الذي يعكس مقدار حالة الاهتراء السياسي التي وصل إليها النسيج المجتمعي الأمريكي، والذي يعكس حالة من المخاوف الشديدة على مستقبل الاتحاد الأمريكي، وقد قال البعض بان استمرار الاتحاد الأمريكي على حالته الآنية لن يطول به المقام، وما حل بالاتحاد السوفيتي عام 1990 ربما سيلحق بأمريكا بعد ثلاثة عقود، وهذه تنبؤات احد اساطين الأمن القومي الأمريكي، المستشار زيجينو بريجنسكي في أوائل ثمانينات القرن الماضي.

أما الجزئية الأخيرة القائمة والقادمة في العام الجديد فموصولة بالسؤال التالي: هل تقاد الدول في العام الجديد بالايديولوجيا ام بالسيسيولوجيا؟

الخيار الأول مخيف ومهول، وما نراه في حزب البديل من اجل المانيا، وجماعة بغيدا، وما نشاهده من حركة النجوم الخمسة في ايطاليا، كلها إيديولوجيات متطرفة تذهب أقصى اليمين وتسبب هلعا كبيرا للأوروبيين ولغيرهم.

وعلى الجانب الآخر من المشهد نرى أصوليات مشرقية تحاول ان تنتعش من جديد الأمر الذي يقودنا الى تساؤل ماذا عن الإرهاب العالمي، ثم ماذا عن عالمنا العربي بين عامين ؟

إلى اللقاء في مقال مكمل إن شاء الله.