الاقتصادية

تجربة السلطنة نموذج للتعاون الناجح .. وطريق الحرير لعب دورا في التبادل الثقافي والتجاري

23 ديسمبر 2019
23 ديسمبر 2019

٢٢ ورقة عمل تناقش علاقات الصين بالعالم الإسلامي في مؤتمر مسقط -

كــــــــتب : عامر بن عبدالله الأنصاري -

افتتح أمس الاثنين المؤتمر الدولي «تاريخ علاقات الصين بالعالم الإسلامي.. عمان نموذجا»، وذلك بتنظيم كل من «هيئة الوثائق والمحفوظات الوطنية»، ومنظمة التعاون الإسلامي ممثلا بمركز الأبحاث والفنون والثقافة الإسلامية، والأكاديمية الصينية للعلوم الاجتماعية.

ابتدأ المؤتمر بحفل رعاه معالي الشيخ خالد بن عمر المرهون وزير الخدمة المدنية، بحضور سعادة لي لينج بينج سفيرة جمهورية الصين الشعبية المعتمدة لدى السلطنة، وعدد من أصحاب السمو والمعالي والسعادة، وحضور أعضاء منظمة التعاون الإسلامي، وأعضاء الأكاديمية الصينية للعلوم الاجتماعية، ومتحدثين من مختلف دول العالم، وعدد من المهتمين. وفي تصريح لوسائل الإعلام، قالت سعادة لي لينج بينج سفيرة الصين: «بالنسبة للعلاقة بين الصين والسلطنة فهي علاقة تاريخية وحديثة في آن واحد، وهي علاقة متميزة جدا، وفي الأربعين عاما الماضية تطورت العلاقات بين البلدين كثيرا في مختلف المجالات أبرزها الاقتصادية وكذلك الثقافية، ونعتبر سلطنة عمان شريكا مهمًا في المنطقة وفي تشكيل ملامح الحزام والطريق، وفي العام الماضي تحديدا تم إقامة علاقة شراكة استراتيجية بين البلدين».

20 مليار

وتابعت السفيرة الصينية: «تعتبر الصين أكبر شريك اقتصادي للسلطنة، وفي السنة الماضي بلغ حجم التبادل التجاري 20 مليارا و700 مليون دولار، وتعتبر الصين أكبر مستورد للبترول العماني، وهناك خبر جيد تناولته وسائل الإعلام قبل أيام، وهو توقيع اتفاقية بين مؤسسة الشبكة الكهربائية الوطنية للصين مع مجموعة نماء القابضة، وهذا التعاون يعتبر شراكة استراتيجية بين البلدين، لأن المؤسسة الصينية تعتبر الرقم الأول عالميا تكنولوجيا وتقنيا ولديها خبرة طويلة في العالم، ولديها علاقات تعاون مع العديد من دول العالم منها دول أوروبية وأمريكا، وأعرف أن المؤسسة الصينية تُجلَب خبراتها ولديها أفكار وخطط للمساهمة في تحقيق تطور ملحوظ في قطاع الكهرباء بالسلطنة، وقد جلست مع أفراد المؤسسة الصينية قبل توقيع الاتفاقية وسألتهم إذا ما كانت لديهم نية لمساعدة السلطنة وتطوير التنوع الاقتصادي فيها، فقالوا إن لهم أفكارا متعددة ويصب في صالح السلطنة والمؤسسة، وهم يعرفون رؤية السلطنة 2040 وما يصاحبها من حاجة إلى تطوير قطاع الكهرباء، وهم على استعداد لذلك».

واختتمت: «لقد بدأ مشروع تطوير المدينة الصناعية الصينية في الدقم، وفي العام القادم سنشهد المزيد من التطور، هناك اهتمام كبير من الحكومة الصينية في هذا الشأن، وهناك اجتماعات متعددة خاصة بهذا الموضوع، وقد قام وفد رفيع من الحكومة الصينية بزيارة السلطنة مؤخرا لمناقشة هذا الموضوع، لا تقلقوا فالمشروع استراتيجي وهو قيد التطوير، هناك صعوبة بالبداية ولكن تم استكمال البنية الأساسية بشكل أولي، والعديد من الشركات الصينية وصلوا إلى السلطنة لأجل هذا المشروع».

المسلمون والصين

وتضمن حفل الافتتاح كلمة هيئة الوثائق الوطنية، قدمها رئيس الهيئة سعادة الدكتور حمد بن محمد الضوياني، ومما جاء في كلمته: «ظهر الإسلام في القرن السابع الميلادي، وأقيمت دولة إسلامية امتدت شرقاً وغرباً، ومع اتساع هذه الدولة الإسلامية في مطلع القرن الثامن الميلادي ويصل نفوذ المسلمين إلى حدود الصين، مما أوجد رقعة واسعة من الأراضي الشاسعة والزاخرة بالمنتجات والخيرات المتعددة مما حدا بالطرفين ــ الصيني والإسلامي - على تطوير التجارة والاستفادة من الأمن والاستقرار الذي وفره المسلمون على مسارات طرق الحرير البرية والبحرية مما أفسح المجال للصينيين في نقل بضائعهم ومنتجاتهم إلى العالم الإسلامي ووصول سفنهم على الموانئ الإسلامية المختلفة».

وتابع: «كان طريق الحرير معبرا ثقافيا واجتماعيا ذا أثر عميق في المناطق التي يمر بها ولم يقتصر شأن طريق الحرير عن كونه سبيل تجارة بين الأمم والشعوب وإنما تجاوز الاقتصاد العالمي حيث عبرت وعرفت الشعوب في آسيا الديانات ومنها الدين الإسلامي وانتقال العديد من أنماط النظم الاجتماعية من خلال التواصل السكاني إلا أن النشاط الاقتصادي ظل دوما هو العامل الأهم والأظهر والأبرز أثرا».

وفيما يتعلق بالعلاقات العمانية الصينية القديمة قال الضوياني: «العلاقات التجارية العمانية الصينية ممتدة عبر آلاف السنين، وشكلت علامة بارزة في تاريخها منذ العصر الإسلامي عن طريق الخطوط البحرية بين الموانئ الصينية وموانئ الساحل العُماني، وأدى ازدهار مينائي (كانتون) في الصين و(صحار) في عُمان إلى ثراء المنطقة التي تمر من خلالها التجارة البحرية عبر المحيط الهندي ومنها سواحل الخليج ومرافئ البحر الأحمر بفضل مساهمة الموانئ العُمانية، وعلى وجه الخصوص ميناء صحار، وقد أشاد العديد من الرحالة الجغرافيين بميناء صحار فكانوا يسمونه بوابة الصين، لأن السلطنة كانت سوقا حرة وقبلة التجار وبضائعهم ومخزنا للسلع الواردة من الصين والهند وأصبحت صحار مركزا رئيسيا للملاحة والتجارة ونقطة انطلاق للسفن إلى الهند والصين والشرق الأقصى، وليس أصدق قولاً عما يرجعه بعض المؤرخين الصينيين فإن أبا عبيدة عبدالله بن القاسم هو السندباد البحري الذي ارتاد البحر مرات عديدة».

واختتم بقوله: «المؤتمر سينظر في أوراق العمل التي تتناول أوجه ومجالات العلاقات التي ربطت العالم الإسلامي بالصين وعُمان وأهمية امتداد وتواصل هذه العلاقات الاقتصادية والتي تعمل كل الدول على إيجاد شراكة اقتصادية والعمل على إتاحة فرص الاستثمار مع مختلف دول العالم ومنها الصين وسيخرج المؤتمر بمجموعة من التوصيات».

عمان .. تجربة ناجحة

وبدوره تحدث سعادة الدكتور خالد إرن المدير العام لمركز الأبحاث للتاريخ والفنون والثقافة الإسلامية قائلا: «يسرني أن أرى بأن المبادرة العلمية المشتركة التي أطلقها مركزنا بالتعاون مع الأكاديمية الصينية للعلوم الاجتماعية في عام 2012 قد وصلت إلى نسختها الرابعة من خلال إقامة هذا المؤتمر (تاريخ علاقات الصين بالعالم الإسلامي.. عمان نموذجا)، وحققت سلسلة المبادرة نجاحا كبيرا الأوساط العلمية والعالمية، وقد وضعنا الأسس الموضوعية والمنهجية للبحث العلمي حول العلاقات بين العالم الإسلامي والصين منذ الندوة الأولى والتي أقيمت في بكين عاصمة الصين عام 2012، ونشرت أوراقها عام 2013، أما الندوة الثانية فقد عقدت في إسطنبول والثالثة في بكين، ويسعدنا أن نقيم الفعالية الرابعة في سلطنة عمان وسيتم التركيز فيها على تجربة عمان كمثال على التعاون الناجح».

وتابع: «في المركز تمكنا من تأسيس قاعدة تركز على اللقاءات التاريخية والثقافية بين العالم الإسلامي والصين، ولا شك أن معرفة شعوب العالم الإسلامي والصين بتاريخهما المشترك ــ معرفة موضوعية غير منحازة- سيساهم في إقامة جسور التعاون في شتى المجالات منها الفنون والتربية والعلوم والتجارة، ويضطلع مركزنا، ممثلا عن 56 دولة، بمهمة تسهيل مثل هذه المساهمات، وقد كشفت البحوث عن جوانب متعددة لهذا التاريخ المشترك والتي كانت مجهولة».

وأضاف: «كان للتجار المسلمين دور مهم في طريق الحرير التاريخي الذي يربط الصين بآسيا الوسطى والشرق الأوسط وأوروبا، ومن المعروف أن سلطنة عمان لعبت دورا كبيرا عبر التاريخ في تطوير هذه التجارة بكونها مركزا تجاريا كبيرا حيث تمتلك منفذا بحريا إلى المحيط الهندي وشبه الجزيرة العربية والشرق الأوسط، وكان طريق الحرير معبرا للسلع والأفكار والعلوم والمعرفة، فقد سافر الفلاسفة بأفكارهم، والوعاظ بأديانهم، والفنانون بفنونهم، والمعماريون وغيرهم، كلا في مجال اختصاصه ناقلين معهم تلك الثقافة، فبفضل طريق الحرير تعارفت الشعوب جنبا إلى جنب مع التجار وسلعهم».

واختتم قائلا: « يشترك في هذه الندوة نخبة من الأكاديميين من السلطنة والصين وتركيا وكوريا وأوزبكستان».

وبعد ذلك تحدثت سعادة البروفيسورة «زهو يونفان» نائبة المدير العام لمكتب التعاون الدولي بالأكاديمية الصينية للعلوم الاجتماعية، وأشارت في حديثها عن عمق العلاقات التاريخية بين العالم الإسلامي والصين، وكيف ساهم طريق الحرير بنقل الأفكار والثقافة والعلوم، وكيف اختلطت شعوب الدول الإسلامية والصين بمساهمة المحرك التجاري، المحرك الأبرز.

الجلسة الأولى

وضمن اليوم الأول من المؤتمر جلستين، كانت الأولى بعنوان «التواصل التاريخي بين الصين والعالم الإسلامي»، والثانية بعنوان «العلاقات العمانية الصينية» وقدمت خلالهما عدد من أوراق العمل.

ومن الأوراق المقدمة كانت للبروفيسور «لي هو سوو» جامعة «هانيانج» بكوريا الجنوبية، وكانت ورقته بعنوان «العلاقات التجارية بين الصين والمسلمين خلال فترة تانج سونج القرن السابع إلى العاشر»، موضحا في ورقته أن هناك العديد من الأدلة المتناقضة فيما يتعلق بالفترة التي دخل فيها الإسلام إلى الصين، حيث توضح الوثائق والروايات أن أول اتصال رسمي مدون جرى بين الصين والجزيرة العربية بدأ في عام 651 ميلادي، وذلك عندما وصل المبعوث العربي إلى الصين لينقل أوامر الخليفة العثماني الثالث إلى الدولة الصينية، ومنذ ذلك الاتصال الرسمي ازدادت العلاقات السياسية بين البلدين أكثر فأكثر من خلال تبادل الوفود، ومع ذلك فيرجح بأن العلاقات التجارية بين الصين والجزيرة العربية بدأت قبل ذلك وبالتحديد قبل فترة طويلة من ظهور الإسلام حسبما ذكر في الوثائق ذات الصلة، وكان البلدان يستخدمان البحر والطرق البرية مثل طريق الحرير من أجل هذا التواصل، وعلى مدى 2000 عام كان البلدان على اتصال دائم من خلال القوافل والعربات التي كانت تمر على طول طريق الحرير، كما أشار إلى أن انتشار الإسلام كان له تأثير كبير على شبه الجزيرة الكورية المجاورة أيضًا، حيث شهد التواصل والتجارة بين الصين والعالم العربي توسعا كبيرا بداية من القرن الثامن ليشمل شبه الجزيرة الكورية، ومنذ كتابة مخطوطة ابن خردبي في عام 845 باللغة العربية أو الفارسية إلى القرن السادس عشر دوّن أكثر من 20 عالما مسلما مجموعة واسعة من المخطوطات المتعلقة بالعلاقات التجارية العربية الكورية.

كما تضمن اليوم الأول تقديم ورقة بعنوان «الرحلات البحرية العمانية إلى الصين»، قدمها حمود بن حمد الغيلاني خبير في مديرية الآثار والثقافة بوزارة التراث والثقافة، مشيرا في ورقته إلى أن تاريخ العلاقات بين العرب عموما والعمانيين بصفة خاصة والصين يعود إلى أكثر من خمسة عشر قرنا، فلم تكن العلاقة وليدة الإسلام، بل سبقت ظهور الإسلام، وقد دل التراث الإنساني في بلاد العرب وفي أرض الصين على الأثر الفاعل والتأثير المتبادل عبر العصور، وليس أدل من ذلك كما بينته الآثار الصينية، وخلال تلك الفترة توطدت العلاقات التجارية والاقتصادية بين الطرفين.

هدف الدراسة إلى إلقاء الضوء على البُعد التاريخي للعلاقات العمانية الصينية عبر الرحلات البحرية التي قام بها العمانيون إلى الصين.

فيما قدم الدكتور عبدالعزيز الخروصي ورقة بعنوان «الصين في الصحافة العمانية.. عمان والوطن نموذجا» سلط من خلالها الضوء على ما رصدته الصحيفتان من الحضور الصيني في المنطقة، ودور الصينيين في القضايا والأحداث السّياسيّة والاقتصاديّة التي مرّت بها عُمان خلال النصف الثاني من القرن الماضي، وتابعت تطور العلاقات العمُانية الصينية في مختلف المجالات خاصة الاقتصادية منها، ولفت إلى أن المتتبع لصحيفتي $ والوطن سيجد أنهما قد أبرزتا الأحداث المهمة التي كان الصينيون طرفًا فيها، وأفردت للتطور الذي تعيشه الصين خاصة على المستوى الاقتصادية.

كما أنها أبرزت العلاقات الدبلوماسية بين البلدين وتطورها، وقد حضرت الصين في الصحافة العمانية من خلال المقالات التاريخية التي تتناول جذور العلاقات العمانية الصينية واستعرضت أحيانا الكتابات التي تُعنى بالأدب الصيني. كما قدمت في اليوم الأول مجموعة من الأوراق تناولت بشكل مفصل العلاقات الصينية بالعالم الإسلامي وبالسلطنة تحديدا.