907543
907543
إشراقات

فتاوى لسماحة الشيخ أحمد بن حمد الخليلي المفتي العام للسلطنة

19 ديسمبر 2019
19 ديسمبر 2019

القرآن منهاج هداية وصراط رشــد وميزان قســط يقوِّم انحراف الإنســان -

لم ينزله الله لأجل البحث عن حقائق علمية معينة -

لقد احتوت آيات القرآن الكريم كثيرًا مــن القصص القرآنية، ومع تكرر بعض هذه القصص في عدة ســور إلا أن الأســلوب التعبيري أو البياني يختلف من سورة إلى أخرى، فما السر في ذلك؟

نحن لا نقول بالتكرار في القصص القرآنية، فالقصة الواحدة تُعرض في سور متعددة بأساليب مختلفة، لأن القرآن الكريم ليس كتابًا قصصيًا،

ولم ينزل للتســلية بذكر القصص الماضية أو القصص الخيالية المفتعلة،

لا واالله، وإنما هو كتاب أنــزل ليكون هدى للناس، وأنزل للعظة والعبرة،

فتأتي الآية القرآنية في مقام التذكير، وفي مقام الأمر وفي مقام التخويف، وفي مقامات متعددة، فيُعرض من كل قصة من هذه القصص جانب منها في السورة بحسب ما يتلاءم مع جو الســورة، وبحسب ما يتلاءم مع ما نزلت من أجله الســورة من أمر أو نهي أو تخويف أو تذكير أو ردع عن

شيء أو نحو ذلك. فالقصة هي واحدة، ولكن تعرض في مقامات متعددة،

ويعرض في كل مقام من هذه المقامات جانــب منها، ولا تعرض كلها،

فقصة موسى -عليه السلام- مثلاً جاءت في الكثير من الســور القرآنية، ولكن مع ذلك ما جاءت على وتيرة واحدة، وليس المعروض في جميع هذه السور شيئًا واحدًا، وإنما عرض جوانب منها، فيعرض جانب في سورة بحسب ملاءمة جو هذه السورة، وجانب آخر في سورة أخرى بحسب ملاءمة جو تلك الســورة الأخرى أيضًا، وقد يذكر في هذه السورة شيء مما ذكر في الســورة الأخرى لأجل اقتضاء المقام ذكر ذلك، ولا يعــد ذلك تكرارًا، واالله أعلم.

نجد فــي كثير من آيات القــرآن الكريم تقديم صفة الســمع على صفة البصر، وكذلك الســمع يذكر مفردًا والبصر يذكــر بصيغة الجمع. فهل صفة السمع أنفع للإنسان من صفة البصر؟

كثير من الناس فضلوا الســمع على البصر، ونسأل االله العافية في السمع والبصر، واالله سبحانه وتعالى هو الذي أنعم علينا بموهبة الســمع وبموهبة البصر، وكل نعمة يدري الإنســان قيمتها إذا فقدهــا، وإذا أردتم أن تعرفوا قيمة الســمع فاســألوا الصم، وإذا أردتــم أن تعرفوا قيمة البصر فاســألوا العُمْي، ومجيء الســمع مفردًا في القرآن مع جمع الأبصار في كثير من الآيات؛ لأن السمع يأتي على وتيرة واحدة بخلاف المبصرات فإنها تتنوع، ولذلك يُجمع البصر ويُفرد السمع. واالله أعلم.

هل يفسـر القرآن في ضوء الحقائق أم الحقائق تفســر في ضوء القرآن

ً الكريم، وهل يمكن اعتبار القرآن كتابًا علميًا بحتًا؟

القرآن الكريم هو منهاج هداية، وصراط رشــد، وميزان قسـط، أنزله االله سـبحانه ليقوم انحراف الإنســان، ولم ينزله لأجل البحث عن حقائق علمية معينة، أو لأجل التوسع في البحث العلمي، وإنما هذه أشياء جانبية تأتي في القرآن، وليست هي المقصودة أصالة. وإذا خاطب القرآن الناس من خلال هذه الحقائق العلمية فإنما يخاطبهم لأجل إقامة الحجة عليهم، ولأجل بيان ما يسترشـدون به في فهم حقائق هذا الكون المســخر بأمر االله، الذي تسبّح كل ذرة منه بحمده وتخضع سـاجدة لجلاله. فلا يمكن أن نعتبر القرآن الكريم كتابًا علميًا ولا نقول إن كل حقيقة علمية يجب علينا أن نعرضها على القرآن الكريم. هل توجد آية تدل عليهــا أم لا ؟ فإن لم تكن هناك آية تدل عليها نقول إنهــا مرفوضة، فإن هذا يؤدي بنا إلــى أن نرفض الحقائق العلمية هكذا بدون حجــة. ولكن الذي نقولــه إن الحقيقــة العلمية الثابتة لا تتصادم مع القرآن الكريم.

أما النظريات فهي قد تتصادم مع القرآن؛ لأن الحقائق العلمية تكشف عن نواميس االله في هــذا الكون، والقرآن منزل من عند االله، فلا يمكن أن يكون هذا الكون الذي خلقه االله يتصادم مع ما دل عليه كلامه تعالى، واالله أعلم.