1397675
1397675
إشراقات

«العـربيـــــة» لغة القرآن الكريم .. منبع العلوم والحضارات .. تشكو الصدود والهجران

19 ديسمبر 2019
19 ديسمبر 2019

بين الواقع والمأمول -

د. صالح بن سعيد الحوسني -

«إذا وقفنا مع حال هذه اللغة في العصور المتأخرة فإننا نجد أنفسنا مضطرين للقول: إن هناك انتقاصًا وإهمالًا متعمدا لهذه اللغة العظيمة، وليت هذا الانتقاص والإهمال من الغريب الذي لا يعرف للعربية قدرها ومنزلتها ومكانتها وإنما وللأسف الشديد كان هذا الابتذال والإهمال من أهلها وأقرب المقربين إليها».

خلق الله الإنسان في أجمل صورة، وأفضل هيئة، وأحسن تقويم كما قال تعالى: (لقد خلقنا الإنسان في أحسن تقويم)، فالإنسان ذلك المخلوق المكرم الذي أسجد الله له الملائكة الكرام وخلق له ما في البر والبحر وجعله سميعًا بصيرًا، بل وسخر له ما في السماوات والأرض، ومن ضمن سمات الإنسان النطق والبيان كما قال تعالى: (الرحمن، علم القرآن، خلق الإنسان، علمه البيان)، فقد زوده الله بهذا اللسان الذي ينطق به من غير كبير عناء ويعبر به عما يكون في ضميره من أحاسيس ومشاعر وخلجات، وعملية النطق وإخراج الكلمات تتكون من خلال مراحل متعددة بداية بالشعور بالرغبة في الكلام، وتخير الكلمات وإرسال رسالة من المخ إلى أعضاء النطق فيندفع الهواء من الصدر ويتحرك اللسان واللهاة والفكان وغيرها لتتم العملية في أجزاء من الثانية بفضل الله تعالى.

وعندما يولد الإنسان في بيئة معينة فإنه يتعلم لغتها والتي يتلقاها الإنسان ممن حوله ويفهمها في سنيه الأولى ويرتبط بها ويشعر أنه أحد أفرادها، وباللغة كذلك يعرف الناس بعضهم بعضا، وتعمر بسببه الأرض، ويتم نقل المعارف والخبرات، وتنشأ العلوم وتقوم الحضارات، وقديما قالوا: «لا ينسب لساكت قول» والمعنى أنه بالكلام تظهر الرغبات والحاجات فتُقضى، وأما الساكت فهو لا يُعلم ما يريد.

وإن أشرف هذه اللغات من غير منازع اللغة العربية التي هي لغة القرآن الكريم، كما قال تعالى: (إنا أنزلناه قرآنًا عربيًا لعلكم تعقلون)، ووصفه بقوله: (قرآنًا عربيًا غير ذي عوج)، فمن حق أهلها أن يفتخروا بهذه اللغة العظيمة التي جعلها الله وعاء لكتابه الكريم والتي فيها من المفردات المتعددة للمعنى الواحد، وصنوف البيان وأشكال البلاغة ما لا يوجد في أي لغة أخرى، يضاف إلى ذلك أن جهاز النطق في الإنسان يعمل على أتمه في حروف العربية، ويتميز كل حرف بمخرجه، وهو وإن وجد في بعض حروف اللغات الأخرى إلا أنك لا تجد لغة تضاهيها أو تصل إلى مستواها ومكانتها، فهي تدعى لغة الضاد، وهي من أقدم اللغات السامية، وكانت للعرب قبل الإسلام مجالسهم وأسواقهم يتبارون فيها بقوة بلاغتهم وحسن بيانهم وبلاغة شعرهم.

ومع دخول الناس في دين الله أفواجًا أقبل الناس على تعلم العربية وذلك لقراءة القرآن الكريم وتدبره وتعلم الأحكام الشرعية، يقول عمر بن الخطاب -رضي الله عنه-: «تعلموا العربية وعلموها الناس»، وذلك رغبة في فهم آيات القرآن الكريم وتدبر معانيه والوقوف على أحكامه ومقاصده الواسعة، وكان لدخول الأعاجم تأثير كبير على اللسان العربي تسبب في دخول المفردات الغريبة وحصول اللحن والخطأ في وزن بنية الكلمات فتأثر أهل اللسان بذلك وهو ما استدعى انتفاضة كبيرة من علماء العربية لتدوين ضوابط هذه اللغة وعلومها المختلفة من صرف ونحو ومعاجم وتعدى ذلك إلى ضبط البلاغة والبيان، وحفظت ودونت الكثير من الأشعار القديمة كل ذلك ضبطًا وصيانة لهذه اللغة الخالدة، والتي تكفل الله بحفظها ببقاء القرآن الكريم قال تعالى: (إنا نحن نزلنا الذكر وإنا له لحافظون).

وإذا وقفنا مع حال هذه اللغة في العصور المتأخرة فإننا نجد أنفسنا مضطرين للقول: إن هناك انتقاصًا وإهمالًا متعمدًا لهذه اللغة العظيمة، وليت هذا الانتقاص والإهمال من الغريب الذي لا يعرف للعربية قدرها ومنزلتها ومكانتها وإنما وللأسف الشديد كان هذا الابتذال والإهمال من أهلها وأقرب المقربين إليها، ولهذا الأمر جملة من الأسباب المتعددة ولعل من أهمها ما يفعله المنبهرون بالحضارات الصناعية؛ فما يكاد الطفل يتكلم ويردد بعض الكلمات إلا وأخذ أهله في تلقينه لغة أجنبية لا صلة لها بلغة القرآن وبدلًا من أن ينشأ محبًا للغته أو على الأقل مدركًا لها وبقيمتها إذا به يتقن لغة أخرى ولا يكاد يعرف من لغة القرآن إلا لغة عامية ركيكة تمجها الأسماع ولا تستسيغها الأذواق، والأنكى من ذلك ما يُشاهد من تلك الأخطاء الكثيرة جدا في الكتابة وفي وسائل الإعلام المختلفة وتعدى ذلك ليشمل القائمين على الإذاعة ووسائل الإعلام المختلفة ومن يُوصف بالطبقة المثقفة، وتطاول البعض لينتقص من أهمية قواعد النحو والصرف ومعاجم اللغة ليتهمها بالجمود والتخلف والقصور ويزعم أنها بحاجة إلى التغيير وأن هذه الضوابط ما هي إلا أغلال وقيود ينبغي أن تتحرر منها اللغة، وينبغي أن يسّوغ الخطأ ويصبح أمرًا مألوفًا؛ لأن اللغة تتطور ومن مقتضيات هذا التطوير أن يتم التنازل عن القواعد التي تضبط هذه اللغة بحسب التطور البشري، كما هو ملاحظ في اللغات المختلفة، وهناك من ينادي بترك اللغة الفصيحة وإحلال اللهجات العامية محلها في شؤون الحياة المختلفة من صحافة وإعلام وأدب وفنون ونحوها وهي وبلا شك دعوات سخيفة لا تنشأ إلا عن عقم فكري وجهل مركب عن مكانة وسمو اللغة العربية، وما تشتمل عليه من صنوف البلاغة والبيان والمكانة السامية فوق جميع لغات الأرض. ومما يمكن أن يستعان به للنهوض بهذه اللغة العظيمة وإعادة مكانتها السامية بين أهلها أولا وعند الآخرين كذلك ما يلي:

- تعزيز مكانة هذه اللغة عند جميع فئات المجتمع وضرورة النهوض بها وعدم إقصائها، وضرورة الاعتزاز بها.

- دراسة هذه اللغة من جميع النواحي المختلفة نحوًا وصرفًا وبلاغةً في جميع مراحل الدراسة العامة ليأخذ الطالب جرعة من الحد الأدنى منه هذه اللغة لتكون وسيلة له في صيانة لغته من التبذل والإسفاف.

- الاهتمام بتطوير دراسة اللغة العربية بأشكالها المختلفة وعلومها المتعددة وخاصة مع تطور أساليب التعليم والتدريس، فالجمود على الطرق القديمة وعدم إدخال التطوير في مجالات التعليم يؤدي إلى ضعف التحصيل الدراسي وعدم بلوغ الغايات المطلوبة من التعليم.

- التأكيد على دور اللغة الفصيحة، وتجنب استعمال العامية في لغة العلم والإعلام والصحافة والثقافة المختلفة؛ ذلك لأن العامية مما تختلف فيه الألسن من منطقة إلى أخرى فضلا عن القطر الواحد، والتشجيع على العامية يؤدي إلى التعصب لتلك اللهجات العامية على حساب لغة القرآن، ومن المعلوم أن اللغة الواحدة المنضبطة سبيل للوحدة وجمع الكلمة بخلاف اللهجات المختلفة التي تفرق أكثر مما تجمع.

- الاهتمام بالكلمات الشائعة الدخيلة على اللغة العربية ببيان عوارها وخطأها ومدى ابتعادها عن قواعد اللغة العربية وتحذير الناس من مغبة استخدامها مما يذهب جمال اللغة وهيبتها ومكانتها وانسجامها، وذلك بنشر البحوث والدراسات التي تصحح المسار وتصوب الخطأ.

- بيان القصور والخطأ في استعمال الكلمات الأجنبية الدخيلة على اللغة العربية في التخاطب والحديث والمجالس ونحوها وأن ذلك لا يعدو أن يكون من الشعور بمركب النقص الذي قد يعتري البعض منا حين يتصور أن من شارة التقدم والرقي أن يستخدم كلمات المستعمر البغيض في طوايا حديثه مع حرصه على إتقان ضبط قواعد اللغة الأجنبية حتى لا يوسم بالنقص والقصور ومع ذلك لا يراعي ذلك في لغته الأم التي هي أحرى أن تكون في قمة الاهتمام والعناية؛ هذا إن كانت لغته الأم لغة عادية، فكيف إن كانت هذه اللغة هي لغة القرآن الكريم التي هي خير اللغات بلا منازع، على أن ذلك لا ينفي أن يسعى الإنسان لتعلم اللغات الأخرى وإتقانها لأنّ من تعلم لغة قوم أمن شرهم.

ويدخل في هذه الوسائل تشجيع دراسة اللغة وبيان أثرها في فهم بقية المعارف والعلوم، ودورها في إثراء المجتمع بالبحث عن جماليات هذه اللغة وفنونها المختلفة مما يرقق الطباع ويضفي على المرء جمالًا وحسنًا فلسان الفتى نصف، ونصف فؤاده فلم يبق إلا صورة اللحم والدم.

 

الشريان الوريدي للغات -

أحمد بن علي الحداد -

«نرى في القرون الأخيرة تطور الأمم الأخرى لم يأت إلا بعدما أخذوا كافة العلوم سواء النظرية أو التطبيقية بلغاتهم التي هي محصورة المعاني والمباني؛ ولكن نجحوا! فسهلوا على أبنائهم وكذلك حافظوا على هويتهم مما أدى إلى نهوضهم وتطورهم على عكس بعض العرب ممن تعلم اللغات الأخرى فاستخدمها وسيلة للتباهي لا يتحدث إلا بها أو يخلط بينها وبين العربية أو لكسب الرزق مُجبر على ذلك بل وصل الحال بالبعض إلى أن يخجل عندما يتحدث باللغة العربية.

فالاستسلام الذي تعيشه اللغة العربية للغات الأخرى في الواقع الحالي لهو وصمة عار على جبين العرب الذين تركوا هويتهم، ولم يحرصوا على تطويرها والنهوض بها، فضلًا على مواجهة اللغة العربية التحديات في الواقع المعاش والتي تكمن في تأثرها باللهجات الدخيلة، وأن البحوث العلمية والتكنولوجيا الحديثة لا تُكتب باللغة العربية ولا تعتمد عليها في النشر أو الإنشاء؛ وهذا ما يعزز القول أن أنظمة التعليم هي الشريان الوريدي للغات التي بها تنهض اللغات وتساهم في تطور الشعوب إذا قامت هذه الأنظمة بترجمة العلوم باللغة العربية ولا غرابة عندما تتحقق هذه الأمنية فستعود اللغة العربية، كما كانت ويعود العرب معها كذلك».

اللغة هي الهوية التي من خلالها تبرز الأمم ثقافتها وحضاراتها، فكلما كانت اللغة لها جذور تاريخية كبيرة، وتحمل في ذاتها معاني جليلة، وتنهض بالشعوب والمجتمعات؛ فتكون هي اللغة الأنفع والأصلح في الانتشار بين الأمم الأخرى فتأخذ الأمم الأخرى بتعليم أبنائها هذه اللغة لأهميتها ونفعها، ولا يخفى على أحد كيف كانت اللغة العربية وكيف صارت في الواقع الحالي المعاش، فلقد ساهمت اللغة العربية في النهوض بالكثير من الأمم الأخرى بعدما تكرم المولى جل في علاه على العرب بأن جعل لغتهم هي لغة القرآن، فأعزهم الله بهذه اللغة وأبدع العرب المسلمون في صنوف العلوم كلها، وكذلك غير العرب من المسلمين من أتقنوها فخرجت العلوم التطبيقية والنظرية وغيرها باللغة العربية فضلا على أنها هي لغة الإسلام، فقوية اللغة العربية وذاع صيتها وانتشرت بين الأمم، وأما على صعيد الواقع الحالي للغة العربية فقد رثاها الشاعر حافظ إبراهيم بقصيدة تُكتب بماء العيون ونستشهد ببيت من هذه القصيدة لوصف كثير من واقع العرب بقوله:

أيهجرني قومي عفا الله عنهم

إلى لغة لم تتصل برواة؟

فالحضارة العربية لم تمتد للعالم إلا بأن الله عز وجل رفع مكانة العرب وأعزهم بتمسكهم بدينه جلّ في علاه، حيث جعل لغتهم العربية لغة القرآن الكريم؛ ولهذا قال عمر بن الخطاب رضي الله عنه: «نحن قوم أعزنا الله بالإسلام، فإن ابتغينا العزة بغيره أذلنا الله»؛ فانتشرت اللغة العربية في أرجاء المعمورة ونهضت بالشعوب وحرصت الأمم على تعليم أبنائهم لغة القرآن -اللغة العربية- فالإسلام جاء باللغة العربية التي شرّف الله بها العرب وأنعم عليهم هذه النعمة العظيمة؛ فكيف للعرب أن يتولوا عن هذه النِعم الجميلة والمنح الجليلة؟ فلم يرعوا اللغة العربية حق الرعاية فانعكس ذلك على واقع العرب مثلما هو مشاهد ومعاش، وذهبت الأمجاد والسيادة مع أهلها، فصاروا يعيشون على حكاياتها راجين بأن يعود المجد لسابق عهده.

ومما يؤسفنا أن نرى هجران اللغة العربية في واقعنا العربي بشكل كبير وملموس على مختلف الأصعدة، فالسبب من وجهة نظري واحد هو: أنظمة التعليم التي لم تستطع أن تُعرِّب العلوم التطبيقية والنظرية التي تطورت بلغات أخرى بعدما توقفت اللغة العربية عن إخراج مثل هذه العلوم -بفعل فاعل-، فأصبح العربي لا يمكن أن يتعلم علمًا من العلوم التطبيقية أو النظرية إلا بإتقانه لغة أخرى التي تشكل عقبة لديه، وصارت دور العلم والتعليم في الوطن العربي كالجامعات والمدارس والحضانات تتنافس في اعتماد اللغات الأخرى غير العربية بل أصبح من رقي الجامعة والمدرسة بأن لا تعتمد اللغة العربية في مناهجها وتدريسها، فهذه الصروح هي التي تبني الأجيال ومنها تتخرج سواعد الأوطان؛ فلهذا لا غرابة بأن اللغة العربية لم تساهم في نهوض الأمة العربية في الواقع الحالي لأن فاقد الشيء لا يعطيه، فمن فقد هويته -اللغة- فلن يعطي وطنه، وعلى العكس تمامًا نرى في القرون الأخيرة تطور الأمم الأخرى لم يأت إلا بعدما أخذوا كافة العلوم سواء النظرية أو التطبيقية بلغاتهم التي هي محصورة المعاني والمباني؛ ولكن نجحوا! فسهلوا على أبنائهم وكذلك حافظوا على هويتهم -اللغة- مما أدى إلى نهوضهم وتطورهم على عكس بعض العرب ممن تعلم اللغات الأخرى فاستخدمها وسيلة للتباهي بين الأقران لا يتحدث إلا بها أو يخلط بينها وبين العربية أو لكسب الرزق مُجبر على ذلك بل وصل الحال بالبعض إلى أن يخجل عندما يتحدث باللغة العربية.

فالاستسلام الذي تعيشه اللغة العربية للغات الأخرى في الواقع الحالي لهو وصمة عار على جبين العرب الذين تركوا هويتهم، ولم يحرصوا على تطويرها والنهوض بها، فضلا على مواجهة اللغة العربية التحديات في الواقع المعاش والتي تكمن في تأثرها باللهجات الدخيلة وأن البحوث العلمية والتكنولوجيا الحديثة لا تُكتب باللغة العربية ولا تعتمد عليها في النشر أو الإنشاء؛ وهذا ما يعزز القول إن أنظمة التعليم هي الشريان الوريدي للغات التي بها تنهض اللغات وتساهم في تطور الشعوب إذا قامت هذه الأنظمة بترجمة العلوم باللغة العربية ولا غرابة عندما تتحقق هذه الأمنية فستعود اللغة العربية كما كانت ويعود العرب معها كذلك.

ولا يُقصد مما كُتب آنفًا أنه لا يجب تعلم اللغات الأخرى، لا بالعكس؛ من تعلم لغة قوم أمن مكرهم، وكذلك بعث النبي -صلى الله عليه- نفرًا من الصحابة رضي الله عنهم لتعلم لغات أخرى ولكن القصد بأن لا يكون هذا التعلم والتعليم هو تهميش للغة العربية أو أن يفقد المرء هويته بأن لا يتحدث سوى اللغة المكتسبة أو أن تستبدل اللغات الأخرى مكان العربية وأن دور التعليم لا تعتمد إلا على اللغات الأخرى، فاللغة العربية تميزت عن باقي اللغات في كثير من المجالات كالجمال الإبداعي في الشكل، وكذلك يوجد باللغة العربية ما لا يوجد باللغات الأخرى مثل: النحو والصرف والبلاغة وغيرها من الأمور التي تُؤهل اللغة العربية بأن تكون هي اللغة السائدة والرائجة مثلما كانت، فكيف بلغة كلماتها حوت القرآن الكريم بأسراره وسنة المصطفى -صلى الله عليه وسلم- وأخباره ومعجمها اللفظي يصل إلى المليون أليست بقادرة على احتواء نظريات علمية أو كتابات بحثية أو تطبيقات ذكية أو غيرها من الأمور التي صرنا بحاجة إليها وضيعنا اللغة العربية ونحن نطلبها، وبعد هذا التوصيف من وجهة نظر الكاتب حول اللغة العربية بين الماضي والحاضر يمكن أن نقترح بعض الحلول لعلها تساهم في حل الواقع المعاش للغة العربية وأن يعود مجد اللغة العربية لعهده السابق، أولا: لابد أن تكون لدى الأنظمة التعليمية الرؤى الواضحة التي لن تأتى إلا بإقامة مؤتمرات وندوات تضم المختصين ودراسات علمية. ثانيًا: أن تُستخدم كل الوسائل لمخاطبة الناس لتعريفهم بأهمية اللغة العربية وتاريخها وتمهيدهم إلى الرؤى التي تتبناها الأنظمة التعليمية حيال اللغة العربية. ومما يدعو للتفاؤل هو أن الله سبحانه وتعالى تكفل بحفظ اللغة العربية بأن جعلها لغة القرآن الكريم، فالتاريخ المعاصر أو القديم شاهد على ذلك كيف أرادت بعض الامبراطوريات عندما استعمرت بعض الدول العربية بأن تبث فيها لغتها ومحو اللغة العربية من أذهانها واستمر ذلك لسنوات إلا أن لرادة الله جلّ في علاه فوق كل شيء فعادت هذه الدول لهويتها ولغتها، وإكرام الله للعرب بأن جعل لغتهم هي لغة القرآن الكريم، لهي مفخرة ونعمة عظيمة، وهذه نعمة جليلة يجب على العرب أن يشكروا الله عليها، والشكر يكون بالعمل الجاد حيال النهوض باللغة العربية، وحمل هم نشر هذه اللغة من خلال ابتداع وسائل تجعل هذه اللغة هي الرائجة، وتعريب الوسائل والعلوم النافعة باللغة العربية حتى يُبدع العرب في تطوير العلوم بلغتهم وأن لا يحتاج أبناؤها إلى اللجوء للغات الأخرى إلا للضرورة القصوى لكي نكون ممن تفتخر بهم اللغة العربية بأن خدموها وذللوا لأبنائها الصعاب، وتذكرنا اللغة العربية بعد رحيلنا ونكون مثلما قال الشاعر حافظ إبراهيم:

سقى الله في بطن الجزيرة أعظما يعز عليها أن تلين قناتي