Ahmed
Ahmed
أعمدة

نوافذ: سوء فهم..

17 ديسمبر 2019
17 ديسمبر 2019

أحمد بن سالم الفلاحي -

[email protected] -

أتصور أن معظم خلافاتنا مع الآخر، هو نتيجة لسوء فهم حاصل بين الطرفين، وفي المقابل؛ فإن كل طرف ينتصر لرأيه، ويرى فيه الصواب كله، والقليل القليل من يراجع نفسه ليعدل من تصلب مواقفه، ويعتبر أن ما حصل هو سوء فهم للآخر، والأنكى من هذا كله، أن سوء الفهم هذا يذهب بعيدا حيث تتعقد الحلول، وقد تنعدم، ويَؤول كل ذلك في آخر الأمر إلى قطيعة مطلقة، يخسر فيها كلا الطرفين، ولن يكون هناك طرف رابح أكثر من الآخر، بينما لو تمت مراجعته من كلا الطرفين لحلت مشاكل كثيرة، ولهنأ الجميع بحياة أكثر تفاؤلا.

يقال: «متى عرف السبب؛ بطل العجب» وبين معرفة السبب، وبطلان العجب يكمن سوء الفهم الذي نتحدث عنه، ولذلك كثيرا ما تنهار علامات الاستفهام، والتعجب من مجرد إتاحة الفرصة لتبيان الحقيقة، واتضاح الصورة، وتجليتها، ومن هنا تأتي ضرورة تكوين فرق عمل لمختلف النقاط المتنازع عليها بين أي طرفين تجمعهما مصلحة ما، واختلفا نتيجة وجود سوء فهم بينهما، ولم يستطع أحدهما أن يتنازل عن كبريائه، ويذهب إلى الآخر مستوضحًا منه موقفه المتغير، لوقوع الطرفين في مأزق «أخذته العزة بالإثم» ولذلك جاء النداء (فابعثوا حكمًا من أهله، وحكمًا من أهلها، إن يريدا إصلاحًا يوفق الله بينهما).

وربما؛ تأتي أعقد المسائل المختلف عليها بين الطرفين، هي المسائل الاجتماعية، لوجود مجموعة من التقاطعات بين أفراد المجتمع، وهي تقاطعات قد تعزز اللحمة الاجتماعية؛ في جانب؛ وقد تعقد الحلول، في حالة وقوع مشاكل من سوء الفهم؛ في جانب آخر؛ ومن ينظر إلى العقلاء في المجتمع إلى دورهم في ردع الصدع من التشتت والتناحر؛ لأن ذلك يفتك باللحم الاجتماعية الموكول إليها بناء المجتمع أفرادًا، وجماعات؛ فذلك محسوب كله على أبناء المجتمع؛ المكونون للوطن؛ ككل، في تقارب أبنائه وتباعدهم.

يقال أيضًا: «رحم الله امرأ نفعه ظنه» ولكن قد يكون هذا الظن؛ غير المتيقن منه، هو سوء فهم بالدرجة الأولى؛ لأنه يبقى مجرد تخمين، ومساحة واسعة من (ضرب أخماس في أسداس) كما هو المثل، وإذا كانت الصدفة لعبت دورًا في موقف ما فنفع هذا الظن صاحبه، فلربما في موقف آخر لن ينفع هذا الظن، وقد يقع في مصيدة: (يا أيها الذين آمنوا اجتنبوا كثيرًا من الظن إن بعض الظن أثم) والتبعيض هنا يذهب مباشرة إلى مفهوم «سوء الفهم» الذي نتحدث عنه هنا.

فوق ذلك أنه ليس كل فرد مهيأ لأن يقف متيقنًا من سوء فهمه، فهذه المسألة شديدة التعقيد، وتحتاج إلى خبرة في الحياة، وإلى عمر منجز من التجارب، والمواقف، والمصادفات، والمصادمات أيضا، فالمنجز الإنساني -أيا كان نوعه؛ سلبًا أو إيجابًا- له شروطه القاسية من هذه التجارب والخبرات، والمواقف، والمرتهن هنا أكثر هو العمر المنجز عند كل فرد، وهذا ليس بالأمر الهين إطلاقًا، إلا أن ما يعاب على رصيد العمر هو تصلب المواقف، فكبار السن، وحسب دراسات سيكولوجية عديدة تشير إلى أن كبار السن ليس يسيرًا مهادنتهم، وتعاطفهم، وتراجعهم عن مواقفهم المتصلبة، حتى ولو كانوا يعون أنهم في خندق سوء الفهم، بينما الأعمار الصغيرة، كثيرًا ما تتراجع عن مواقفها، وقد تعتذر عما وقع من مغالطات نتيجة لسوء فهم حصل بين طرفين اختلفا وتفرقا.

«سوء فهم» .. هو حالة إنسانية بامتياز، فلست متيقنًا أن الكائنات الأخرى تعاني من سوء فهم في تعاطيها مع أقرانها من الكائنات، حيث تلعب الغريزة الفطرية لديها أكثر في مشروعاتها الحياتية اليومية، التي إن أشبعت غريزتها نامت هانئة البال مطمئنة، لا ترى -حتى في عدوها- خطرًا قادمًا.