1392312
1392312
إشراقات

خطبة الجمعة : الإسلام فتح ميدان التنافس في الصالحات والمسارعة في الخيرات أمام الرجال والنساء

12 ديسمبر 2019
12 ديسمبر 2019

رسّخ قيــم المساواة في التكريم بين المرأة والرجل -

تذكّر خطبة الجمعة لهذا اليوم المسلمين بما جاء به هذا الدين الحكيم من المقاصد السامية في حفظ النفس وحفظ المال وما يدعو إليه الإسلام الحنيف من تكريم هذا الإنسان خير تكريم إذ جعله الله سبحانه وتعالى من افضل خلقه، مبينة: أن مقام التكريم الذي امتن الله به على الإنسان ما خص به أحد عن أحد، بل هو شامل لكل إنسان، فالحق سبحانه وتعالى يقول: (وَلَقَدْ كَرَّمْنَا بَنِي آَدَمَ وَحَمَلْنَاهُمْ فِي الْبَرِّ وَالْبَحْرِ وَرَزَقْنَاهُمْ مِنَ الطَّيِّبَاتِ وَفَضَّلْنَاهُمْ عَلَى كَثِيرٍ مِمَّنْ خَلَقْنَا تَفْضِيلًا). بل إن الله جلّ جلاله لم يجعل لأحد سبيلا ليتكبر على غيره، وكيف لإنسان يتكبر على أخيه الإنسان وأصل الخلق واحد، والأرض التي يعيشون عليها واحدة، والسماء التي يسـتظلون بها واحدة، والحال التي يعيشون فيها واحدة، والمآل واحد؛ ولذلك كان النداء الرباني الكبير للناس من آدم -عليه السلام - إلى آخر إنسان في هذا الوجود (يَا أَيُّهَا النَّاسُ إِنَّا خَلَقْنَاكُمْ مِنْ ذَكَرٍ وَأُنْثَى وَجَعَلْنَاكُمْ شُعُوبًا وَقَبَائِلَ لِتَعَارَفُوا إِنَّ أَكْرَمَكُمْ عِنْدَ اللَّهِ أَتْقَاكُمْ إِنَّ اللَّهَ عَلِيمٌ خَبِيرٌ). والله سبحانه وتعالى يريد لعباده التآلف؛ فما كان التعارف إلا ليكون التآلف، والمقام الذي يرتفع به الإنسان عند الله هو التقوى، وذلك سر بين الخالق والمخلوق (فَلَا تُزَكُّوا أَنْفُسَكُمْ هُوَ أَعْلَمُ بِمَنِ اتَّقَى). والسبيل إلى بلوغ ذلك المقام العمل الخالص، وإن من جوامع الكلم ما أثر عن النبي صلى الله عليه وسلم: «ومن أبطأ به عمله لم يسرع به نسبه». موضحة: أن الله جل جلاله أقسم أن الإنسان ذو مقام عظيم، ومنزل كريم، ألم يقل ربنا تبارك وتعالى (لَقَدْ خَلَقْنَا الْإِنْسَانَ فِي أَحْسَنِ تَقْوِيمٍ). فأي تكريم بعد هذا التكريم؟ وأي مقام بعد هذا المقام العظيم؟ وذلك الخلق في أحسن تقويم هو العقل، وما أدراك ما العقل! العقل الذي علت به درجة الإنسان عن غيره من المخلوقات؛ فكانت به منزلته عند الله فوق منزلة الكائنات، وبذلك العقل استحق أن تكون المخلوقات مسخرة له، والخيرات مسوقة إليه، ومن تدبر القرآن علم ذلك علم اليقين؛ فوجد في الذكر الحكيم (وسخر لكم) (وأنزل لكم) (شرع لكم) (وآتيـناكم)، فالكون أيها الإنسان مسخر لك، ومخـلوق من أجـلك، وأعطاك الله عقلا يمكنك من التفاعل مع تلك المخـلوقات، ويعينك على الانتفاع بتلك المسخرات (صُنْعَ اللَّهِ الَّذِي أَتْقَنَ كُلَّ شَيْءٍ إِنَّهُ خَبِيرٌ بِمَا تَفْعَلُونَ).

تأتي خطبة اليوم تحت عنوان: «الإنسان في ميزان الإسلام» مبينة: أن الإسلام جاء ليحافظ على الإنسان؛ فكان من مقاصد هذه الشريعة الغراء حفظ النفس، بل إن إحياء نفس في ميزان الإسلام إحياء للناس جميعا، وإن قتل نفس هو قتل للناس جميعا؛ فكان مما كتبه الله على بني الإنسان في كل زمان ومكان (مِنْ أَجْلِ ذَلِكَ كَتَبْنَا عَلَى بَنِي إِسْرَائِيلَ أَنَّهُ مَنْ قَتَلَ نَفْسًا بِغَيْرِ نَفْسٍ أَوْ فَسَادٍ فِي الْأَرْضِ فَكَأَنَّمَا قَتَلَ النَّاسَ جَمِيعًا وَمَنْ أَحْيَاهَا فَكَأَنَّمَا أَحْيَا النَّاسَ جَمِيعًا وَلَقَدْ جَاءَتْهُمْ رُسُلُنَا بِالْبَيِّنَاتِ ثُمَّ إِنَّ كَثِيرًا مِنْهُمْ بَعْدَ ذَلِكَ فِي الْأَرْضِ لَمُسْرِفُونَ). بل إن القرآن الكريم يرشد البشرية إلى أن قاتل أخيه كمن قتل نفسه، وتلك سابقة للقرآن، وحفظ ليس من بعده حفظ لنفس الإنسان، فهل تجد قولا كقول الله تعالى في هذا الشأن (وَلَا تَقْتُلُوا أَنْفُسَكُمْ إِنَّ اللَّهَ كَانَ بِكُمْ رَحِيمًا).

وتؤكد خطبة اليوم أن من مقاصد الشريعة حفظ النفس كما كان من مقاصدها حفظ المال؛ فليس لأحد يد على مال أخيه إلا عن طيب نفس منه؛ ولذلك كان أكـل المال بالباطل من المحرمات، والاعتداء عليها بأي صورة من الصور من المنهيات، وما أعـظم خطاب الله للعباد (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا لَا تَأْكُلُوا أَمْوَالَكُمْ بَيْنَكُمْ بِالْبَاطِلِ إِلَّا أَنْ تَكُونَ تِجَارَةً عَنْ تَرَاضٍ مِنْكُمْ وَلَا تَقْتُلُوا أَنْفُسَكُمْ إِنَّ اللَّهَ كَانَ بِكُمْ رَحِيمًا). ومن عظيم حقوق الإنسان في الإسلام حفظ عرضه؛ فعرضه مصون، وحقه فيه مضمون، وأباح له الإسلام اختيار شريك حياته، والذكر والأنـثى في ذلك سواء (أَلَيْسَ اللَّهُ بِأَحْكَمِ الْحَاكِمِينَ). ومن هنا جاءت تشريعات الإسلام منصبة في تحـقيق تلك المقاصد، وحفظ تلك الحقوق، وقد أكد النبي الكريم على هذه المعاني في المشهد العظيم الذي اجتمع فيه حوله ألوف من البشر؛ فكان من خطابه للإنسانية في ذلك المجمع: ((أيها الناس إن دماءكم وأموالكم عليكم حرام كحرمة يومكم هذا، في شهركم هذا، في عامكم هذا)).

مؤكدة : أن من أعظم القيم التي رسخها الإسلام قيمة المساواة في التكريم بين المرأة والرجل؛ فليس للرجل فضـل على المرأة، وليس للمرأة فضـل على الرجل إلا بالتقوى، وفتح الإسلام ميدان التنافس في الصالحات والمسارعة في الخيرات أمام الرجال والنساء على حد سواء؛ فكانوا سواسية في استحـقاق الفوز بالمغفرة والأجر العظيم؛ فذكر الصنـفين، ونوه بشأن الفريقين؛ فذكر المسـلمين والمسـلمات، والمؤمنين والمؤمنات، وتتوالى بعد ذلك الصفات مشكلة أبهى صورة للمساواة، ومظهرة أرقى جمال التكريم؛ فجاء الذكر الحكيم ليقول للناس: (إِنَّ الْمُسْلِمِينَ وَالْمُسْلِمَاتِ وَالْمُؤْمِنِينَ وَالْمُؤْمِنَاتِ وَالْقَانِتِينَ وَالْقَانِتَاتِ وَالصَّادِقِينَ وَالصَّادِقَاتِ وَالصَّابِرِينَ وَالصَّابِرَاتِ وَالْخَاشِعِينَ وَالْخَاشِعَاتِ وَالْمُتَصَدِّقِينَ وَالْمُتَصَدِّقَاتِ وَالصَّائِمِينَ وَالصَّائِمَاتِ وَالْحَافِظِينَ فُرُوجَهُمْ وَالْحَافِظَاتِ وَالذَّاكِرِينَ اللَّهَ كَثِيرًا وَالذَّاكِرَاتِ أَعَدَّ اللَّهُ لَهُمْ مَغْفِرَةً وَأَجْرًا عَظِيمًا).