أفكار وآراء

هل العلاقة العسكرية «حميمة» بين روسيا والصين ؟

07 ديسمبر 2019
07 ديسمبر 2019

دميتري ترينين- موسكو تايمز - ترجمة قاسم مكي

لم تخرج إلى العلن بعد تفاصيل الترتيب المهم تاريخيا والخاص بنظام الإنذار المبكر للصواريخ الذي ستحصل عليه الصين من روسيا. لكن يبدو أنه لن ينطوي على شراء للنظام بأكمله.

بناء على ما هو معلوم حتى الآن يمكن الاستنتاج بأن روسيا ستساعد الصين في بناء عناصر جديدة في هذا النظام وتطوير عناصر موجودة سلفا مثل الرادارات الأرضية والأقمار الصناعية الفضائية ومراكز تحليل البيانات.

يمكن الافتراض بأن الصين اتجهت إلى روسيا، فيما يتعلق باقتناء أنظمة الإنذار المبكر، لاعتقادها بأن قدراتها الحالية في هذا المجال غير كافية وأن تنافسها مع الولايات المتحدة سيطول أمَدُه وسيكون جذريا وَذَا بُعد عسكري استراتيجي.

أهمية تحديث بيجينج لنظامها الخاص بالإنذار المبكر تتمثل في أنه عند اكتماله لن تفاجأ الصين بأي هجوم صاروخي افتراضي يوجه ضدها. فبدلا من الانتظار حتى انفجار صواريخ العدو على أراضيها قبل إصدار الأمر بإطلاق صواريخها المضادة يمكن للصين اعتماد مبدأ الرد على الهجوم عند الإنذار. هذا يعني قدرة الصين على شن ضربة انتقامية بمجرد العلم بهجوم نووي قادم وأثناء وجود صواريخ العدو في الجو. من شأن هذا (الإجراء الدفاعي التحوطي) تعزيز قدرات الردع الصينية وتعقيد حسابات الخصم المحتمل.

ربما تنظر واشنطن إلى هذا التطور كمؤشر على تعاون عسكري أوثق بين بكين وموسكو. لكن حقيقة انضمام الصين إلى الولايات المتحدة وروسيا، وهما البلدان الوحيدان اللذان يملكان أنظمة إنذار مبكر شاملة، لا تشكل تهديدا لواشنطن. بل بالعكس. فالصين حين تزود نفسها بنظام موثوق به للإنذار المبكر سيلزم من ذلك تعزيز ثقتها بنفسها إزاء القوى النووية الأخرى. وبدورها، ستشعر هذه القوى الأخرى بالمزيد من الاطمئنان بفضل موثوقية نظام الإنذار الصيني. ومن حيث المبدأ يجب أن يكون هذا الاطمئنان المتبادل قوة تثبيت للاستقرار الإستراتيجي الدولي.

لا تزال التقنية العسكرية الروسية أرقى من نظيرتها الصينية. ورغم استمرار وجود هذه الفجوة التقنية بين البلدين (لكن ليس إلى الأبد) إلا أن تعاونهما يسمح لروسيا بتحقيق توازن جزئي في العلاقة الثنائية التي تميل باطراد لصالح الصين.

ما هو أكثر من ذلك، يمنح هذا النظام المطور للإنذار المبكر الصين ميزة ضئيلة فقط في علاقتها الإستراتيجية مع روسيا في حال تدهور علاقة الصداقة بينهما.

حقا يزداد التفاعل بين القوات المسلحة الروسية والصينية. لكن التكامل بينهما لم يحدث بعد. وتنكر كل من موسكو وبكين رسميا أنهما تخططان لتشكيل حلف عسكري. أكد هذا النفي مرة أخرى وزير الخارجية الروسي سيرجي لافروف مؤخرا.

لكن جيشي البلدين صارا أكثر إلفَة ودراية ببعضهما البعض. فهما ينفذان تدريبات مشتركة ويجعلان أنظمتهما التسليحية أكثر توافقا. كما يزامنان أنظمتهما في الاتصالات واللوازم والتعبئة (التكتيك) وأيضا بين مبادئهما العسكرية.

ظلت القوات الصينية والروسية تتدربان معا على مدى 10 أعوام. ورفعت هذه القوات تدريبهما المشترك من مستوى التمارين المضادة للإرهاب بحيث صارت تشارك في التمارين الإستراتيجية الكبرى للقوات الروسية (في فوستوك على الحدود السيبيرية بين البلدين عام 2018 وتسينتر عام 2019).

ونفذ الجيشان ألعاب حرب برية ومناورات بحرية في بحر الصين الشرقي وبحر الصين الجنوبي والبحر الأبيض المتوسط وبحر البلطيق إلى جانب دوريات جوية مشتركة فوق بحر اليابان.

خلال الأعوام الخمسة الماضية كان على واشنطن أن تولي اهتماما أكبر للتعاون العسكري بين بكين وموسكو بالنظر إلى حصول الصين على أنظمة عسكرية متقدمة من روسيا.

حقا، لا تزال الولايات المتحدة هي القوة المهيمنة عسكريا في غربي المحيط الهادي. لكن هامش هذه الهيمنة يتقلص. ولكي تستعيد ميزتها هذه تفكر واشنطن في نشر أنظمة في شرق آسيا كانت في السابق محظورة بموجب معاهدة الصواريخ النووية متوسطة المدى. إذا حدث هذا ستكون البيئة الأمنية في المنطقة أكثر تعقيدا. وسيزداد التوتر بقدر كبير بين الصين والولايات المتحدة أساسا ولكن أيضا بين موسكو وواشنطن.

الصين وروسيا لا تتفقان تماما في كل شيء. كما أنهما لا تنويان أن تفعلا ذلك. فمثلا لا تعترف الصين بالقرم كجزء من روسيا. وموسكو من ناحية رسمية تتخذ موقفا محايدا إزاء مطالب بكين في بحر الصين الجنوبي.

غير أن تعاونهما واضح للعيان ليس فقط في المجالات التي تشهد تطابقا في مصالحهما لكن، وهذا أمر بالغ الأهمية، حتى في المجالات التي لا تتماثل فيها هذه المصالح.

في المستقبل المنظور وفي أثناء وجود بوتين في السلطة والرئيس الصيني شي جينبينج في الحكم من المستبعد أن تسوء العلاقة بين البلدين. لكن في الأجل الطويل تحتاج روسيا إلى موازنة علاقتها بجارتها العملاقة التي يتسارع نمو اقتصادها وذلك من أجل حماية سيادتها هي نفسها وتجنب تحولها إلى مجرد تابع.

■ الكاتب مدير مركز كارنيجي في موسكو