1385414
1385414
عمان اليوم

«نـدوة العـلـوم الفقهيــة» تدعــو إلى تفعيــل دور الوقــف فـي إنشــاء مركــز لأبحــاث الـمـاء ودعــم التقنيـات الحـديثـة

02 ديسمبر 2019
02 ديسمبر 2019

تغطية :سيف الفضيلي وسالم الحسيني ونوح المعمري -

أشاد العلماء والخبراء والباحثون في ندوة تطور العلوم الفقهية بمكانة السلطنة الرائدة في طرح مواضيع فقه الماء والقضايا المتعلقة به في الفقه الإسلامي وقراءات في الفقه المعاصر والصراعات المعاصرة، وتناول أحكام البحر في الفقه وما قدمته جلسات الندوة خلال يومين من مواضيع متنوعة حول فقه الماء موضحين أهمية الماء وآداب استعماله والتصرف فيه،وترشيد استعماله.

كما أن مع تطور الاقتصاد في الوقت الحاضر تغيرت طرق الإنتاج الزراعي والإنتاج الصناعي المعتمد على المياه بشكل كبير مما استدعى إيجاد نظام جديد يحقق مبدأ العدالة في الانتفاع بالمياه، كي لا يكون حكرا على بعض الناس دون بعض، كما قالوا بأن الترشيد في الاستهلاك يحقق العدالة دون إسراف واستنزاف، على أن يكون المنطلق في إيجاد النظام المعاصرة هو التأصيل الشرعي المستمد من النصوص الشرعية.

وقال الأستاذ رشيد جاري متصرف عام بجامعة الزيتونة بالجمهورية التونسية : بأن الندوة «فقه الماء في الشريعة الإسلامية» وتجلياته الحضارية والاجتماعية، تعد ذات موضوع شيق ومهم وأصبح خلال السنوات الأخيرة مبعث قلق لكثير من الدول بسبب الصراعات الدائرة بسببه وقد صيغت فيه الكثير من الاتفاقيات الدولية، فالماء هو أساس الدورة الاقتصادية وبدونه لا حياة، وفي هذا الجمع المبارك الذي جمع العديد من الخبرات والقيادات الدينية من مختلف البلدان وشرعوا في عرض أوراق عمل حول هذا الموضوع، لا شك أن ذلك من شأنه أن يعزز مكانة السلطنة الدولية وتبنيها لقيم التسامح والحوار، وأملي أن تحقق هذه الندوة أهدافها المرجوة بإذن الله.

مناقشـــة أحـكام تسـعير المياه فـي الفقه الإســـــلامي وقــراءات فـــي الفقــه المعـــاصر -

أكدت أوراق العمل التي قدمت أمس بندوة تطور العلوم الفقهية (فقه الماء: أحكامه الشرعية وآفاقه الحضارية وقضاياه المعاصرة) على أن الماء هو الحياة والحاجة إليه في تصاعد مستمر والتفكير في المستقبل يستدعي أن تتضافر الجهود فيما بين العلماء وبين الدول الإسلامية للعمل معا بروح الأمانة والمسؤولية التي تقع على عاتقها لتوفير الماء والمحافظة على ديمومته ونقائه من التلوث، والترفع في سبيل ذلك عن أية اعتبارات جغرافية أو سياسية أو اقتصادية فحياة الإنسان هي الأسمى والماء هو الحياة.

مشيرة إلى أن الأحكام المتعلقة بالمياه في الفقه الإسلامي تمثل ثروة فقهية كبيرة ولكنها متناثرة في كتب الفقه المختلفة ويحتاج الأمر إلى جمعها ومحاولة استنباط حلول للأزمة المائية منها، وصياغتها في معاهدة دولية بين الدول الإسلامية تحت عنوان «معاهدة الدول الإسلامية بشأن المياه».

وشددت على أنه يجب على فقهاء القانون الدولي في الدول الإسلامية حمل أحكام هذه المعاهدة إلى المجتمع الدولي للتبصير بها، لتصبح معاهدة دولية، خاصة وأن الأحكام المتعلقة بالماء في الفقه الإسلامي، هي أحكام أقرها المجتمع الدولي من خلال قواعد القانون الدولي.

ودعت إلى التوسع في مفهوم حقوق الماء عن المفهوم التقليدي الذي كان موجودا في العصور السابقة، بحيث يدخل في كل حق من هذه الحقوق صور وأشكال وأنماط جديدة، مع وجوب ترتيب الأولويات لهذه الصور والأشكال والأنماط، فيقدم منها ما هو ضروري على ما هو حاجي أو تحسيني، ويقدم ما هو حاجي على ما هو تحسيني، فصور وأشكال وأنماط حقوق الماء منها ما هو ضروري ومنها ما هو حاجي ومنها ما تحسيني.

وأشارت إلى أن حقوق الماء معظم صورها وأشكالها وأنماطها، تشكل حقوقا ضرورية وليست حاجة أو تحسينية، وبالتالي لا يجوز لفرد أو دولة أن تقيم موانع أو سدودا تشكل ضررا بسكان دولة أخرى بشأن هذه الصور، وإلا يحق لهذه الدولة أن تدفع هذا الضرر بكل السبل. ودعت إلى تفعيل دور الوقف في إنشاء مركز لأبحاث الماء، وإنشاء صناديق وقفية تسهم في مشاريع كبرى لتحلية مياه البحر ومعالجة مياه الصرف الصحي والزراعي والصناعي، وإلى إسهام الوقف في دعم التقنيات الحديثة والابتكارات التي تساهم في إنتاج المياه العذبة.

وأوضحت أن مرونة الشريعة الإسلامية وسعتها وشموليتها قادرة على إسعاد البشرية، وعلى حل كل مشاكل ما ينغص حياتهم الدنيوية والأخروية، وفي الوقت الذي نجد في مصادرها التشريعية نصوصا معينة في كيفية التعامل مع بعض قضايا المياه، فإنا نجد فيها أيضاً نصوصا عامة، يمكننا من خلالها معالجة قضايا المياه التي تتأثر بتأثر ظروف الزمان والمكان.

ودعت إلى القيام بدراسات وأطروحات جامعية عن محاكم المياه، وقد قدمت لنا التجربة التاريخية محكمة متخصصة للمياه، أنشئت في مدينة بلنسية، إضافة إلى ما نعرفه عن محكمة المياه التي أنشأها «عبد الرحمن الناصر» في أوائل القرن الهجري الرابع، وقد قدم «سيمون حايك» بحثًا ماتعًا عن محكمة المياه في بلنسية.

يذكر أن الندوة ستختتم أعمالها مساء اليوم بتوصيات مهمة متعلقة بالأحكام الشرعية والآفاق الحضارية والقضايا المعاصرة.

الندوة تعزز مكانة السلطنة دوليا لتبنيها قيم القضايا الإنسانية -

أشاد المشاركون في الندوة بأهمية الطرح الذي تناولته والقضايا التي ناقشتها حيث قال أ.د. محمد الحسن البغا عميد كلية الشريعة سابقا وعضو اللجنة الشرعية للمصارف والتأمين الإسلامي بسوريا: يعد هذا الموضوع الذي تناقشه هذه الندوة المباركة وهو موضوع فقه الماء من اهم القضايا الحساسة المعاصرة إذ يقوم كل كائن على هذا العنصر وهو عنصر الماء كما قال سبحانه وتعالى: (وجعلنا من الماء كل شيء حي) ولذلك كان هذا الموضوع في حقيقة الأمر موفقا إلى حد كبير لأنه عصر الحياة بل يدخل اليوم في الصناعات والتجارة وهو ما ينعكس سلبا أو إيجابا في معالجة الأزمات المختلفة في العالم كله من حيث التعاون الإنساني وخاصة في كبح جماح الأزمات الغذائية من حيث وجود المجاعات حيانا في بعض أصقاع الأرض، ويمكننا من خلال الطرح في هذه الندوة أن نعالج أسباب هذه الأزمات قبل وقوعها، وان ننبه الساسة إلى أهمية هذه الأسباب وأهمية معالجتها قبل الوقوع وأيضا كيفية معالجة هذه الأزمات عندما تقع، فإذن هذا الموضوع هو موضوع إنساني بالدرجة الأولى وهو من صميم التشريع الإسلامي إذ يدخل الماء في العبادة وفي المعاملات وفي التجارة وهو أمر قديم جديد عالجه التشريع الإسلامي معالجة فعالة حقيقية واقعية وقرر أن الناس شركاء في ثلاث: الماء والكلأ والنار، ونهى صلى الله عليه وسلم عن بيع فضل الماء فإذن هو من أصول التشريع الإسلامي والعقيدة الإسلامية انه لابد من أن تكون الإنسانية متعاونة في الماء والغذاء ولا يمكن ان نرتضي وجود مجاعة في الدنيا كلها.

تحقيق الكثير من الأهداف

الشيخ أبو بكر بن أحمد الأمين العام المفتي العام للديار الهندية ورئيس جامعة مركز الثقافة السنية الإسلامية يقول: عقد مثل هذه الندوات هو في غاية الأهمية ولا شك أنها تحقق الكثير من الأهداف المرجوة منها، وفي رأيي إن مثل هذه الندوات لابد ان تعقد في عواصم الدول العربية والإسلامية كي يستفيد منها أبناء العالم وخصوصا في موضوع الماء وهو الأمر الذي لا ينتبه إليه الناس كثيرا، فالحق سبحانه وتعالى امتن على هذه الأمة من خلال حصول الماء من عدة مصادر من باطن الأرض ومن البحر ومن السهول والجبال بطريقة سهلة للغاية من غير تعب ولا مشقة، فهو أغلى سلعة من الذهب وهذا من نعمة الله سبحانه وتعالى، فلو كان الماء مثل الذهب ذا قيمة عظيمة لكان الناس في مشقة شديدة، ولذلك ينبغي علينا المحافظة على المياه وأن ننبه على فوائد المياه والحفاظ عليه وعدم الإسراف فيها. وأنا أظن ان مثل هذه الندوة وأمثالها لابد من إقامتها في كل البلدان ووجب علينا أن نقدم خالص شكرنا وتقديرنا للسلطنة على الاستضافة وعلى إقامة هذه الندوة التي تناقش هذا المحور الهام وأيضا من اجل تذكير الأجيال المستقبلية على أهمية هذا العنصر والمحافظة عليه وعدم الإسراف فيه، فعلى جميع المسلمين حكاما ومحكومين أن يجتهدوا حسب الاستطاعة للاتحاد والوحدة بين المسلمين ثم التعايش السلمي بين جميع الأديان.

روح الاجتهاد

د. إبراهيم بن راشد بن سيف الغماري مساعد عميد كلية العلوم الشرعية للشؤون الأكاديمية يقول: هذه الندوة من الندوات المهمة التي تقام على أرض السلطنة، وذلك بتنظيم جيد من وزارة الأوقاف والشؤون الدينية فهي بلا شك تجدد روح الاجتهاد والألفة والتعاون بين المسلمين فيما يخدم الصالح العام بينهم، ومن الأشياء المفرحة في مثل هذه الندوات ان تلتقي بعض الوجوه التي قد تفرقت منذ سنوات طويلة فهناك من العلماء ومن الباحثين من يأتي بعد انقطاع طويل عن السلطنة حيث تجمع هذه الندوات أساتذة وأكاديميين وباحثين من أصقاع شتى من العالم للحديث عن القضايا المشتركة، وموضوع الماء الذي تناقشه الندوة هذا العام هو موضوع شائك جدا ويشتمل على بحوث متنوعة لا تقتصر فقد على الجانب الشرعي بل أيضا تتعلق بالجانب الاجتماعي والجانب الاقتصادي فهي تتجاوز موضوع القضايا الشريعة البسيطة التي تتعلق بالماء فيما يتعلق بالطهارات او الوضوء او الغسل او غيرها من الأحكام وإنما تحاول أن تعالج القضايا المعاصرة التي تحدث في كل وقت وفي كل حين، وحقيقة تأتي هذه الندوة للتعريف بجهود العمانيين حول موضوع المياه من ناحية محاولتهم استجلاب هذه المياه مع شحتها وهذا فرض نفسه على الفقهاء في أن يوجدوا الأحكام الشرعية التي تعتني بالماء فيما يتعلق بالأفلاج وفيما يتعلق بالأنهار وفيما يتعلق بالبيع والشراء وغيرها من الأحكام التي أوسعها الفقهاء العمانيون بحثا، وهذا بلا شك ان الفقه لابد من ان يعالج المشكلات التي تنشأ في كل عصر وفي حين، ولا يمكن ان يترك الناس دون معرفة بأحكام الشريعة، ولاشك ان هذه الندوة سوف تقدم إضافة جيدة يستفيد منها المسلمون عامة بإذن الله تعالى.

وذهبت الدكتورة طيبة بنت عبدالله الكندية باحثة بجامعة السلطان قابوس إلى أن قضية المياه ليست وليدة اليوم والليلة بل هي منذ خلق الإنسان على هذه الأرض وقد عشنا طفولتنا وشبابنا ونحن نسمع مصطلحات تتعلق بالماء مثل: (الأثر، الردة، البادة) وغيرها وان لم نمكن نعرف معانيها العميقة حيث إن الماء وما يتعلق به هو جزء من أبجديات الحياة اليومية للناس وقد أصبحت قضية المياه عالمية الآن نتيجة ارتباطها بالنواحي السياسية والاقتصادية والاجتماعية، فكان لزاما ربط أحكام الماء وتشريعاته بالقضايا المعاصرة، مع توضيح تام للأحكام المتعلقة به في القرآن الكريم والسنة والعرف. وهذا ما هدفت إليه هذه الندوة المباركة.

الدكتور شهاب الدين محمد حبيب نوف من روسيا الاتحادية بجمهورية داغستان بجنوب روسيا ممثل سماحة المفتي في العالم العربي والإسلامي يقول: إن المؤتمر يناقش محورا مهما للغاية إلا وهو فقه الماء لما له من أهمية بالغة في حياة الإنسان، والذي قال سبحانه وتعالى: (وجعلنا من الماء كل شيء حي) فكل شيء يحيا بالماء وبدونه لا حياة لنا، وهذا التجمع المبارك الذي تقيمه السلطنة له أهميته البالغة في الالتقاء والتآلف والتقارب بين المسلمين وتبادل الآراء وتلاقح الأفكار وهذا ما يخدم الأمة الإسلامية بشكل كبير، الأمر الذي يؤدي إلى توحيد الكلمة وتوحيد الأمة على مائدة الالتقاء ومائدة الحوار، مشيرا إلى أن السلطنة دائما سباقة لمثل هذه المؤتمرات التي تخدم القضايا العربية خاصة والإسلامية عامة.

أحكام تسعير المياه

فايز محمد حسين محمد أستاذ ورئيس قسم فلسفة القانون بكلية الحقوق بجامعة الإسكندرية ووكيل كلية الحقوق بالجامعة يقول: عنوان الندوة لهذا العام هو حديث الساعة وله أهميته البالغة حيث إن المياه ترتبط بجميع جوانب الحياة فلا ينكر أحد إسهام الفكر الإسلامي في موضوع المياه، ومشاركتي في هذه الندوة تتعلق بأحكام تسعير المياه في الفقه الإسلامي حيث إن الناس شركاء في ثلاث ومن ذلك المياه، مبينا أن الأصل هو النهي عن التسعير ولكن لا يكون إلا في حالة الحاجة، والنقطة الأخرى أننا اصبحنا اليوم لا نتكلم فقط عن المياه ولكن نتكلم عن إدارة مصادر المياه، وهذا الأمر يجب ان نركز عليه كثيرا من اجل إظهار أحكام الشريعة الإسلامية وإسهامها في هذا الأمر وأيضا موضوع المياه وإدارة مصادرها وأسواقها تتعرض لمنع الاحتكار ومنع الغش والمنافسة غير المشروعة، مشيرا إلى انه فيما يتعلق بسوق المياه وإدارة مصادر المياه سوف يساعد كثيرا في إبراز دور الشريعة الإسلامية في إدارة الموارد الطبيعية، حيث إنها السلعة الوحيدة التي يشترك في استهلاكها الجميع دون استثناء، ومن هنا تأتي أهمية هذه الندوة التي تستقطب العديد من الباحثين وحضور قامات فقهية وعلمية وإدارية وتنظيمية على مستوى عال، فالشكر جزيل الشكر للسلطنة على هذه المبادرة الطيبة.

وتواصلت أعمال الندوة أمس بمناقشة ٢٠ ورقة بحثية في قضايا وفتاوى الماء في الفقه الإسلامي وفقه الماء في مكتبة التراث الإسلامي.