الملف السياسي

تحديات وسيناريوهات

25 نوفمبر 2019
25 نوفمبر 2019

أسماء الحسيني -

بالرغم من أن إعلان الرئيس محمود عباس في خطابه أمام الجمعية العامة للأمم المتحدة، بتاريخ 26/‏9/‏2019، أنه سيدعو إلى انتخابات عامة في الضفة الغربية، بما فيها القدس، وقطاع غزة لاقى ترحيبًا واسعًا من مختلف الأوساط الفلسطينية السياسية والشعبية، إلا أن ذلك الإعلان قد فتح الباب على مصراعيه منذ ذلك التاريخ لجدل سياسي وشعبي فلسطيني واسع غذته العديد من الأسئلة الموضوعية، التساؤل الأساسي هل ستجرى الانتخابات؟

وإذا كانت الإجابة بالإثبات، فما هي الأهداف التي ستحققها هذه الانتخابات؟

وهل ستجرى على أساس تكريس سلطة الحكم الذاتي؟

وهل ستكون انتخابات رئاسية وتشريعية ومجلسا وطنيا

أم رئاسية وتشريعية متزامنة أو غير متزامنة

أم تشريعية في الضفة الغربية فقط؟

وما هي الجدوى السياسية لهذه الانتخابات في ظل كابوس ما يسمى بخطة القرن الذي ما فتئ يطل بوجهه البشع على فلسطين المحتلة والمنطقة بأسرها؟

وماذا عن وحدة المؤسسات الفلسطينية المسؤولة عن التحضير للانتخابات؟

وماذا عن المخاطر التي تحدق بالقضية الفلسطينية؟

إن الانتخابات تحتاج إلى حد أدنى من الاتفاق على شكل النظام السياسيّ وماهيّته، وحدوده.. والاتفاق على الإستراتيجيّة الوطنيّة والسياسية التي تدور المعركة الانتخابيّة تحت سقفها، وينبغي الاتفاق على هويّة الدولة، وشكل الحكم فيها، والحريّات كحريّة الترشّح والانتخاب.

حماس تتحدث عن ضرورة أن يسبق إجراء الانتخابات حدوث توافق وطني بين الفصائل الفلسطينية، وعلى ضرورة إجراء انتخابات تشريعية ورئاسية متزامنة، وتتمسك بمبادرة أطلقتها فصائل فلسطينية ووافقت عليها حماس، الموقف الذي علق عليه الناطق باسم فتح وعضو مجلسها الثوري قائلا «حماس ليست معنية بالانتخابات؛ لأنها تعرف أن الانتخابات قد تكلفها الحكم أو ماء وجهها أو كلا الأمرين معًا»، واتهمت حركة فتح حركة حماس بالتهرب من إجراء الانتخابات الفلسطينية، مشيرة إلى أن حماس تتعامل مع الحكم في قطاع غزة باعتباره ملكًا لها وليس ولاية مؤقتة.

لكن رئيس الحكومة الفلسطينية، محمد أشتية قال خلال اللقاء الوطني المفتوح لمؤسسات وفعاليات محافظة طولكرم «إذا لم تكن هناك مصالحة فنحن ذاهبون للانتخابات، وإذا كان منظورنا للمصالحة ليس مقبولًا لدى حماس، وإذا كان منظور حماس غير مقبول لدينا، فالاحتكام للشعب والانتخابات هو الحل الأمثل». واتهم حماس أن منظورها للمصالحة يستند على التقاسم الوظيفي.

يرى بعض المراقبين أن حماس لا تفضل إجراء الانتخابات لأنها لن تحصل في الانتخابات القادمة على ما حصلت عليه في الانتخابات التشريعية السابقة في العام 2006، لا سيما في ظل التراجع العام الذي شهده الإسلام السياسي في المنطقة، إضافة إلى نموذج الحكم السلبي الذي جسدته حماس في قطاع غزة، الأمر الذي قد لا يشجع الناخب على التصويت لحماس مرة أخرى.

وإذا سلمنا جدلًا، وفازت حماس في الانتخابات، فإنها لن تحصل بعده على شيء أكثر مما لديها الآن، أي لن تُمكّن من حكم السلطة في الضفة، هذا لو افترضنا أن الرئيس وفتح سيمكنانها من ذلك، فالاحتلال الإسرائيلي لن يسمح لها. يدور ذلك الجدل في الوقت الذي تواجه القضية الفلسطينية مخاطر وتحديات تفرض أن تكون الأولوية الفلسطينية هي مواجهة وإحباطها، ومن أهم تلك التحديات الانقسام الذي يعبر عن غياب التوافق على إستراتيجيّة سياسيّة، وغياب الأهداف الواضحة أصلًا للنظام السياسيّ وماذا يريد هذا النظام أن يُحقّق؛ كما الاحتلال من جانب آخر، حيث يلقي بظلاله على العمليّة الانتخابيّة ككل، ويبدأ باعتقال المرشّح وصولًا إلى قمع الناخب.

الخلافات على الخطوات التحضيرية الضرورية، مثل من هي الحكومة التي ستشرف على الانتخابات الحكومة القائمة أم تشكيل حكومة وحدة أو وفاق وطني؟

والخلاف على قانون الانتخابات وعلى أساس أي قانون ستجرى، التمثيل النسبي بالكامل أم نسبي 75% ودوائر 25%، أم مثل الانتخابات السابقة مناصفة ما بين الدوائر والنسبي؟

والخلاف على سلاح المقاومة ودور الأجهزة الأمنية في حالة إجراء الانتخابات؟

ومن هذا المنطق، يمكن القول إن الانتخابات الفلسطينية قد يكون من الأفضل لها الانعقاد في ظل الاتفاق على العوامل الأساسيّة التي تجعلها ممكنة وناجحة ومنها تحديد عدد من المفاهيم ومن أهمها مفهوم الإستراتيجيّة الفلسطينيّة، ومكوّنات النظام السياسيّ الفلسطينيّ المنقسمة التي تعتمد الإقصاء ليس كسياسة فقط، بل كشرط الحكم إن كان في الضفّة الغربية أو قطاع غزّة.

فشل المشروع السياسي للرئيس أبو مازن وفريقه والدليل على ذلك إعلان رئيس السلطة الفلسطينية أنه سيعيد النظر في العلاقة مع الاحتلال والاعتراف به وبالاتفاقات الموقعة، ووصل الأمر إلى اتخاذ قرار من الرئيس محمود عباس في يوليو 2019 بوقف العمل بالاتفاقيات الموقعة مع إسرائيل، والتهديد بإنهائها كليًا إذا اتخذت الحكومة الإسرائيلية القادمة قرارًا بضم الضفة أو أجزاء منها

وهنا يطرح السؤال التالي نفسه بقوة، فكيف يمكن عقد انتخابات فلسطينية على أساس الاتفاقيات وتحت سقف سلطة الحكم الذاتي، بينما أصبحت فلسطين تتمتع بمكانة الدولة بصفة مراقب في الأمم المتحدة، ما يفترض أن تكون الانتخابات القادمة لبرلمان الدولة ورئيسها.

إذن بناء على ما سبق فإن سيناريوهات الانتخابات الفلسطيني تبدو على الشكل التالي :

السيناريو الأول عدم إجراء الانتخابات، هذا السيناريو يبنى على أساس أن طرح موضوع الانتخابات والترحيب بها من مختلف الأطراف هو مجرد مناورة يحاول فيها كل طرف إلقاء مسؤولية عدم انعقادها على الطرف الآخر.

أما السيناريو الثاني فهو إجراء انتخابات تشريعية متوافق عليها، يقوم هذا السيناريو على إجراء انتخابات، وخاصة للمجلس التشريعي بصورة متوافق عليها بين طرفي الانقسام. وهذا السيناريو يمكن أن يتحقق إذا أعاد الرئيس طرح الاقتراح الذي تم التداول به منذ العام 2016، وأيده الرئيس ولم تعارضه «حماس»، ويقضي بتشكيل قائمة مشتركة تضم مرشحي حركتي فتح وحماس ومن يوافق على المشاركة فيها، وترك عدد من المقاعد لمن يقرر خوضها بمفرده. والقائمة المشتركة تمس بالتعددية والتنافس المطلوب بأي انتخابات وترك الناخب أمام خيارات.

السيناريو الثالث: إجراء انتخابات تشريعية غير متوافق عليها في الضفة فقط، يقوم هذا السيناريو على إجراء انتخابات تشريعية في الضفة فقط، وهو سيناريو غير مستبعد، لاسيما بعد عقد الانتخابات المحلية في الضفة فقط، وعقد المجلس الوطني بشكل انفرادي وبمن حضر، وحل المجلس التشريعي ومجلس القضاء، وإحالة ربع القضاة إلى التقاعد. وهذا السيناريو خطير جدًا كونه سيقضي على بقايا الأمل باستعادة زمام المبادرة ومواجهة المخاطر المحدقة.

السيناريو الرابع: الوحدة، يقوم هذا السيناريو على إنهاء الانقسام واستعادة الوحدة الوطنية أولاً كمدخل لإجراء الانتخابات ضمن مقاربة وطنية تكون فيها الانتخابات أداة من أدوات الكفاح ضد الاحتلال وتعبيرًا عن تجسيد الدولة الفلسطينية على الأرض. وهو سيناريو مفضل، لكنه مستبعد لعدم وجود أدوات وروافع له، وهو بحاجة إلى الشروع في حوار وطني للاتفاق على رؤية شاملة وإستراتيجية واحدة وقيادة واحدة تتحلى بالإرادة اللازمة.

يعزز هذا السيناريو حجم المخاطر الجسيمة التي تهدد القضية والحركة الوطنية والنظام السياسي والأرض والشعب والإنسان الفلسطيني، كما يدعمه أن فرصة إجراء الانتخابات لن تكون متاحة في ظل تعمّق الانقسام والتحريض والاتهامات المتبادلة والنفوذ القوي لجماعات مصالح الانقسام هنا وهناك، والأطراف والمحاور العربية والإقليمية، وسيطرة فريق على السلطة في الضفة وليس على الضفة، وسيطرة فريق آخر على قطاع غزة، وإذا أجريت لن تكون حرة ونزيهة وتحترم نتائجها، ما يفرض أولوية إنهاء الانقسام وتوحيد المؤسسات والاتفاق على أسس الشراكة السياسية الناظمة للحياة الديمقراطية والتعددية وقواعد معالجة الخلافات، باعتبارها المدخل الوحيد لإجراء انتخابات حرة ونزيهة وتحترم نتائجها.