907543
907543
إشراقات

الفتاوى لسماحة الشيخ أحمد بن حمد الخليلي المفتي العام للسلطنة

14 نوفمبر 2019
14 نوفمبر 2019

الخير الذي يقدمه الإنسان لوطنه يحسب في سجل أعماله -

كيف يساهم الإنسان في أن يكون في وطنه صورة نظيفة رائعة لنفسه وللآخرين؟

من المعلوم أن على الإنسان حقوقا كثيرة فرضها الله سبحانه وتعالى عليه لكل ما خلق، للأرض حقوق وللهواء حقوق وللشجر حقوق وللمياه حقوق، لأن كل هذا الخلق إنما هو نعمة من الله سبحانه وتعالى فلذلك على الإنسان إن كان يشعر أن الوطن من نعمة الله تبارك وتعالى عليه، أن يحرص على أن يكون هذا الوطن في هيئة طيبة وفي منظر جميل، وفي صورة مشرقة، ألا يكون مشوها في أي ناحية من النواحي، ونجد أن الإسلام الحنيف يأمر بالنسبة إلى الدور وإلى الأفنية أن تنظف ويؤمر أن يحافظ على سلامة المياه وعلى سلامة الشجر وبكل ما فيه الخير، فكيف يرضى المسلم لوطنه أن تدنس طرقه وتشوه صورته، وهو مع ذلك لا يغار عليه، على المسلم دائما أن يكون غيورا على المكان الذي يعيش فيه ويتقلب على أعطافه ويستمرئ فواضله، عليه أن يحرص على أن يظل هذا المكان مكانا نزيها طيبة صورته مشرقة جميلة، ويأبى الله سبحانه وتعالى أن يحب لعباده أن يتكاسلوا وأن يتوانوا عن فعل الخيرات وأن يتكل بعضهم على بعض فعلى كل واحد أن يسارع إلى فعل الخير، لذلك دعا الله سبحانه وتعالى إلى المسارعة.. (وَسَارِعُوا إِلَى مَغْفِرَةٍ مِنْ رَبِّكُمْ وَجَنَّةٍ عَرْضُهَا السَّمَوَاتُ وَالْأَرْضُ أُعِدَّتْ لِلْمُتَّقِينَ، الَّذِينَ يُنْفِقُونَ فِي السَّرَّاءِ وَالضَّرَّاءِ وَالْكَاظِمِينَ الْغَيْظَ وَالْعَافِينَ عَنِ النَّاسِ وَاللَّهُ يُحِبُّ الْمُحْسِنِينَ).. والنفقات تشمل هذه الجوانب.. جانب إصلاح الطرق وجانب النظافة، وكل جانب ينفق فيه الإنسان ماله من أجل الإصلاح هو مما يؤجر عليه إن شاء الله.

كيف كان النبي صلى الله عليه وسلم وصحابته الكرام يعبرون عن حبهم للوطن؟ وكيف نقتدي بهم؟

النبي صلى الله عليه وسلم كان شديد الحب للوطن الذي هو فيه، ومن ذلك أنه كانت مشاعره ترتبط حتى بالجبال، فعندما رأى جبل أحد قال: هذا جبل يحبنا ونحبه، وهذا من التعبير عن حب الوطن، وهكذا كان أصحابه صلى الله عليه وسلم، ولكن هذا لم يمنعهم عن الخروج في الأرض لنشر الحق فيها، وبث الخير بين أهلها، ودعوة الناس للخروج من الضلالة واتباع الهدى، فقد ساحوا في الأرض الفسيحة، وعلى المسلم مهما كان أن يحرص على أن يتخذ جميع الأرض التي يمكن أن تقام فيها شعائر الإسلام وتعلو فيها كلمة التوحيد ويظهر فيها الحق أن يتخذ هذه الديار كلها وطنا له من حيث ارتباط مشاعره بها، وحبه الخير لأهلها، فإن المؤمن يحب الخير لجميع الناس، ويحب الخير لجميع الديار، فجدير بأن يحرص المسلم على هذا الخير وعلى هذا العطاء الطيب فإن في ذلك الخير والبر والمرحمة إن شاء الله.

كيف يستغل الإنسان حبه وولاءه لوطنه في تقديم المزيد من العطاء بحيث يكون هو نفسه مصدرا لاعتزاز هذا الوطن بأبنائه وافتخار الوطن أيضا بإنتاجات أبنائه وعطائهم؟ وكيف يوظف الإنسان طاقاته العلمية والفكرية في خدمة وطنه؟ ولا يكتفي فقط بالحقوق وهو لا يقدم شيئا؟

ليست القضية قضية مطالبة بالحقوق، إنما القضية قضية تقديم تضحيات، نعم يطالب لا لنفسه فحسب، وإنما له ولغيره، لمجتمعه ولأمته، ولوطنه جميعا، مع كونه مثالا وأسوة في تقديم هذه الحقوق من قبل نفسه، بحيث يعطي أضعاف ما يأخذ، فعلى الإنسان أن يحرص على العطاء أكثر من الحرص على الأخذ، وأن يحرص على أن يقدم الخير من حيث توعية أبناء وطنه وتفهيمهم بل حتى من الناحية المادية، فكل ما يقدمه الإنسان من خير لوطنه مما يحسب في سجل أعماله، إن بنى مدرسة، إن أقام مستشفى أو مستوصفا أو مكتبة أو وقف وقفا من أجل مصلحة من المصالح من أجل الفقراء، أو بنى مسجدا لله سبحانه وتعالى من أجل إقامة الصلوات، أو وقف كتبا أو نحو ذلك، أو أي شيء مما يعود على الوطن وعلى الأمة بالخير.

ما هي علاقة حب الوطن بالجانب الإيماني..؟ وهل هناك ارتباط؟ وكيف يصنع الإنسان من حبه لوطنه عقيدة صحيحة؟

لا ريب أن الوطن هو من هبات الله تبارك وتعالى للإنسان وكل هبة من هبات الله سبحانه وتعالى تذكر بالله وتدعو إلى طاعته، وتدعو إلى الإخلاص له، وتدعو إلى التضحية من أجل دينه، وتدعو إلى الحرص على نفع عباده، فإن العباد إنما هم عيال الله، وعلى الإنسان أن ينفعهم بكل ما يقدر عليه، ليكون بذلك عضوا بناء في مجتمعه وفي أمته، وفي بني جنسه عموما، وفي أهل وطنه أيضا، فلذلك يرتبط حب الوطن بالعقيدة من حيث استشعار هذه النعم العظيمة.. (وَمَا بِكُمْ مِنْ نِعْمَةٍ فَمِنَ اللَّهِ)، فالوطن هيأه الله سبحانه وتعالى وجعله مستقرا لأهله يحسون فيه بالطمأنينة وترتبط به مشاعرهم، وهذا أيضا مما يذكر بالوطن الذي يحرص المسلم على أن ينقلب إليه وهو الجنة.. (وجَنَّةٍ عَرْضُهَا السَّمَوَاتُ وَالْأَرْضُ أُعِدَّتْ لِلْمُتَّقِينَ) فعلى الإنسان أن يحرص على الارتباط بالعمل الصالح الذي يهيئه لهذا الجزاء العظيم من عند الله سبحانه وتعالى.

ربما يطرح في الساحات الإعلامية والعلمية جدلية الولاء للوطن أو للأمة، وقد تتسببت أفكار كثيرة من هذا النوع في حدوث مشكلات على مستوى الولاء والمواطنة، هل هناك تعارض بين الولاء للوطن، والولاء للأمة في الفكر الإسلامي؟

الوطن جزء من الأمة، بل مستقر الأمة هو وطن للجميع، الأمة يجب أن تكون أمة واحدة في مشاعرها وفي أحاسيسها وفي جميع شؤون حياتها، ولذلك على المسلمين جميعا أن يهبوا من أجل أن يدافعوا عن أي جزء من الوطن الإسلامي الكبير، فالوطن الإسلامي الكبير هو وطن لجميع المسلمين، هذا مع مراعاة خصوصيات الشعوب وخصوصيات بعض الناس بأوطانهم، ومع هذا على الناس جميعا أن يشعروا بالحق لهذا الوطن الإسلامي الكبير.