1353673
1353673
مرايا

بين الجودة والتميز .. انتقاء الماركـات العالميـــة هــــــوس أم نقص؟

30 أكتوبر 2019
30 أكتوبر 2019

استطلاع- سارة الجراح -

لا ننكر أن الماركات العالمية وضعت لها بصمة بين الناس؛ ذلك بسبب الجودة العالية التي تتميز بها في صناعتها لكل منتج، وطبعًا هناك عدة (براندات) وكل منها تختلف في قيمتها، وتصميمها وسعرها، وحتى في زبائنها، وطبعًا سعرها باهظ الثمن، أي بمعنى أنها توصل رسالة لكل من يرتديها أو يحملها بأنك مميز وأنك من الطبقة الثرية، لكن هل هذه الرسالة التي هي من باب التمييز -بعيدًا عن الجودة والتصميم- أثَّرت على البعض وأصبح لديه عشق وهوس فقط للماركات ولا يتقبل غير ذلك؟ أم أن هناك فئات تتقبل التنويع ولا يهمها الاسم بل تهتم في الجودة وفي الشكل؟ وكما نرى بأن هناك بعض الأهالي لا يوفرون لأبنائهم إلا الماركات العالمية ولا ندري ما الهدف من وراء ذلك؟، يا ترى هل ذلك سيؤثر عليهم في المستقبل؟ حيث إن الأمر أصبح لديهم اعتياديًا معتمدين على الأهل في هذه الفترة، غير مدركين ما هي الظروف التي ستطرأ عليهم مستقبلًا، ومن الجانب النفسي ما هي الأسباب التي تجعل البعض لديه هوس في اقتناء الماركات.

أمل بنت محمد عوض تقول: لا، ليست من الضروريات ولا من أولوياتي التركيز على الماركات، وبالرغم من أنني من عائلة ميسورة والحمد لله، لكن أهلي لم يعودونني على لبس الماركات الباهظة في صغري، وبعد تخرجي من الجامعة تعلمت أني إذا أحببت أن أمتلك شيئا ثمينا باهظا فعليَّ أن أدخر من مصروفي لشرائه، وهذا هو مبدأي مع أطفالي، لا أشتري لهم ملابس باهظة الثمن لمجرد أنها ماركة (براند) إنما أبحث عن المنتجات ذات الجودة العالية والمناسبة لهم ولسنهم ومريحة، أما عن تعويد الآباء لأبنائهم على اقتناء الماركات فهو خطأ، هذا رأيي الشخصي ولكل إنسان حرية الاختيار.

التقييم

كما توضح ميساء بنت علي العجمية قائلة: لا أرى أن الماركات الباهظة جدًا مهمة في كامل لبسي، لكن قد اشتري حقيبة أو حذاء باهظ الثمن مرة أو مرتين في السنة مثلا، واختياري لهم بسبب الجودة، نعم.. من باب الجودة، حيث لاحظت عند شرائي لحذاء أو حقيبة من محلات أسعارها منخفضة أنها لا تدوم طويلا، خصوصًا مع حرارة المنزل في الصيف لاحظت أن بعض الأحذية ينفك الغراء منها أو يتيبس جلد الحذاء أو الحقيبة، ولم أفكر في شرائها من باب المباهاة أبدًا، ولكني أعيش وسط مجتمع والحمد لله مقتدر والجميع يلبس الغالي والثمين، لذا أحب أن أظهر بمظهر يليق بي أيضا.

وبالنسبة لتعويد الأطفال وهل له تأثير عليهم، أقول نعم، وهذا طبيعي، فلذلك أحرص على تعويد أبنائي أن نشتري الشيء المناسب ذا الجودة العالية، وليس بالضروري الغالي جدًا، وألا نقيم أنفسنا أو الآخرين بناء على ما نلبسه أو يلبسونه؛ لأن هذا يضر بهم وبشخصيتهم، وسيربط في أذهانهم أن شخصية ومكانة الإنسان بما يلبسه، وإذا لم يتمكن هو في المستقبل من شراء الثمين فسيؤثر ذلك على نفسيته، وكذلك يثقل عليهم ماديًا في المستقبل.

الظروف تتغير

وتقول زينب بنت عبدالله بن هاشل البلوشية: أنا لا ألبس الماركات سواء كانت باهظة الثمن أو غيرها؛ لأنها تخالف الدين الإسلامي ولا يجوز شرعًا لبس ماركات باهظة الثمن، ولا يهمني ما يقوله عني زميلاتي، يهمني رضا الله جل في علاه، ومن ناحية الوالدين إذا ألبسونا ثيابا باهظة الثمن ونحن صغار لا يوجب علينا أن نتقيد بأفكار الوالدين؛ لأن النضج في الكبر له دور فعال في تنشئة الأجيال، وتعويدهم على الماركات الباهظة يؤثر عليهم بشكل ملحوظ، لذا علينا إقناعهم أنه حين يتوفر المال يسهل الشراء، أما في حال عدم توفره فنحن غير مضطرين لاقتنائها وهناك بدائل ذات جودة عالية وبسعر مناسب، وهذا حتى لا تكون هناك متاعب للأهل وضغوطات من الأبناء حين يكبرون، فبطبيعة الحال الظروف تتغير ولا تستقر على حال واحد.

حسب الحاجة

سامية بنت محمد الشكيلية تقول: الماركات لا تعني لي شيئًا وكذلك عودت أولادي، ونشتري حسب حاجتنا وحسب الجودة، وإذا رأيت شيئا أعجبني وبه جودة وسعره منخفض، وإن كان ليس (براند معروف) سوف أشتريه، ولا أهتم للاسم أو المكان الذي أشتري منه، وحتى اليوم جميع الأغراض التي اختارها عاشت معي فترة طويلة، وأحب أن أوضح أنا لست مع الاستهلاك والتبذير.

التميز والرقي

بتول قمبر تقول: أحب منذ صغري أن ألبس شيئا راقيا وليس مهم بأن يكون ماركة، وحتى أبنائي كنت أختار لهم الملابس المميزة ذات الجودة العالية، ولم أهتم بأن تكون ماركة، وكما نعلم أن الماركات لا يمكن أن تشتريها إلا طبقة معينة من ذوي الدخل العالي، وفي حال لو كانت إمكانياتي تسمح لي بشراء الماركات سوف أشتري وذلك ليس من باب (المباهاة والفشخرة)، بل هو حب وتميز ورقي، ومع ذلك أنا وأبنائي نتميز بذلك بدون اختيارنا للماركات، بل لكل ما هو ذو جودة وتصميم مختلف، وليس بالضرورة كل ما هو ماركة يكون مميزًا، والناس أذواق فكم من حقائب وغيرها ماركات وبأسعار باهظة لكن ليس بها أي ميزة ولا رقي، فقط إنها تحمل اسم البراند لا غير.

إدمان واضطراب نفسي

وحول ذلك التقينا الدكتورة مها عبدالمجيد العاني مديرة مركز الإرشاد الطلابي بجامعة السلطان قابوس فقالت: انتشرت في السنوات الأخيرة عند بعض الناس وتحديدًا النساء هوس شراء الماركات الأجنبية من حقائب وأحذية وساعات وغيرها، وبطبيعة الحال لكل ظاهرة أسباب منها ما تعود إلى أسباب خارجية أو داخلية، ومنها ما هو متعلق بمواقع التواصل ومنها ما يُرد إلى الفرد أو الفتاة نفسها أو الأسرة، فالإعلام ونقصد به وسائل ومواقع التواصل المختلفة التي ساعدت على انتشار تلك الأمور وأسهمت بشكل كبير في الترويج لهذه الماركات من جانب، ومن جانب آخر باتت الصور تنقل بشكل سريع، فمثلا عند شراء فتاة ماركة ما، من الممكن أن تصورها وترسلها في ذات اللحظة، وبالتالي أثر ذلك على بعض الفتيات، فمن ترغب أن يكون لديها كل شيء ستكون من أولى المتأثرات بذلك، وهناك أسباب نفسية أو اجتماعية لذلك التأثر، بمعنى أن الجميع يشاهد تلك المواقع لكن من يتأثر بذلك هو محور من نعزو الأسباب لديه، فقد تكون الفتاة تعاني من عدم الثقة بالنفس أو أنها أقل من الآخرين وتحاول من خلال اقتناء تلك الماركات إشباع حاجاتها النفسية وتثبت للآخرين أنها تمتلك أثمن الأشياء، وخاصة إذا ربطت شراء واقتناء تلك الأشياء بالغنى أي يجعلها من الطبقة الراقية، فقد يكون للأسرة دور؛ أي التنشئة الأسرية في ذلك سواء في التأثير على درجة الثقة بالنفس عند الأبناء، أو ثقافة الحصول على الأشياء مهما كان ثمنها أو المقارنة بالآخرين، وغيرها من الأمور المتعلقة بآليات التربية والتعامل مع الأبناء، وقد يرد إلى آليات صرف المبالغ للأسرة والبذخ وعدم التخطيط السليم للجانب المالي.

هذا من جانب، ومن جانب آخر قد يعود السبب النفسي إلى محاولة إشباع حاجة الاهتمام، فمجرد حصولها على تلك الماركات ونشرها في مواقع التواصل المختلفة ستحصل على تفاعل الأخريات من زميلاتها أو غيرهن فتحصل على الاهتمام والمتابعة، وقد يكون محاولة لإشغال وقتها، فقد بينت إحدى الدراسات البريطانية أن أكثر من 70 % من التسوق جاء بسبب وقت الفراغ. كما يأتي جانب آخر، فقد وجد أن من أسباب التسوق للمرأة هو محاولة لتناسي همومها ومشاكلها فبعض النساء، ومن خلال الاستشارات المقدمة لهن تجدهن يبحثن عن التسوق من أجل التخلص من الضغوط وخاصة الضغوط الأسرية أو الزوجية أو حتى مشاكل التوافق المختلفة، بل توصلت العديد من نتائج الدراسات إلى أن أكثر من نصف النساء كان سبب التسوق هو التخلص من الضغوط النفسية المختلفة.

وتحذر د. مها قائلة: طبعًا هذه المشكلة ممكن أن تتنامى وتؤثر بشكل أكبر على حياة الفتاة، وأن هذا الأمر ممكن أن يتحول إلى إحدى حالات الهوس المرضي أو إلى الإدمان وإلى اضطراب نفسي، إذا لم تعِ بخطورتها وتأثيرها السلبي على حياتها الخاصة والأسرية والعملية بل وحتى على تربية أبنائها.

تبذير

وكما التقينا بالشيخ محمد الكريمي راشد، إمام وخطيب جامع أبو بكر الصديق، ليوضح لنا حكم الشرع في شراء الماركات الباهظة الثمن؟ وإذا كان الشخص مقتدرًا هل يعتبر إسرافا وتبذيرا؟ فأجاب موضحًا: المسلم مطالب بالإنفاق على نفسه، ومن يعول في حدود المعقول من غير إسراف ولا تقتير، وقد ذكر الله من صفات عباد الرحمن فقال: (والذين إذا أنفقوا لم يسرفوا ولم يقتروا وكان بين ذلك قوامًا) وشراء الماركات العالمية من حقائب وغيرها بمبالغ باهظة يعتبر من التبذير الذي نهى عنه الشرع الحنيف حتى وإن كان الشخص ثريًا، قال تعالى: (ولا تبذر تبذيرًا) والذي عنده مزيد من المال أما أن يستثمره أو يدخره لوقت الحاجة إليه أو يتصدق به.