شريفة_التوبية
شريفة_التوبية
أعمدة

وتر : مـا يفعلـه الأدب

30 أكتوبر 2019
30 أكتوبر 2019

شريفة بنت علي التوبية -

ترى هل تستطيع الكتابة أن تصلح شيئاً من خراب هذا العالم؟ هل تستطيع كلمة أن تغيّر مجرى التاريخ؟ هل يستطيع الأدب أن يكون معجزة الكاتب في إحداث التغيير؟ هل ممكن لقصيدة أن تفعل ما عجزت عن فعله نظريات العلم؟ وهل يمكن لرواية أن تبدّل الحقيقة الواقعية بحقيقة متخيّلة فنصدّقها؟ هل يستطيع الكاتب أن يكون مُصلحاً في زمن الفوضى والشتات أم إن كل ما يفعله ليس سوى نزف أمام الورق كما قال أرنست همنجواي، وما فعله سوى محاولة يائسة لترميم الخراب، وتجميل وجه العالم المشوّه في زمن كل شيء فيه قابل للخضوع لعمليات التجميل؟

إن ما يفعله الكاتب في ظل هذه الفوضى التي تسود العالم وتربكه، ما هو إلا أنه يقوم بترتيب الفوضى وتحويلها إلى نص سردي أو شعري، فما الذي من الممكن أن يفعله كاتب مهزوم ومتألّم غير أن يعيد تدوير الألم بطريقة جذّابة، أنيقة ومغرية، وأن يجمّل الحزن في عين قارئه، لتلامس الكلمة جرح القلب وألم الروح؟ فهل جربت يوماً أيها القارئ أن تعيش مثل هذا الشعور المؤلم العذب وأنت تقرأ؟ هل جربت مذاق الحزن في أبيات قصيدة، وطعم الألم في كلمات نص سردي؟ هل تلبّسك شعور الكاتب لحظة الكتابة؟ هل قلت بينك وبين نفسك لكاتب النص: لقد أسرتني بجمال سردك وعذبّتني بحزن كلماتك؟ وهل كان هذا السحر المؤلم مقياسك لنجاح الكاتب؟ وهل كان سبباً ليصبح كاتبك المفضّل دون سواه، فقط لأنه كشف الغطاء عما أنت عاجز عن كشفه أو الاعتراف به، ولأن الكلمة فعلت فيك ما لم يفعله حبيب أو صديق مقرّب، وفعل النص ما لم يفعله الطبيب في معالجة الجرح ومداواته؟ وهل عثرت على نفسك وأنت تقرأ في النص شعورك وتسمع صوتك وتعيش حزنك، فتعلم أن كل ما فعله الكاتب أنه أهداك وجعك مغلّفاً بغلاف من الكلمات العذبة، لتصبح تلك الكلمات بكل ما فيها من وجع ملكاً لك، لأنها أقرب الشبه لك من كاتبها؟

أتراك خُدعت أيها القارئ أم المخدوع هو الكاتب في لعبة الكلمات التي بطل مفعول السحر من حروفها، والتي ما عادت تجدي نفعاً في تحريك الساكن أو تغيير مجرى الحدث؟ وهل يصدمك أن تعلم أن كل ما يفعله كاتبك إنه يرمم الخراب ويعيد تدوير الألم ويرتب الفوضى بما يتناسب مع متطلبات السرد وشروطه؟ وقد تسألني وما نفع الكلمة إذا لم يتغير شيء في هذا العالم؟ وأنا لا أملك الإجابة.