صحافة

فلسطين: شعائر حجيج السجون الإسرائيلية؟!

18 أكتوبر 2019
18 أكتوبر 2019

في زاوية آراء كتب وليد الهودلي مقالاً بعنوان: شعائر حجيج السجون الإسرائيلية؟! جاء فيه : شعائر استلام البضاعة البشرية وتفتيشها :

هنا يتعاملون مع الناس على أنهم بضاعة تخضع للتفتيش الدقيق، بضاعة لا تمتلك مشاعر أو إحساسًا بالكرامة أو أن لها أدنى صلة بكائن اسمه إنسان، له علاقة بكل شيء إلا أن يكون إنسانًا، ولا يكتفون بالتفتيش الإلكتروني من خلال بوابة إلكترونية ترى ما لا تراه العين المجردة، أو ما يسمى الزنانة، لا بد من أن تتحسس أيديهم كل مناطق هذه البضاعة المجردة من كل شيء، لا بد من تعريتها من كل شيء وتقليبها ذات اليمين وذات الشمال ولتأخذ من الوقت ما تأخذ، هذه البضاعة البشرية لا قيمة لوقتها كما لا قيمة ولا وجود لإحساسها، هي مجرد «قنابل موقوتة» لا بد من اكتشاف ما تحمل من يورانيوم مخصب ولا بد من البحث والتمحيص بكل محتوياتها صغيرها وكبيرها .

شعائر السير في النفق الذي يفضي إلى غرفة الزيارة .

هذه المسافة ما بين بوابة السجن وغرفة الزيارة والمحاطة بجدران حديدية، لا ترى منها أي شيء إذ أنت في منطقة أمنية في غاية الخطورة، ولنا أن نتصور حالة الهلع التي يلتقط فيها الأطفال أنفاسهم، شوقهم وحنينهم من جهة وحالة الرعب التي تداهمهم من كل جانب .

شعائر غرفة الزيارة :

هنا تلتزم مقعدك المخصص وتلجأ إلى نفسك المنهكة، بوجه كالح قد مرمرته طريق الآلام الطويلة مطلوب منك أن تكون ممثلًا بارعًا فتظهر الابتسامة على وجهك، عليك أن تقوم بدراما قادرة على رمي كل ما جرى معك من الصباح الباكر خلف ظهرك وتقبل على معشوقك بوجه ضاحك، مطلوب منك أن تلعب دور الضاحك بينما البكاء يملأ كل مساحات نفسك، عليك أن تجسد السعادة والأمل والحرية والكرامة والعزة وأنت خارج من مصانع تجيد صناعة القهر والبؤس والشقاء، ويأتي الحبيب ومن خلفه سجانون بوجوه عابسة كالحة، تنظر بعيون غاضبة تمحص كل شيء وترقب هذا الإنسان الذي تراه متوحشًا إرهابيًّا مجرمًا لا يستحق تبادل المشاعر الإنسانية مع أمه وذويه، وعلى الأسير أيضًا أن يتقن دوره الدرامي فيرسم ابتسامة ويرفع ضحكة ويلقي بالسجن من صدره ليخفف من أثقال كاهله لينطلق لسانه فيجامل أهله ويكون قادرًا على رد الابتسامة بابتسامة، مطلوب منه أن يمثل موقف عزة على مسرح ملؤوه بكل أشكال البؤس والشقاء. وتصل الكلمات الحميمة عبر الهاتف بعد أن تتكسر لغة الوجوه من خلال الزجاج الغليظ الشامت الذي يبرد حرارة اللقاء ويجعله قاحلًا جافًّا لا حياة فيه ولا روح.

وتنتهي تلك اللحظات سريعًا والطرفان يبحثان ويلهثان خلف لحظة سعيدة تبث المحبة وتطلق الأمل، ويلتقط كل طرف قبسًا من نور عيون الجانب الآخر الواقف على الحدود الزجاجية اللعينة، ولهذا الزجاج قصة إذ ونحن في غرفة الزيارة في عسقلان حيث كان الفاصل شبكا جاء نائب كنيست «جدعون عزرا» فأخذ يسلم بأصابعه على المعتقلين، حسب البعض أن مشاعر إنسانية انتابته وهو ينظر إلى مأساة الأسرى وذويهم، ولكنه ثبت فيما بعد أنه جاء ليفحص الشبك أمنيًّا، وكان فيما بعد قرارهم اللعين استبدال الشبك بالزجاج .

شعائر العودة :

طقوس لا بد من ممارستها وأنت أيها الزائر المنهك في نهاية النفق، ستعود أدراجك حيث تصر عليك هذه الطقوس أن تنتظر مغيب الشمس لتسري ليلا من السجن إلى البيت مكبلا بكل إجراءاتهم المهينة وتحاول ترتيب ما جرى لتقصه على ناسك الذين منعوهم من الزيارة، علّك تُخفّف شيئا من نفوسهم من ثقل هذا المنع، تفكر مليّا بهذه الطبيعة البشرية النكدة والذكية في ترجمة لؤمها وصلفها بفنون العذاب هذه، ماذا لو فعلت غير هذا وصنعت لنفسها صورة مغايرة لحقيقة سواد نفوسها؟ إنها طبيعة مهزومة مأزومة خائفة مرتعدة تخشى أن تدور عليها الدوائر فتهرب إلى الوراء نحو مزيد من التعنت وفنون إيقاع الألم في «الجويم»؛ وهم البشر من غير جنسهم النوراني المتفوق على بقية البشر !

وعبر طقوس جميلة بين الناس المعذبين يتحدثون عن الألم والشوق والألم في طريق العودة ليسري بعضهم عن بعض وليخفِّفوا عن كاهلهم هذه الآصار والأغلال وليقوّوا عزائم إرادتهم ويبعثوا الأمل في نفوسهم .