fatima
fatima
أعمدة

رايها: تغاريد

16 أكتوبر 2019
16 أكتوبر 2019

فاطمة الاسماعيلية -

بعد إلحاح على ابني وأخته أن يمتلكا عصافير ملونة في قفص زهري داخل المنزل، لم أستطع أن أقف كثيرا ضد هذه الرغبة المُلحة لديهما، لم أستطع أن أشرح لهما بأن الوضع الطبيعي لتلك العصافير بأن تكون حرة طليقة في السماء ترفرف بجناحيها بدون قيود، ولأنني في طفولتي كنت أملك عصفورا وتأسفت حينها كثيرا بعدما رأيت كيف انتهى الأمر بالعصفور بعد أن مات في ذلك القفص المغلق، لكن قلت لنفسي لمِ لا أجعلهما يعيشا تلك التجربة أيضا!

هناك أمور يصعب شرحها للأطفال بدون تجربتها «بحدود المعقول طبعا » حتى تكون درسا عمليا لهم، فالعصافير كانت جامدة في مكانها! و فعلا بعد مرور أسبوع ماتت عصفورتهم الأولى (ذات اللون الصفر الزاهي) واعتلت ملامح الدهشة كليهما، وقتها كانت المرة الأولى بالنسبة لهما التعرف على معنى الموت وربطا السبب (في اجتماع طفولي بينهما ) أنهما لم يطمئنا عليها، لانشغالهما بالمدرسة أو باللعب، ومن يومها أيضا وافقا على إخراج باقي العصافير لحديقة المنزل، من لحظتها شعرت بأن العصافير بدأت تُغرد بصوت أجمل وتتحرك « وإن كانت بحدود القفص» لكن بصورة تبعث عن الفرح والبهجة أكثر من ذي قبل.

الشاهد.. قد نواجه في حياتنا بعض التناقضات بين ما نراه ونعيشه في مجتمعنا وبين مبادئنا التي تربينا عليها. أطفالي عندما وجدوا كمية العصافير في المتجر، وكلها في قفص واحد مكتظ اعتقدوا أنه أمرا عاديا، لكن مع الوقت بدأوا يستوعبوا أن تلك العصافير حتى تعيش وتغرد بفرح تحتاج لأنه تكون حرة طليقة.

مع الوقت سيتعلمون أنه لا شئ أجمل من الحرية فلا يمكن للشخص المُقيد أن يُبدع ولا يمكن للشخص السليم أن يعيش وحيدا بدون أن يخرج وينطلق وسط مجتمعه يتعلم الجديد ويستلهم من كل ما حوله معارف جديدة، هم بأنفسهم لن يكونوا سعداء إذا كانوا معظم وقتهم في مكان واحد مقيدي الحركة.

وسيتعلمون كذلك أن الحرية لها حدود بأن تفعل وتقول ما تريد بدون أن أن تُأُذي الآخرين، حتى لا يكتظ العالم بأبطال التواصل الاجتماعي والمغردين الذين يتلفظون بما شاؤوا باسم الحرية ويعرضوا أنفسهم للتنمر، سيتعلمون أن يغردوا بكلماتهم بأدب في حدود أجوائهم وبكلام موزون حتى تكون لكلماتهم صدى.

سيأتي وقت وسيتعلمون.. أن كل شيء يكون أجمل عندما يكون في مكانه الصحيح، إن لم يكن يكن كلاما وفعلا موزونا فسيكون مزعجا.