Ahmed
Ahmed
أعمدة

نوافذ: الـ «10%».. كم هي مقلقة!

15 أكتوبر 2019
15 أكتوبر 2019

أحمد بن سالم الفلاحي -

[email protected] -

لا يوجد فوق سطح هذه الأرض من لا يشتكي؛ أو يعاني من مشكلة ما؛ فالشكوى تمثل سلوانا في جوانب أخرى، ولذلك أدمنتها الأنفس بصورة تلقائية، قصد الشاكي منها مشاركتك له، أو لم يقصد، فهي تأتي ضمن سياق الحديث، وإن كان البعض يغرق نفسه في شرح مشكلته إلى حد تعريتها من كل الجوانب التي؛ من المفترض؛ أن يحافظ على شيء منها، حتى لا يكون مكشوفا للآخرين، فالآخرون في النهاية لا تهمهم شكواك، ولا معاناتك، وما دام الأمر كذلك، فأنت لست مضطرا لأن تعري نفسك أمامهم؛ خوف الاستغلال في ظروف تكون أنت فيها أضعف ما تكون، لأنه مهما بذلت من جهد، سواء تبريرا لما أنت فيه، أو تعزيزا لما أنت فيه كذلك فـ «من لا يريد أن يتقبل رأيك سيجد ألف طريقة لإساءة فهمك» وهذه إشكالية في كل العلاقات القائمة بين الناس، بلا استثناء، فلا تحرقوا كل أوراقكم، حتى لا تضطرون إلى جمع رماد ما أحرقتموه بأنفسكم.

كثيرا ما تم التطرق إلى أن أمام الإنسان مساحة عمل تصل إلى (90%) بمعنى هو مخير في توظيف أنشطته اليومية الخاصة والعامة على امتداد هذه المساحة، وما تبقى الـ (10%) هي فقط المجبر عليها، حيث لا خيار أمامه إلا أن يؤتيها كلها، وإلا أوقع نفسه في خانة العقوبات، ولذلك تتفق الرؤية إلى أن ليس هناك من عاقل يوقع نفسه في هذه المساحة المحدودة جدا، ومن ثم يكتوي بما ينعكس عليه من عقوبات هو سعى إليها بنفسه، ربما الفرصة المتاحة للآخرين لأن يمارسوا حقوقهم الكاملة هي التي توقفك أنت عن اعتراض طريقهم، ويحدث ذلك بعد أن تستنفد أنت كل حقوقك، فعلى سبيل المثال؛ في طريقك في موقع ما، تظل أمامك طريق ممتدة، تقنن فيها سرعتك المعقولة على أن لا تتجاوز السرعة المحددة؛ حتى تصل إلى إشارة مرور تتيح لغيرك المرور قبلك، فعليك أن تقف ليمر غيرك، أو تمر أنت إن كانت الإشارة تشير إليك بالمرور، ويتكرر المشهد ذاته في أكثر من موقع من مواقع إشارات المرور، ولو قست ما أتيح لك من حقوق في هذا المثال فقط، ستجد أنها أضعاف ما عليك من واجبات، وقد يصادفك واجب واحد فقط كما هو المثال أعلاه، وبالتالي فما الضرورة عندما تتجاوز سرعة مركبتك السرعة المقررة، وما الضرورة عندما تتجاوز الإشارة الحمراء؟ وفي كلتا الحالتين قد يفضي الأمر إلى التسبب بالضرر على الآخرين، وما ينطبق على هذا المثال البسيط، ينطبق على كل الأنشطة التي نقوم بها، ويكون الآخرون طرفا محوريا فيها، في البيت، في المكتب، في الأماكن العامة، كل هذه المناخات من الممارسات تجد حقك الكامل فيها في الممارسة، ويقصر نشاطك شيء يسير لا يتجاوز الـ (10%).

إذن لماذا الشكوى؟ أراقب بقلق؛ في بعض الأحيان؛ مما يثار في وسائل التواصل الاجتماعي من شكاوى حول مواضيع عامة مختلفة، وأرى في ذلك تغليبا على واقع الإنسان نفسه، قبل أن نصل إلى المجتمع، يحدث ذلك لأن الرؤية ضيقة جدا، وتتمحور حول ذاتها فقط، دون أن تعطى مساحة مشرعة للإحاطة بالمشكلة من جميع جوانبها، ومعنى ذلك إن كانت هناك مشكلة ما واقعة في حضن المجتمع، فأفراد المجتمع كلهم معنيون بها، كما هي القضية المثارة اليوم، والمتعلقة بانتخابات مجلس الشورى، وتضارب رأي الجمهور في الأهمية الحقيقية في اختيار العضو المناسب، فهذا الاختلاف في التقييم منبعه الناخب، وبالتالي فهذا الجمهور عنده مساحة تصل إلى (90%) من الاختيارات، ومع ذلك يذهب إلى حصر نفسه في الاختيار غير الموفق، وهو يدرك ذلك، وبعد ذلك يأتي في نهاية الفترة ليقيّم أداء المجلس، ويعطي أحكاما ارتجالية، بناء على تقييم شخصي فقط.