1341192
1341192
المنوعات

وزير الثقافة السوري محمد الأحمد في حوار مع «عمان»: لا خوف على سوريا فهي تعيد بناء الإنسان

14 أكتوبر 2019
14 أكتوبر 2019

مخطوط نادر لأحمد بن ماجد قريبًا يعود للسلطنة.. وسنحفظ بعض آثارنا في عمان -

حاوره: عاصم الشيدي -

عندما تهدأ أصوات المدافع، وتبدأ الجيوش في العودة إلى خنادقها والطائرات إلى مساربها تتقدم مفردات الثقافة لإعادة الحياة إلى المشهد عبر الفعل الثقافي الحقيقي، فالثقافة وحدها من تستطيع إعادة بناء ما تدمره الحروب العبثية. ولذلك إذا كانت وزارة الدفاع هي وزارة الحرب فإن وزارة الثقافة هي وزارة الإعمار. كانت هذه الفكرة هي محور الحديث الذي أردته مع وزير الثقافة السوري محمد منير الأحمد الذي يزور السلطنة هذه الأيام وعقد جلسة مباحثات ثقافية مع صاحب السمو السيد هيثم بن طارق آل سعيد وزير التراث والثقافة، وحضر توقيع مذكرة تفاهم بين المتحف الوطني والمديرية العامة للآثار والمتاحف السورية تهدف إلى إعارة السلطنة مقتنيات متحفية سورية بشكل مؤقت بهدف الحفظ والصون. طرحت هذه الفكرة لأنني أؤمن بدءًا أن جزءًا أساسيًا من الحرب على سوريا وفي سوريا كان هدفها تدمير المكون الثقافي الذي تملكه بلاد الأبجدية الأولى.

حملت الكثير من الأسئلة والكثير من المشاهد التي رأيتها شخصيًا عندما زرت دمشق وكانت أصوات المدافع ما زالت تصم الآذان وترعب القلوب وعندما زرت مرتين مخيم الزعتري للاجئين السوريين ومنه كنت أسمع أيضًا صوت الحرب وأرى آثارها على الوجوه.

بدأ الحوار بكسر توتر اللقاء الأول بين صحفي ووزير فكان السؤال عن سوريا، وكان الرد مليئا بالتفاؤل بأن سوريا بخير، وستبقى بخير ما دامت حاضرة في قلوب الشعوب العربية. وما دام لها أصدقاء مثل سلطنة عمان تشعر بما يحدث فيها. قلت له الحضارات الكبيرة تشعر ببعضها وتعرف قيمة بعضها البعض ضحك الوزير فرحا فقلت له: وما دمنا لا نشعر بعقدة النقص الثقافية.

سألت الوزير الأحمد، وهو بالمناسبة حفيد الشاعر السوري الكبير بدوي الجبل، عن جلسة المباحثات التي انتهت لتوها وما دار فيها. طرح الوزير السوري ملخصا لم يخل من الدبلوماسية أو دبلوماسية الثقافة على حد تعبير الدكتور بسام الخطيب السفير السوري في السلطنة الذي حضر الحوار:«توصلنا خلال جلسة المباحثات مع صاحب السمو السيد وزير التراث والثقافة على رأي مشترك مفاده بلورة ما تم مناقشته والاتفاق عليه في مذكرة تفاهم نوقعها بعد استكمال الإجراءات الرسمية بين البلدين» وحول ما تتضمنه المذكرة قال الوزير السوري: «تفعيل الجوانب الثقافية بين البلدين ووضعها على مرتكزات تؤدي إلى حلول ناجحة، وتشمل تلك المرتكزات: التعاون على ترميم بعض الآثار المقترحة من قبلنا في سوريا لترميمها وصونها في المتحف الوطني في عُمان وهذا يعني تفعيل العلاقة بين المتحف الوطني وبين مديرية الآثار والمتاحف في سوريا، إضافة إلى تعاون مع مهرجان مسقط السينمائي وهناك مسألة مهمة في موضوع تبادل الخبرات فيما يتعلق بترميم المخطوطات بين مكتبة الأسد وبين هيئة الوثائق والمحفوظات الوطنية في السلطنة.. هذه أهم الآفاق التي ستكون منصوصا عليها في مذكرة التفاهم التي سنوقعها قريبا».

كما تحدث الوزير السوري عن مذكرة التفاهم التي وقعتها مديرية الآثار والمتاحف مع المتحف الوطني العماني وتفاصيلها: «نحن نمتلك حضارة كبيرة ممتدة في التاريخ وكل البلدان التي تمتلك مثل هذه الحضارة، كما هو الوضع في السلطنة، مطلوب منها أن تشد الأواصر نحو بعضها البعض، وأنا أقول دائما إن الحرب التي شنت على سوريا كان استهدافها الأول ثقافي، كانت الرغبة محو ذاكرة وتاريخ سوريا وهويتها. لكن لم يكن الحاقدون على سوريا يعون أن تاريخها وتراثها ليس ملكا لها وحدها وإنما هو ملك للبشرة، كما أن أي متحف في الدنيا ليس ملكا فقط للبلد الموجود فيه وإنما ملك للجميع لأنه يضم مفردات من الحضارة الإنسانية. يصمت الوزير السوري قليلا قبل أن يعود ليقول: كان هناك خطة ممنهجة لتدمير الآثار السورية وهذا ما شاهده العالم وما حذر منه. ولما كانت السلطنة دولة شقيقة تدرك أهمية التاريخ والآثار فكان لا بد أن يكون بيننا تعاون في هذا المجال وسينجم عنه جلب مجموعة من القطع الأثرية التي نرى أهمية ترميمها وصونها إلى السلطنة.

كما تحدث الأحمد عن المخطوط النادر الذي تملكه مكتبة الأسد في دمشق للبحار العماني أحمد بن ماجد وقال وهو يستحضر عظمة هذا البحار وعظمة التاريخ العماني «المخطوط موجود معنا وكان يفترض أن آتي به للسلطنة في هذه الزيارة وحصلنا على كل الموافقات التي تضمن خروجه من مكتبة الأسد، ولكن ما حدث أن الخبراء عندما أرادوا وضعه في الصندوق الخاص اكتشفوا تمزق بعض صفحاته بسبب الحموضة العالية في أوراقه، لكن سنستضيف مجموعة من المختصين العمانيين في نوفمبر القادم لبحث آلية ترميمه بالتعاون مع متحف الارميتاج وستشاهدون هذا المخطوط بعد ترميمه، بإذن الله، في المتحف الوطني في مسقط.

وكرر الوزير السوري أن سوريا تتعافى ولا خوف عليها بعد اليوم، فقد خبرت في هذه الحرب ما لم يتوقعه أو يتصوره أحد من قبل.. رأيت هنا أن أسأله إن كان لدى وزارة الثقافة أو الحكومة السورية تقييم عام عن حجم دمار الآثار وخطط إنقاذها باعتبارها أحد أهم مواطن القوة في سوريا.

تنهد الوزير قبل أن يجيب بالقول: «يعلم الجميع أن الآثار السورية تعرضت للكثير من التخريب، بل إننا نعتقد أن هذا أحد أهم أسباب الحرب التي عشناها خلال السنوات الماضية وما يدلل كلامي أنك حين تدخل لحلب القديمة، على سبيل المثال، تجد ثلاثة مبان واحدا حديثا واثنين تراثيين، التراثية تم استهدافها وتدميرها أما الحديث فما زال باقيا دون أي مساس وهذا يؤكد ما نذهب إليه أن الحرب كانت ثقافية في المقام الأول. صمت الوزير مرة أخرى وكأنه يتأمل في مشهد مرّ أمام ثم قال: لدينا قائمة بالقطع التي نهبت من المتاحف، لكن المشكلة الأهم أن تنقيبا غير شرعي جرى خلال هذه السنوات وسرق خلاله الكثير من الآثار التي لا توثيق لدينا لها، تعرفون أن تحت كل التراب السوري كميات هائلة من الآثار التي لم يكشف عنها، ولذلك لا نملك الآن تصورا عن كمية ما تم نهبه من آثار بهذه الطريقة ونعلم يقينا أننا خسرنا الكثير. أما الآثار القائمة سواء تلك التي في تدمر أو في بصرى أو في مناطق سورية أخرى فنحن نتعاون مع جهات دولية في مجال ترميمها وصونها وإنقاذها لأن ما خرب ودمر كثير جدا جدا ويحتاج ترميمه وإنقاذه الكثير من المال ونحن نضع أولويات في مجال إنقاذ ما يمكن إنقاذه.

وعندما سألت الوزير عن معرفتهم لوجهات ما تم نهبه صمت وقال: هناك دول عدة ولكن أغلبها ذهب لإسرائيل ودولة «مجاورة». لم يكن حديث الوزير السوري يخلو من الأسى وهو يتذكر ويتحدث عما حل ببلاده وآثارها وبما حل بالنسيج الاجتماعي في سوريا.. قلت له الآن حان دوركم في وزارة الثقافة.. لقد بدأت آلات الحرب في التراجع وربما خفتت أصوات المدافع والصواريخ وفي هذا الوقت بالتحديد يكون دور الثقافة لمحاولة انتشال المجمع من ويلاته.

لم يصمت هذه المرة بل رد على الفور: «لا أبالغ إذا قلت لك إن وزارة الثقافة الآن محط اهتمام الرئيس بشار الأسد؛ لأنه يعي أن الدور المقبل هو ملقى على كاهل وزارة الثقافة لأن من مهام هذه الوزارة أن تبني الإنسان، صحيح أن أجزاء كبيرة من سوريا تدمرت ولكن بناء الحجر أسهل بكثير من بناء البشر وسوريا عازمة الآن على بناء البشر، بناء وعي بما حدث وما سيحدث.. أنت تعلم أن الخلل حدث حتى في الأسرة السورية، تفككت الأسرة بسبب اختلال الإيديولوجيا التي تبعها الإخوة في البيت الواحد. الآن فعلا دور وزارة الثقافة وما نسميه في سوريا وزارات التنمية البشرية مثل الإعلام والأوقاف والشؤون الاجتماعية والعمل والتربية والتعليم العالي هذه الوزارات تتظافر اليوم من أجل بناء الإنسان السوري بشكل مختلف بعد سنوات من التجريف الفكري وتدمير الوعي.. وفي الحقيقة هدفنا الآن هو الإعلاء من شأن الإنسان كما يليق به، وهذا سيحدث من خلال مؤسسات وزارة الثقافة عبر الثقافة والآداب والفنون والمسرح والسينما والكتاب والنشر.

نحتاج اليوم بشكل ملح إلى إعادة بناء الأطفال ومحو الأمية التي أنشاتها المرحلة الصعبة من عمر وطننا العزيز.

وجدتها فرصة مناسبة للسؤال عن مهرجان دمشق السينمائي هل نشهد عودته قريبا فرد الوزير: نستطيع إعادته اليوم ولكن في الحقيقة لا يزال أمامنا وقت، نحن نريد أن نعود كما كنا سابقا أو أفضل مما كنا عليه.. لكن خطة عودة مهرجانات الوزارة قائمة وبها سنعيد إعمار الإنسان السوري وأنت تعلم أن مهرجاناتنا كانت كبيرة وتستقطب متخصصين من كل مكان.

قلت له إن فيلما سينمائيا مشتغلا عليه يمكن أن يرمم الكثير في الوعي الجمعي أو أن يفتح آفاقا نحو المستقبل.

فرد الأحمد: نعي ذلك تماما، وفي الحقيقة كنا نحاول خلال الحرب أن نصنع أفلاما سينمائية تؤرشف ما حدث ويحدث، كنا نعلم أن الحرب ستنتهي، كل حرب لها نهاية، ولكن هذه الحرب عندما تنتهي ستظهر أجيالا تريد معرفة ما حدث في السنوات الثماني الماضية، ورؤية الحقيقة بشكل مجرد ولذلك فإن الأفلام التي أنتجت في المرحلة الماضية تقوم بشيء من هذا، بتوثيق ذاكرة بصرية للأجيال القادمة لمعرفة ما جرى في سوريا، ولا يمكن أن نتصور أن ما حدث في سوريا لا يجعلنا نخرج بدروس وعبر نستفيد منها في صناعة المستقبل وإلا فإن الأمر كارثي.

لم أستطع وأنا أتحدث مع الوزير السوري أن أتجاوز أنه حفيد الشاعر الكبير بدوي الجبل، أحد عمالقة الشعر العربي في العصر الحديث.. فقلت له ماذا صنع لك التمازج بين الثقافة العربية الأصيلة التي تربيت عليها في بيت جدك بدوي الجبل والثقافة الإنجليزية التي اكتسبتها نتيجة دراستك للأدب الإنجليزي؟

تنفس الوزير ولم تغب عنه ابتسامة من تذكر بعضا من أمجاد أجداده وقال: كنت من الأطفال المحظوظين حيث نشأت في بيت ثقافي عريق، لقد تربيت بين قدمي جدي بدوي الجبل، فكنت أطل للأعلى لأجد قامات الثقافة والسياسة في بيتنا، هناك تعرفت على رجالات في الثقافة والفكر والأدب متميزين. وعندما أتممت دراستي الثانوية كانت توجهات أبناء جيلي دراسة الطب والهندسة لكن كان لدى جدي رغبة أخرى لمستقبلي، كان يريدني أن أدرس الأدب ولمّا قلت له الأدب الإنجليزي شجعني من أجل نوع من التمازج بين الأدب العربي والآداب الأخرى التي يمكن أن أكتسبها أو أطلع عليها عبر هذه الدراسة.. وسرعان ما وجدت نفسي أنخرط في العمل الأدبي والثقافي وهذا فعل يبدأ ولا ينتهي ولذلك في كل وقت تشعر أنك لم تبدأ بعد. لكن الوزير الأحمد يقول إن العمل الإداري انتزعه من القراءة التي يؤمن بأهميتها، رغم ذلك فهو ينتظر أن يلحق ما فاته بعد أن يخرج من العمل الإداري.

سألت الوزير والأمر كذلك في سوريا هل هناك توجهات لدى الشباب السوري نحو دراسة الأدب والفنون والمسرح والسينما أم أن أهوال الحرب جعلته يفكر في أمور أخرى. فكر الوزير قليلا قبل أن يقول: لا يخلو الأمر مما ذكرت، وهذا ما يحدث في الجامعات ومعاهد الفن، والمعهد العالي للفنون والآن نوشك أن نفتتح معهد الفنون السينمائية هذا موجود ومستمر ولكن في سياق الحديث عن الجيل الجديد ما يخيفني اليوم الانشداد الكبير من هذا الجيل نحو الأجهزة الجديدة ونحو وسائل التواصل الاجتماعي وهذا لا يحصل فقط في سوريا ولكن فيما يبدو في العالم أجمع.. هذا الجيل لا يمتلك القدرة على التأمل بالأشياء التي تحدث من حوله، وهو جيل فقد الصبر بفعل تقنيات العصر التي تحرمك من ميزة أثيرة هي التأمل.. رغم ذلك هناك طلاب يدرسون الأدب ويعشقونه كثيرا.

قلت له بشكل مباشر: أمام هذا الخوف من هذا الجهاز ومن هذه التقنيات هل هناك في سوريا اليوم حوار مجتمعي مفتوح عما حدث وما يمكن أن يحدث في المستقبل، حوار يجمع الفرقاء من أجل سوريا الحقيقية؟ الحرب خلقت الكثير من المفاهيم الخاطئة، والمواطن السوري تعرض خلال ذلك للكثير مما ليس هنا مكان الحديث عنه ولكن أعود وأقول لك إن هدفنا الآن هو إعادة إعمار الإنسان السوري عبر وزارات التنمية البشرية وهذا يحصل الآن، ووزارة الثقافة لا تستطيع وحدها تحقيق ذلك، الأمر يحتاج إلى تكاتف كل المؤسسات السورية من أجل صناعة مستقبل مختلف يكون الإنسان محوره الأساسي. ولدينا في سوريا وبالتعاون مع المجلس الأعلى للتخطيط مشروع مهم نعمل عليه اليوم وهو مشروع بعيد المدى لا يمكن أن تتأتى نتائجه بين يوم وليلة بل يحتاج إلى سنوات وهو يعتمد على بناء الإنسان قبل بناء الحجر.

قلت للوزير جميل هذا الإعمار، ولكن هذا يريد مؤسسات حقيقية ويريد جامعات حقيقية أيضا ويريد تغييرا جوهريا عميقا. ورد الأحمد سريعا: نحن أمام تحد كبير ولكن تجاوزنا الأصعب وأزمات خانقة كبيرة جدا ونحن متفائلون بأن يكون الغد أفضل بكثر من الأمس، والإنسان السوري قادر على إحداث التغيير فهو أثبت أنه إنسان استثنائي ولذلك لا خوف لا خوف.

ودعت الوزير وأنا أقرأ الكثير من التفاؤل بالغد على ملامح وجهه رغم كل ما مر على سوريا إنسانا وأرضا وتاريخا. وكنت واثقا أن بلدا مثل سوريا لا بد أن يستعيد مكانته التاريخية ذات يوم ويخرج كما طائر العنقاء من الرماد.