1338870
1338870
المنوعات

أولجا توكراتشوك .. عالمة نفس تكتب انطلاقا من الهوس

12 أكتوبر 2019
12 أكتوبر 2019

«عمان» تنشر حوارا مترجما مع الحاصلة على جائزة نوبل للآداب -

حــــوار: جون فريمان -

ترجــمة: أحمد شافعي -

أجري هذا الحوار خلال العام الحالي إثر ترجمة رواية «رحلات» لأولجا توكراتشوك إلى الإنجليزية ونشرها في الولايات المتحدة، وقد أجراه جون فريمان محرر موقع ليت هب وسط حضور من جمهور، وفي حضور مترجمة الرواية جينيفر كروفت. فريمان شاعر صدر له ديوان «خرائط» وكاتب صدر له «كيف تقرأ روائيا». وقد أعيد نشر الحوار أخيرا في موقع ليت هب إثر حصول توكراتشوك على نوبل.

جون فريمان: في براعة وغموض، ترتحل روايتك «رحلات» عبر الزمان والمكان. لك ثماني روايات، ومجموعتان قصصيتان، هل كان هذا هو الكتاب الذي لا يمكنك كتابته، نظرا لحجمه وما استوجبه من أسفار، إلا لو خضت تجربة الخفاء خلال السفر؟ هل بوسعك أن تكلمينا عن هذا؟

أولجا توكراتشوك: ظللت خفية إلى أن أدركت أنه لا بأس من تصفيف الواحدة شعرها في جدائل كثيرة. (ضحك) حينها بدأ الجميع يلتفتون إليّ ويسألونني عما يجري، فصار عليّ أن أشرح أن الأمر قديم للغاية، وأنه طريقة بولندية لتصفيف الشعر. شيء محلي جدا وما إلى ذلك. لكن نعم، أعتقد أن النساء عند عبورهن للأربعينيات من العمر، يصبحن جزءا من عالم الخفاء. ولهذه التجربة ـ كما توصف في كتابي ـ جوانبها الحسنة للغاية وجوانبها المقبضة. الجانب الحسن هو أن المرأة تصبح حتما ساردة بارعة، لأن أحدا لا يلاحظ مراقبتها إياه. فتكون لعينيها حرية الترحال في العالم ومراقبة كل شيء بدون، نعم، بدون أن يُلتَفَت إليها أصلا. وهذا وضع حسن جدا.

جون فريمان: هذا الكتاب مليء بالحواديت التي يبدو وكأنها جمعت ورتبت بقدر ما ألفت وحكيت ولا أعرف إن كان يمكن أن تعطينا ولو لمحة عن النسبة [نسبة المؤلَّف إلى الحقيقي]. لأن الراوية في حالات عديدة تكون في مدينة أجنبية مجهّلة وتنطلق في حوار مع مسافر. فهل تخترعين أصالة هذا الواقع أم أن كثيرا من أحداث الكتاب تستند إلى تجربة واقعية؟

أولجا توكراتشوك: الغالبية تستند إلى تجربتي في السفر، لكن ليس في كل شيء لأن الراوية نفسها مخترَعة، مرسومة. فمثلا، الأمر الأول عند كتابة رواية مركبة من أجزاء صغيرة، رواية تقوم على شذرات، أنه يكون على الكاتبة أن تقدم شيئا ثابتا. موضعا ثابتا واحدا في الكتاب. ثم إنني أدركت منذ البداية أن ذلك الشيء يجب أن يكون راوية شديدة القوة. وبالطبع اخترعت هذه الراوية من واقع، من واقع وجهات نظري، ورؤاي، وسماتي وما إلى ذلك. لكنني كنت على ثقة من أن هذه الراوية يجب أن تكون متعينة لدرجة أن ترد في مطلع الكتاب فقرة أعرض فيها تحليل دم الراوية. فيتسنى للقارئ أن يعرف حتى هذه التفصيلة العضوية المادية عن جسم الراوية. ليطمئن قلبه إلى أن هذه الراوية حقيقية حقا. نعم، كثير من هذه الرؤى ووجهات النظر يخصني أنا، ولكنني في بعض الأحيان كان عليّ أن أهرب من نفسي وأكون شخصا غيري. وهذه هي الحرية التي تنعم بها الكاتبة، وأحبها كثيرا، ولعلها السبب الحقيقي الذي يجعلني أفضل أن أكون كاتبة عن أن أكون عالمة نفس مثلا.

كان الأطفال أحرارا

جون فريمان: عندي فضول يا أولجا تجاه الرحلة الأولى في حياتك، فهل بوسعك أن تتذكريها؟

أولجا توكراتشوك: وأنا طفلة، وقد نشأت في زمن مختلف كل الاختلاف عن الزمن الذي نعيشه الآن، كان الأطفال أحرارا. كان بوسعهم أن يخرجوا إلى الفناء، ويمضوا بعيدا إلى الحديقة، ولم يكن يحيط بنا الشواذ ذوو الميول الجنسية إلى الأطفال. لا أعرف، كان العالم مختلفا. وهكذا، وأنا فتاة صغيرة كان يحلو لي استكشاف مكاني. كنت أخرج في رحلات قصيرة وطويلة وفي إحدى هذه الرحلات ذهبت إلى نهر أودر الذي كان في منطقتي، على بعد كيلومترين، أو قرابة الميل، من بيتنا. وانتابني للمرة الأولى في حياتي إحساس الغازية. إحساس الشخص شديد الجسارة، الشخص الذي يقوم بما لم يقم به أحد قبله. تلك كانت تجربة شديدة الأهمية لي في طفولتي. استكشاف العالم، وكذلك الاطمئنان إليه والثقة فيه.

أظن أن أطفال اليوم محرومون من مثل هذه التجربة، من استكشاف المكان المحيط بهم. لم أزل أتذكر اللحظة التي وصلت فيها إلى النهر، وبدا النهر هائلا بالطبع، ومسحورا. كان حدثا. قلت لنفسي «لقد فعلتها». لم يكن إلا ميلا ولكنها كانت خطوة كبيرة للإنسانية. (ضحك)

جون فريمان: في هذا الكتاب شيء يخص العناصر، ذلك الماء الذي يظل يظهر، والحيتان السابحة عبر الكتاب. يشعرك هذا وكأنها رحلة حقيقية، بالمعنى الكلاسيكي، تنتهي بالماء أو ترتحل عبره؟ ذلك ما نتوق إليه بطريقة ما؟

أولجا توكراتشوك: بالطبع. هذه استعارة لوعينا. الأمر تافه لكنني أظنه ناجحا: الماء حد، رمز للحدود التي يمكننا اجتيازها. السفينة استعارة أخرى، والقارب. اجتياز الماء في ظني لم يزل قائما دون الوعي المشترك، الوعي بالأمريكان. أنتم من منظورنا الأوروبي وراء الماء. لكن هذا شديد الأهمية. والماء أيضا مسطح، وخطير، لكنه في الوقت نفسه مثمر إذ يمنحنا القوة لإنماء النبات. فهو إذن حاوية للمعاني لا تنضب. وبالنسبة لي، أعتقد أنني اكتشفت في خرائط طفولتي، أي مبكرا جدا، أن أشكال الأنهار تشبه أشكال الأعصاب البشرية، والعروق البشرية. هذا الكتاب له جذور شديد العمق في الكسور. في كون الأشياء الضخمة شديدة التماثل مع أصغر الأشياء. ومن ثم فنحن نعيش في نموذج مصغر متصل.

الهرب من الكتابة

جون فريمان: عندي فضول، قبل أن نتعمق في هذ الكتاب، أنت درست علم النفس وأثر هذا أيضا حاضر في الكتاب في حياة الراوية المخترَعة. وقرأت أن كارل يانج مهم عندك بصفة خاصة. على أي نحو ترك هذا أثرا في طريقة حكيك للقصص؟

أولجا توكراتشوك: أمي كانت أستاذة للأدب البولندي، وكان مخططا لي أنا الأخرى، بطريقة ما، أن أدرس الأدب مثلها. لكن من حسن حظي أن خضت معها معركة مراهقة، كانت بمثابة تمرد كبير على أبويّ، وهذه حالة صحية تماما للعقل. فقررت أنني لن أدرس الأدب ولن تكون لي علاقة بالأدب. كان علم النفس مجالي، بغاية العمق، واقتنعت بأن أدرسه. لكن عليك أن تراعي أن ذلك كان في مطلع الثمانينات في بولندا، وكان وقتا مقبضا إلى أبعد حد. قانون مارشال Marshall Law ، المتاجر الخاوية، حالة الكآبة العامة في بلدنا. فكان علم النفس أيضا مهربا من الواقع ولو بدرجة قليلة. وبالطبع كنت قد قرأت سيجموند فرويد في المدرسة الثانوية فكان صاحب أول أثر عليّ من علم النفس. فبغاية السذاجة فكرت أن كل دراستي في علم النفس سوف تقتصر على سيجموند فرويد. وبالطبع لا، فقد كنا في ظل حكم الشيوعيين، والوسط الأكاديمي، العالم الجامعي، كان يفضل التركيز على الفهوم السلوكية للبشر. لكن في ثنايا دراستي لعلم النفس سرعان ما بدأت العمل على حالات، مع مرضى. تطوعت منذ البداية الأولى. ثم اكتشفت أول اكتشافاتي الضخمة: أن الواقع قد يُرى من وجهات نظر شديدة الكثرة.

قد يبدو هذا تافها الآن، في القرن الحادي والعشرين، لكنه، قبل سنين كثيرة، كان ثورة بالنسبة لي. هذا معناه أنه ما من موضوعية، ولكن حسبنا أن نرى الواقع من وجهات النظر هذه. وأتذكر إحدى حالاتي الأولى ـ حالة أسرة وشقيقان يحكيان لي قصة تلك الأسرة. فجاءا بقصتين مختلفتين كل الاختلاف عن الأسرة الواحدة. ثم قلت «تمام. ما معنى هذا؟» أعتقد أنها كانت خطوتي الأولى إلى الكتابة لأنني مصرة على أن الكتابة هي البحث عن وجهة نظر معينة ومحددة في واقع واضح للكثيرين.

ما الذي يجري في أجسامنا؟

جون فريمان: واضح طبعا. اللافت في كتابك هو كيف أنه في مركز الكون يوجد هذا الصوت الذي يقودك عبر هذه القصص، ثم تنطق القصص بنفسها، ترتحل كل منها عبر خمس صفحات، وأحيانا أقل من ذلك، وأحيانا أكثر، وكيف في اللحظة التي تكتسب فيها القصص زخم التجربة المعيشة الثقيل، إذا بها تقطع ثم يرجع الصوت وتنطلق مجموعة أخرى من القصص. في هذا الكتاب يا أولجا كثير من عينات الجسد الإنساني، سواء المحفوظ في الفورمالديهايد أو المستنسخ في الفن، أو المبتور. عندي فضول ـ من الواضح أن لديك اهتماما أكيدا بالجسد.

متى توصلت إلى طريقة لربط هذا [أي الجسد] بأسئلة الترحال والتنقل الاستعارية والميتافيزيفية. فبالنسبة لي لم يحدث قط لهذا الربط بين الجسد القائم في الزمان والمكان على مدار أعمارنا ورغبتنا في تخليده عبر تحويله إلى عينة، وحركتنا في العالم وقدرتها على إشعارنا باللانهائية.

أولجا توكراتشوك: ليت بوسعي أن أجيب هذا السؤال ولكنني للأمانة لا أتذكر متى حدث أن بدأت أربط بين هذين الأمرين. لقد كتب هذا الكتاب في ما أعتقد قبل اثني عشر عاما أو ثلاثة عشر. أعتقد أن بداية هذه الفكرة كانت أزمتي في منتصف العمر. أتذكر لحظة في حياتي كنت أجلس فيها في غرفة الانتظار لأدخل إلى الطبيب بهدف إجراء تحليل ما، تحليل دم أو ما شابه. ثم أدركت أنني أعرف الكثير عن الفضاء الخارجي، من قبيل مواضع الكواكب، وأشياء كثيرة عن جغرافيا الأمازون وما إلى ذلك، ولكنني لا أعرف كيف يعمل كبدي؟ ما لون معدتي؟ كيف تجري عروقي تحت جلدي؟ أدركت أنه نقص معرفي صادم ولا بد أن كوننا لا نعرف أجسامنا أمر مقيت.

ثم حدث بالطبع وأنا أسافر وأبحث من أجل هذا الكتاب أن اكتشفت أن هذا الهوس قد استقر في أكثره في هولندا كلها. لقد شعر الهولنديون قبل نحو ثلاثمائة سنة بمثل ما شعرت به في غرفة الانتظار. ما الذي يجري في أجسامنا؟ لماذا هي لغز هائل بالنسبة لنا؟ ثم بدأت أدرس تاريخ التشريح. والحمد لله أن كانت لدي في تلك الفترة منحة في أمستردام فقضيت قرابة سنة في دراسة تاريخ التشريح. وثمة نقطة حاسمة للغاية في هذا الكتاب، اكتشفتها بالصدفة، وهي أنه في وقت واحد من عام واحد، هو عام 1574، ظهر الكتابان الكبيران ونشرا. أحدهما ـ وهو الشهير ـ هو الذي قال لنا كيف أقيم الكون وكيف يعمل، وفي الوقت نفسه صدر كتاب فيساليوس Vesalius «أطلس الجسم البشري» Atlas of the Human Body، وإذن في هذه اللحظة المحددة من ذلك العام، ارتبط الكونان الصغيران. وطبعا الكتاب قائم على حدس، ففي بعض الأحيان يصعب للغاية أن أفسر ما الذي عنيته حقا وكيف تم تصميمه. لكن نعم، هذا هو نوع الغموض القائم في تأليف كتاب كهذا.

لا يزال العالم لغزا

جون فريمان: كان من البواعث إلى شيء من الطمأنينة أن أحد علماء التشريح في الكتاب، بعد تشريحه ـ إنسانا أو حيوانا لا أتذكر بالضبط ـ قال إن الجسد ليس أكثر من ميكانيزم، آلية. لا أعرف إن كنت توافقين على ذلك. أرى شخصا يموت فيكون أول رد فعل لي «أوه، إن هذا إلا آلة مقدسة»، وفي هذا شيء من العزاء. فهل توافقين؟

أولجا توكراتشوك: لا، وتبدو لي وجهة نظر عفا عليها الزمن، أقرب إلى فجر عصر التنوير حين بدأ الناس يرون العالم بضع آليات، دُمَى، عادات. في حين أعتقد أنه لم يزل لغزا. نحن لا نعرف ـ وإن يكن لدينا العلم وإن كنا نعرف إلى حد كبير كيف يعمل المخ، تبقى هناك مجالات كثيرة غير مكتشفة. لا زلنا لا نعرف إجابات أسئلة زماننا الكبيرة، الكبيرة بحق. كيف هو عمل الوعي، كيف يعمل؟ لماذا نشعر بالتمايز عن بقية الواقع؟ نعم، الوعي شيء لا يزال في غاية الغموض، في منتهى الغموض في رأيي.

جون فريمان: ثمة مشهد لشخصية في طائرة مع عالم فيزياء فلكية يدرس المادة المظلمة. هذا الكتاب مليء بمعلومات منذرة، وفي ذلك الحوار معلومة بأن في الكون من المادة المظلمة أكثر مما فيه من المادة الظاهرة، ثم ينظر الفيزيائي من الشباك ويقول «نحن أصلا لا نعرف لماذا هي موجودة» وكأنما الطائرة تطير عبرها. وأتساءل ـ هذا النوع من المعلومات يتوسل السؤال، هل القوس الذي نعيش تحته في الكون، هل هو قائم على الغموض، وأيضا على القليل من الإيمان؟ إيمان بالبداية، بداية الكون، أم أن في هذا إفراطا في السذاجة.

أولجا توكراتشوك: لا أعرف. ككاتبة، لدي شجاعة أن أطرح أسئلة ولا أعثر لها على إجابات لأن عليّ في هذه الحالة أن أغير مهنتي وأكون عالمة. وهذه حرية أكبر، أن أكون كاتبة. مجرد التساؤل، وعرض الغرائب. نعم، أرجوكم فكروا وأنتم تقرأون هذا الكتاب. واسألوا أنفسكم فقط ما الذي يجري.

أما أنا فأفتعل الهوس

جون فريمان: سأطرح سؤالا إضافيا أو اثنين، وأشك أن لديكم [أي الجمهور الحاضر للحوار] بعض الأسئلة أيضا. من الأمور الخرافية في «رحلات» أن الكاتبة قادرة على خلق الكثير من الحيوات بغاية السرعة، والقابلية للتصديق، ثم تتجاوزها وكأن ذلك أمر شديد السهولة. الأمر أشبه بطرح هذه التفاعلات العابرة الخاطفة مع أولئك الناس المثيرين للاهتمام الذين يتحتم عليكم أن تودعوهم، في رحلتهم، في قطارهم، في محطة الحافلات.

وأنا أفكر في البعض منهم، هناك رجل في إجازة مع زوجته وطفلهما على جزيرة بالقرب من كرواتيا. يتوه الولد والزوجة. هناك الرجل الذي لا بد من بتر ساقه، ولديه عرض الساق الوهمية. هناك رجل آخر لديه هوس بالفرج فيلتقط الصور لبنات أعتقد أنهن دون سن الرشد ولكنه في الوقت نفسه يجري أبحاثا في التشريح. فكأنه في مطاردة. وكثير من أولئك الناس في هذا الكتاب يبحثون عن شيء ضائع. وأتساءل إن كان بوسعك أن تتكلمي عن مقدرتنا على تحويل الغياب إلى سرد وما ـ بل أين تنهار هذه الوظيفة السردية وتتحول إلى هوس؟ لأنني أعتقد أن الهوس هو نقيض السرد. الهوس تكرار جملة مرارا وتكرارا، في حين أن في السرد إيضاحا.

أولجا توكراتشوك: أوه، أختلف معك. أعتقد أن الهوس سرد، لأن الحنان تكراري، أما الهوس فما كنت ... مستحيل أن يكتب كتاب كهذا بدون هوس. إنني أعمل على الهوس.

جون فريمان: وأنأ أيضا (ضحك)

أولجا توكراتشوك: نعم، بل إن لدي طقوسا لأضع نفسي في الهوس. الأمر أشبه بتعويذة ما، أتفهم؟ أكبر هوس عرفته في حياتي كان هوسا مرتبطا بـ»كتاب يعقوب». هوس طال لثماني سنوات، أتتخيل؟، لا أقرأ إلا أشياء مرتبطة بالقرن الثامن عشر، باليهود والثقافة اليهودية والصوفية وبداية التنوير في وسط أوربا. كان هوسا صعبا، شديد الصعوبة. الحمد لله أني نجوت من هذا ونتيجة الهوس كانت الكتاب. لذلك أنا مؤمنة بالهوس.

هل تؤمنين؟

جون فريمان: هذا أيضا وصف جيد للصلاة، كونها تحفظ الطاقة عند نقطة ما. وأنا أقرأ هذا الكتاب، أجد كثيرا من الناس يسعون وراء أمور شبه روحانية. رجل يذهب إلى الهند لأنه يريد أن يعثر على الشجرة التي وصل بوذا تحتها إلى التجلي، وهناك من يتلكمون أو يسألون ـ أعتقد أن الصلاة سؤال عن الله ـ خرجت من هذا الكتاب برغبة ملحة في أن أسألك إن كنت تؤمنين بالإله؟

أولجا توكراتشوك: (بعد صمت) أي إله؟ (ضحك)

جون فريمان: هذا برهان على الكتاب (ضحك) لا، لا أعتقد أنني أسأل عن كيان هائل، بل عن قوة ما، قوة إبداع وتنظيم ... ؟

أولجا توكراتشوك: نعم بالطبع، أكرر نعم، أنا مؤمنة. لكن من المؤكد أنه، أو أنها أو أن ذلك الكيان ليس شيئا شبيها بالبشر. بالتأكيد لا. لعله كيان يدهشه كل هذا الذي نقوله عنه.

أحلم برحلة إلى بيتي

جون فريمان: سؤال أخير، أما وأن هذا الكتاب عنوانه «رحلات»، ويملؤني رغبة في الترحال لأن الكاتبة تتكلم كثيرا عن الرحلات في هذا الكتاب كأنها رحلات حج، والمرء حينما يرى مشواره اليومي رحلة حج، فإنه بغتة ينظر حتى إلى ركام طريقه نظرة مختلفة. لو أننا أنا وأنت جالسان أمام إحدى تلك اللوحات العملاقة في المدن التي نسافر منها وبوسعك النظر إلى لوحة تكاد تكون بلا نهاية، فأي المدن يبعث اسمها فيك الرغبة في بدء رحلة؟

أولجا توكراتشوك: عليّ أن أفكر قليلا. لا أعرف حقا. لقد تغير رأيي كثيرا خلال تلك السنوات العشرة أو الاثنتي عشرة والآن عندي بيت في بولندا في القسم الجنوبي من بولندا، وهو ذلك الذيل الصغير الذي يظهر في خريطة أوروبا. وهذا الجزء من بولندا لم ينتم قط إلى بولندا تاريخيا. كسبنا هذا الجزء البولندي قبل الحرب العالمية الثانية على سبيل الهدية من يالطا في مقابل ضياع جزء ضخم كما تعلم من الأرض في الشرق. أعيش هناك إذن في بيت قديم هو الآن في طور الترميم، وكل يوم أتصل بزوجي من الولايات المتحدة لأسأله عن السقف والأنابيب والشبابيك وما إلى ذلك. لذلك أعتقد أنني، أنني أحلم بالرجوع إلى هناك والاهتمام بكل تلك الترميمات. (ضحك) وجهة مختلفة كل الاختلاف.