أفكار وآراء

ثواني وادي السيلكون العماني

09 أكتوبر 2019
09 أكتوبر 2019

آن بنت سعيد الكندية -

Twitter: @Annalkindi -

سلسلة مقالات حول الفنتك «ثورة التكنولوجيا المالية»..

ما هو النجاح؟ أن تُشهر سيف عزمك في وجه العقبات والمثبطات، وتعاود النهوض بعد العثرات، وتطرق الباب مرات ومرات، وتثبت برباطة جأش في طول انتظار الفرج، هذه هي قصة ثواني ماجد العامري. هذه هي ريادة الأعمال وإن كثرت تعاريفها وكتاباتها وتصانيفها. لكل بيئة ظروف تُقهر فإذا قرأتم مارك زوكربيرغ فاقرأوا للمبتكر العماني لتعرفوا كيف يهزم العقبات. الشغف هو الدافع الأصيل فإن كنت لا تحب وتؤمن بما تعمل فأنت تقتل وقتك في الدوام، والهدف النبيل هو سر الاستدامة في الأعمال وإلا كانت أهدافًا آنيةً تنتهي بانتهاء المصالح.

ثواني فنتك عماني المنشأ بدأ قبل أن يفكر الصينيون بتدشين منصة الدفع في الوي تشات عام 2016-المنصة التي تقدر قيمتها بـ60 مليار دولار بحسب دراسة هارفردية متخطية سعر الواتس أب الذي استحوذ عليها الفيس بوك بمبلغ 19 مليار دولار-. بدأ التخطيط والعمل عليها مع بذور التكنولوجيا المالية في وادي السيلكون الأمريكي من بعد الأزمة المالية في 2008. من الطبيعي ألا تكون التشريعات المحلية جاهزة لاحتضان هكذا أفكار فكان دخول السلطنة في الاستثمار الجريء عام 2016 بإنشاء الصندوق العماني للتكنولوجيا.

اليوم لدى ثواني أكثر من 11 ألف مشترك ويبلغ حجم العمليات 350 ألف ريال (ما يقارب المليون دولار) ويعمل بها أكثر من 18 موظفا عمانيا محققة نسبة تعمين بحوالي %90 . تنجز ثواني جميع معاملات الدفع التي تقوم بها البنوك بسرعة أكبر، وأكثر أمانًا. كيف ذلك؟. هناك ثلاثة خيارات للدفع أمام الأفراد أو المؤسسات، إما النقد أو بالبطاقة الائتمانية أو إلكترونيًا online. يتطلب من المؤسسات الصغيرة التي في خضم كل تحدياتها أن تخاطب البنوك لمدة قد تصل إلى ستة أشهر للإيفاء بالخطوات المطلوبة للحصول على خدمة الدفع الالكتروني online وهذا يعني أيضًا أن يكون صاحب المشروع لديه موقع إلكتروني ثم يتطلب مبرمجين مختصين لربطه ببوابات الدفع الإلكتروني Payment Gateway. جميع هذه الخطوات انتهت لتكون في ثواني معدودة بهاتفك النقال تبيع منتجاتك من البيت، وتصل لك المبالغ من أي مكان في العالم دون تعقيدات بنكية لا يتطلب منك تاريخ انتهاء البطاقة أو إدخال البيانات في كل مرة.

بضغطة زر واحد استطاعت مؤسسة كبيرة مثل شركة النفط العمانية للتسويق أن تتكامل integration وحدتها المالية مع جميع محطات الوقود بتوقيعها اتفاقية مع ثواني موفرًا عليها تكاليف إدارية وتشغيلية. تستطيع أن تملأ خزان وقود سيارتك برقم السيارة فقط دون أن تدخل أي بيانات أخرى وهو في الغالب سيكون محفوظًا في ذاكرة هاتفك. وأليس ذلك استغناء عن قوى عاملة زائدة؟! وأليس ذلك توفيرًا للمبالغ كبيرة ومراقبة عالية الفعالية؟!. انتهت العمليات المحاسبية مثل تسوية الحسابات account reconciliation وعليه فقد ارتقت خطوات التدقيق المالي وأصحبت أكثر دقة. كان لشركة حيا السبق من بين الشركات المملوكة للحكومة في رفع كفاءة تحصيل المدفوعات بتوقيع اتفاقية مع ثواني. تمكنت ثواني من بناء نظام متكامل في غضون شهرين على أن تغطي ما يقارب 60 موقعًا لتفريغ مخلفات الصرف الصحي بعد أن كانت عمليات الدفع نقدية ويصعب تعقبها. كم هي استفادة السلطنة من وجود نظام مدفوعات رقمي عماني متقدم في رفع كفاءة الإنفاق والتحصيل الحكومي؟!. الثورة الصناعية الرابعة لم تعد في المؤتمرات بل هي في الواقع العماني متى ما وجد لها البيئة الحاضنة. وادي السيلكون الأمريكي المنشأ لم يتم التخطيط له بل مجموعة من العوامل هي من أسهمت بجعله قِبلة الشركات الناشئة أهمها وجود جامعات قوية كما يراه خبير التقنية د. علي الشيذاني. انبثق الوادي الأمريكي من جامعة ستانفورد Stanford University وجامعة كاليفورنيا بركلي University of California, Berkeley التي كان من المفرح توقيع جامعة عمان معها إنشاء مركز تدريب الذكاء الاصطناعي. درست هذه الجامعات علوم وهندسة الكمبيوتر مما أسس لوجود الكفاءات ثم إنشاء شركات التقنية وهي العامل الثاني وهناك كانت بداية الإنترنت والأبحاث التي تجري على الشبكات. العامل الثالث: المستثمرون المخاطرون وهم أساس اللعبة التي تشكل بيئة جاذبة روجت لأهمية القبول بالفشل. الدول التي حاولت خلق وادي السيلكون بعضها لم ينجح، ذلك أن لكل دول ظروفها وتحدياتها ونقاط القوة التي ينبغي أن تستفيد منها. توفر العوامل كفيل بإنشاء وادي السيلكون ما إذا انطلقت من هدف أكبر وهو بناء اقتصاد مبني على المعرفة معتمدًا على عقول أبنائها مستقطبًا عقولا عالمية بما يحقق الاستدامة في النمو. فكيف نستفيد من تجربة ثواني في إكمال مكونات وادي السيلكون العماني؟. فخلق بيئة محفزة للمشاريع الناشئة له أصوله وأساسياته التي تأتي مراحل دعمها المالي إحدى خطواتها فقط.

جميع هذه المكونات والعوامل لم تكن متوفرة حين بدأت ثواني، فهي قصة مُلهمة بجميع المقاييس لرواد الأعمال، وللشركات الناشئة وللمستثمر ولواضعي السياسات ومتخذي القرارات. تغلب مؤسس ثواني على العقبات التشريعية والمالية والجاهزية للبنية الأساسية الرقمية والبنية غير المرئية بنقص في الكفاءات المبرمجة وغياب الوعي المجتمعي والرسمي بالفنتك كونها موضوعًا جديدًا من الأساس. لا يرخص القانون المصرفي العمليات المتعقلة بالمدفوعات إلا للبنوك فلم يكن لدى ثواني خيار وهي منصة للدفع الرقمي بالتغلب على هذه العقبة التشريعية إلا بوضع (ثواني) تحت الوصاية البنكية.

تتطلب فنتك ثواني تمويلا تعدى الربع مليون ريال عماني (وهو ما لا يقدمه حتى الآن الصندوق العماني للتكنولوجيا) في بدايتها التأسيسية وذلك لسد مصاريف البنية التحتية الرقمية، وهنا كان وجود المستثمر الملائكي محطة فارقة لخروج ثواني إلى النور. المستثمر الملائكي Angel Investor ليس مصطلحًا عاطفيًا بل هو استثمار فردي لشخص ثري لديه الجرأة على فقدان رأسماله كأحد السيناريوهات المحتملة. بالطبع هناك اختلافات ما بين المستثمر الملائكي وصناديق رأس المال الجريء VC كونها مبنيةً على أسس ومراحل، وهي أيضًا لم تكن متوفرة لثواني عند نشأتها.

تحتاج مشاريع الفنتك إلى مراكز بيانات Data Center وخوادم servers وجدران حماية الكترونية تسمى بالجدران النارية Firewall مما يتطلب تكاليف شهرية باهظة مقارنة بالتكلفة العالمية ذات البيئية التنافسية العالية. وبشكل عام تحتاج الفنتك الى بنية تحتية رقمية جاهزة لاحتضانها تماما كتلك الموجودة في المراكز المالية، حيث تقوم البنوك المحلية حاليًا بالاعتماد على مراكز بياناتها مما يتطلب منها تكلفة تشغيلية عالية لصيانتها والإشراف عليها. كان التغلب على هذه العقبة عبر تحمل مصاريف تشغيلية كان بالإمكان تفادي اكثر من 70% منها. أما التغلب على عقبة البنية الرقمية الناعمة أو غير مرئية المتمثلة في نقص المبرمجين ذوي الكفاءة العالية بين الخريجين فتطلب إنشاء النسخة الأولى لثواني خارج السلطنة وتدريب مستمر للمبرمجين الجدد بإشراف مبرمجين عمانيين أصحاب خبرة متراكمة لا يجتذبهم العمل لدى شركة ناشئة. يعني ذلك ارتفاع التكلفة لمصاريف استشارية وتوظيفية لمدة طويلة حتى يقف فريق ثواني على قدميه بثبات ليطلق نسخ متجددة تنقل نظام المدفوعات إلى المستوى العالمي.

كما وعدتكم في مقالي السابق بالحديث عن قصة نجاح ابتكار عماني رغم التحديات، فكان وجود السحارة الرملية سيختصر خطوات على المشرعين. كان على ثواني أن تجتاز جميع العقبات وتفي بجميع الالتزامات القانونية والتشريعية المعقدة مما تطلب منها عمل دؤوب لمدة خمس سنوات منذ أن طرقت باب الجهات المعنية في 2013 ليتم تدشينها في 2018 تحت مظلة بنكية على أمل تجاوز جميع المعوقات بإصدار قانون نظم المدفوعات الوطنية الجديد الصادر في فبراير 2018 بمرسوم رقم 8-2018، والذي تُنتظر لوائحه.

ما كان المستثمر الملائكي ليقتنع لولا التضحية التي ضحى بها مؤسس ثواني تاركا عمله الوظيفي المجزي يدفعه شغفه وإيمانه بقدراته التي صقلها برنامج شلمبرجير Schlumberger المتميز من بين شركات النفط. تضع شلمبرجير الخريج من أول يوم في واقع الحياة إما يتخطى الامتحان او يرجع بيته. بعدها توليك المسؤولية شيئا فشيئا على الميدان وتحت إشراف مباشر مع إعطائك مجالًا للتعلم من أخطائك. يتسم هذا البرنامج التدريبي الصارم ببناء خبرات متعددة لدى المتدرب بما تمكنه من إدارة المشاريع كاملة بنواحيها التشغيلية والمالية والإدارية. ليس هناك دورة تدريبية تعلمك حس المسؤولية ولا القدرة على التأقلم مع الظروف الصعبة إنما هي بيئة العمل المهنية التي تصقلك تحت ضغط المسؤوليات.

أدرك المستثمر الملائكي بوعيه المستنير أن الاقتصاد العالمي يمر بمرحلة تغيير مصيرية تخلق فرصا غير مسبوقة فخرج عن الاستثمار التقليدي للشركات العائلية مؤمنا بقدرات الشباب العماني، فهل ستكون ثواني أول شركة عمانية ناشئة أحادية القرن Unicorn startup تلك التي تتجاوز قيمتها السوقية المليار دولار؟.

نحن في خضم ثورة صناعية رابعة يواكبها حراك تقني محلي سيكون من الجميل أن يستحدث وسام تقني يضاف إلى قائمة الاستحقاقات الممنوحة تشجيعًا للشباب العماني المبتكر، وما مؤسس ثواني إلا أحد المستحقين عن جدارة.