رندة_صادق
رندة_صادق
أعمدة

عطر : منطق الاحتمالات

02 أكتوبر 2019
02 أكتوبر 2019

رندة صادق -

كل شيء في هذه الحياة المليئة بالمتناقضات له وجوه عديدة واحتمالات كثيرة، ومن غرابة الأمور أننا قد نبني كامل حياتنا على احتمالات نغلفها بالأمنيات ونزيّنها بالترجي، أو نغدق عليها من خوفنا وحذرنا فتتشعب الاحتمالات لكي نجرؤ على اتخاذ قرار صائب في أمور حياتنا ومصيرنا، النجاح والفشل كالموت والحياة متوازي الوجود ومتلازمان يعرف كل منهم من التضاد القوي الذي يحملانه وينشطران عاموديا ليوضحا عبثية الأمور وغرابتها.

ان تتخذ قرارا ما في أمور حياتك اليومية أو مستقبلك هذا يعني أن تمر بعملية معقدة من الاحتمالات والنظريات، الخوف كل الخوف من تبعيات القرار الخاطئ. طبعا هناك شرح وتفصيل علمي وفلسفي وحتى نفسي لمنطق الاحتمالات، لكن له ناسه من علماء المنطق والتحليل النفسي والتوجيه والتدريب ومن قواعد معقدة، أما ما سنتعرف عليه اليوم هو شرح انطباعي لما يحدث معنا جميعا في كل تفاصيل حياتنا أو ملاحظات تكونت من خلال تقاطع مع قصص ومواقف وأحداث نعيشها غالبا جميعنا.

هناك أربعة أنواع من الناس تقع في فخ وتأثير احتمالات اتخاذها القرارات المناسبة: النوع الأول هو نوع قلق شديد الحذر يتحرك بدوائر صغيرة تكاد تخنق قدرته على إتقان اختيار الاحتمال المناسب، فيُضيّعون أصحابه في أحيان كثيرة فرصهم الذهبية لأنهم يضعون أمامهم احتمالات عدة قريبة ومتشابهة فيختلط برؤوسهم الحابل بالنابل، ويصبح من المستحيل أن يصيبوا هدفهم الذين يثابرون عليه في قراراتهم لأنهم فقدوا الحس الذي يحرك اختياراتهم.

أما النوع الثاني فهو نوع دقيق يفصل الاحتمالات ويدقق بها ويخضعها لكثير من التمحيص ويخترق دروعها فيفصل الاحتمال ويضع له احتمالات، وفي نهاية الأمر يرغب في دعم قراراه بطرح احتمالاته والتشاور بها راغبا بثناء على استراتيجيته وكأنه يحمي نفسه اما ان فشل، سيضع اللوم على من أيده وآمن به إذا هو يبحث عن غطاء لفشله وفوز فردي لنجاحه، هو حقا يحتاج للحظ ليحقق أمنياته ويحسم احتمالاته.

أما النوع الثالث فهو نوع متهور يستعجل النتائج ويقع في كثير من الفشل، لأنه غالبا لا يقدر عواقب قراراته ولا يضع احتمالات ممكنة نصب أعينه، فلا وقت لديه ويعمل وفق نظرية: «الفرص لا تأتي مرتين» تسيطر عليه روح المغامرة ولا يقيّم موضع قدمه وقد ينزلق الى ما لا تحمد عقباه.

أما النوع الرابع فهو النوع الواعي الذي يستخدم العلم وقواعده البحثية ضمن منهج عقلي يحسم الأمور بالنسبة له، وهو يدرك بكل قدراته العلمية النتائج ولا يقبل الا بالنتائج الحاسمة، ومع هذا ليس هناك من ضمانة أنه سيتمكن من النجاح في قراراته.

في نهاية الأمر ليس هناك ما يشير الى أن أي من النماذج الأربعة تملك القدرة على النجاح ومكوناته السرية. فهناك عوامل عدة تغير من نتائج القرارات التي خضعت لكل الاحتمالات الناتجة عن خوف أو عقل أو تهور هناك ما يعرف بالإلهام واتباع الصوت الداخلي الذي يحرك القرارات وقد يصيب الى حد ما لكنه يحتاج الى روح صافية لكي يبلغ صوته عقلنا الواعي فتنكشف الرؤية.

أما أهم ما يمكن ان ننظر إليه هو أن الحياة قائمة على الاحتمالات وقد تحمل هذه الاحتمالات فرضية الفشل والتعثر أو النجاح والتفوق، مع هذا كل ما علينا أن نفعله ان ننهض من جديد بحثا عن أبواب جديدة مغلقة يسكن الفرج خلفها ونناضل لفتحها وتخطي كل الحواجز التي تمنعنا من اتخاذ ما يناسبنا من القرارات، وكذلك تحتمل الاحتمالات والفرضيات السلبية والإيجابية دون أن ننسى ان لا منطق لأحداث الحياة.

[email protected]