Ahmed
Ahmed
أعمدة

نوافذ: قـضـايا عـالـقــة ..

17 سبتمبر 2019
17 سبتمبر 2019

أحمد بن سالم الفلاحي -

[email protected] -

كنت أستمع إلى برنامج إذاعي تبثه إحدى الإذاعات الناطقة باللغة العربية طرحت فيه قضية الشابة الفلسطينية «إسراء» التي قتلها أحد إخوتها بسبب وشاية مغرضة من ابنة عمها، وقد قتلت الشابة على أسرة المستشفى الذي أسعفت إليه بعد الاعتداء الأول من ذويها، دون أن تحرك إدارة المستشفى ساكنًا أثناء الاعتداء الثاني، كما ذكر في الخبر.

انهالت اتصالات كثيرة جدًا من عدد من الدول العربية، ومن بعض العرب المقيمين في الدول غير العربية وطبعًا كلها تندد بهذه الجريمة البشعة، وهذا التخلف المقيت، الذي لا يزال يتسلسل منذ ذلك العهد البعيد في جاهليته القديمة؛ إلى هذا العهد القريب في جاهليته الحديثة، وكأن كل عوامل التوعية، والمعرفة، والدين، والخبرة، والتقارب بين الشعوب لم تثمر عن أي زحزحة للقناعات المتصلبة، وعن أي إرباك في منظومة القيم البالية، حيث بقيت كل العصبيات، وكل الموروثات، وكل القناعات، وكل المنغصات، هي؛ هي؛ وعلى الإنسان أن يتلقى المأزق الناشئ ما بين جهله وجهله، وعصبيته، وعصبيته، وتصلفه؛ وتصلفه، ونرجسيته؛ ونرجستيه؛ ويقينا؛ لن يشاركه أي مخلوق على هذه الأرض لا مؤازرا، ولا مناقضا، وبالتالي فعلى هذا الإنسان أن يعالج نفسه، إن أراد لحياته معنى، وإن أراد أن يستقيم مع سنن الكون، التي تسير كلها وفق تراتبية رائعة، ووفق منظومة متوافقة، ووفق أداء إيجابي لا مثيل له. كل الآراء التي طرحت في البرنامج، وأغلبها من النساء، تدعو إلى حتمية تطبيق القوانين الخاصة بحماية المرأة، وأن المرأة في كل الدول العربية؛ إلا في استثناءات محدودة جدًا؛ تعاني من ظلم الرجل، وتعاني من محاربة القيم الشاذة عليه، وتعاني من تسلط ذوي القربى، وأنها؛ على الرغم؛ من هذا العمر التوعوي المكتسب الذي مر بها كلا النوعين، لم تسفر عن أي ارتباك في القناعات المتصلبة ضد المرأة، بل بالعكس كلما قطعت البشرية عمرا حضاريا متقدما، كلما نمت الـ«الجندرية» بين النوعين، وبشكل مخيف، وكأن الكائنين (الذكر والأنثى) يولدان للتو، وأنهما لم يقطعا عمرا زمنيا ممتدا، منذ أن خلق الله أبواهما (آدم وحواء) منذ نشأة الإنسانية على كوكب هذه الأرض.

فـ«قضايا» الطرفين لا تزال عالقة، تجاذبات غير متكافئة، ومبررات غير مقنعة، واتهامات متبادلة، ونداءات بالمساواة غير متفق عليها، وشهوات مستعرة، وتوظيفات غير موفقة تكرس معنى الاختلاف، والتضاد، وهناك حالة نمطية فيها غالب أبدا؛ ويمثلها الرجل؛ ومغلوب أبدا؛ وتمثلها المرأة، هناك عادات ترى في المرأة كل نقيصة، وترى في الرجل كل ردم لمثلبة، تقيمّ المرأة بجسدها، لا بفكرها واشتغالاتها الماكنة في الحياة، ويقيّم الرجل بذكوريته، لا بعطائه، وخلقه، وهكذا تستمرئ معظم المجتمعات الإنسانية هذه الصورة المتهالكة، وتضعها عنوانًا عريضًا لاجتماعيتها المهترئة، مخالفة بذلك القيم السامية التي ينادي بها الدين الذي يعز كلا الطرفين، ويجل قدرهما في هذه الحياة.

أغلب المتصلين حملوا الأسرة مسؤولية إخفاق هذه العلاقة بين الطرفين، فالأسرة هي التي تنشئ الأنثى على خضوعها المطلق للذكر، وحتى وإن كان هذا الذكر هو الأصغر سنًا، وتنشئ الذكر على روح الاستعلاء على الأنثى، ولو كانت هذه الأنثى أكبر منه سنا، فمن باب العيب أن تؤمر الأخت أخاها، ولو كان يصغرها سنا، بينما لو حصل العكس، فذلك أمر مقبول، وهذه الإشكالية القيمية لم يستطع التشريع الحديث أن يتجاوزها، وتظل كل الممارسات المتصادمة مع التشريع في هذه المسألة بالذات في حكم الاستثناء بصورة دائمة، وبالتالي فالخروج من هذا المأزق العلائقي بين طرفي المعادلة (الذكر والأنثى) ليس يسيرا، وإرباك القناعات في هذا الاتجاه سيقابل بالرفض الشديد، فالسلطة الذكورية سلطة مستأسدة، في كل المجتمعات التقليدية، ولا مخرج من مأزقها على المنظور القريب.