Ahmed-New
Ahmed-New
أعمدة

نوافذ .. حتى لا يكونوا غرباء

27 أغسطس 2019
27 أغسطس 2019

أحمد بن سالم الفلاحي -

[email protected] -

يوصف الفقراء بأنهم: «أشد غربة في أوطانهم؛ وحيث ما حلوا غرباء» ولربما يأتي هذا الوصف لأن كثيرين منهم، كما وصفهم الله سبحانه وتعالى: (للفقراء الذي أحصروا في سبيل الله لا يستطيعون ضربا في الأرض يحسبهم الجاهل أغنياء من التعفف تعرفهم بسيماهم لا يسألون الناس إلحافا، وما تنفقوا من خير فإن الله به عليم) – الآية (273) من سورة البقرة – وهذه الآية وإن كان نزولها في فقراء المدينة؛ حسب شرح التفسير، إلا أن أغلب الآيات ينظر إليها بعموم اللفظ، لا بخصوص السبب.

لا تزال صفحات وسائل التواصل الاجتماعي، وخاصة «الواتس أب» تتوارد عبرها كثير من الحالات المعسرة من أفراد وأسر أبناء المجتمع، تحمل نداءات استجداء واستغاثة، فمنهم من فقد المعيل، ومنهم من تعثرت جهوده في الحصول على عمل يكفيه شر المسألة، ومنهم من وجد نفسه المعيل الوحيد لعائلة يتعدد أفرادها، وأكثرهم صغار السن، إلى غيرها من الحالات، وكما ألاحظ أن جل هذه النداءات لا تصدر من الأشخاص ذاتهم في كثير من الأحيان، وإنما هناك من يتبنى قضيتهم، ويوصلها إلى الرأي العام، في الوقت الذي تتنافس فيه الجهود الخيرة من أبناء المجتمع أنفسهم؛ سواء عبر الجمعيات الخيرية المسجلة رسميا، وغير المسجلة رسميا، وكذلك عبر تلك الأيادي البيضاء التي كما وصفها الرسول صلى الله عليه وسلم في حديث السبعة الذين يظلهم الله في ظله: «ورجل تصدق بصدقة فأخفاها، حتى لا تعلم شماله ما أنفقت يمينه» وفي مقدمة كل هؤلاء الدور الإنساني الواجب الذي تقوم به الجهات المعنية المختلفة، فعلى سبيل المثال؛ لا الحصر، «كشفت وزارة العدل عن حجم المبالغ المودعة من جميع المحاكم الابتدائية بمختلف محافظات السلطنة لحسابات الأيتام والقصر في المديرية العامة لإدارة واستثمار أموال الأيتام والقصر خلال الفترة من يناير حتى يونيو من هذا العام 2019م وصلت إلى (6.758) مليون ريال، وبلغ حجم المبالغ المحولة إلى المحاكم الابتدائية في مختلف المحافظات خلال الفترة نفسها (5.382) مليون ريال كنفقات ومصاريف وسداد أرصدة من حسابات الأيتام والقصر» جريدة عمان في 15/‏‏6/‏‏2019م، العدد (13922)، وكذلك جهود وزارة التنمية، وهيئة الأعمال الخيرية، ونشاطها الواسع في هذا الجانب.

لذلك تستوقف المتابع مثل هذه القضايا الإنسانية ومثل هذه النداءات المستمرة، وبقوة حالتها الإنسانية في وسط مجتمع، لا يزال صغيرا، قياسا بعدد السكان، ولا يزال متكاتفا قياسا بحالة اللحمة الاجتماعية التي تسود أفراده، ولا يزال منتصرا للخير بما يعرف عنه سخائه الإنساني المتواصل للقريب والبعيد على حد سواء، إذن وما دام الأمر كذلك فأين أوجه القصور تكمن؟ حتى تتيح لمثل هذه الحالات التي نحسبها قليلة أن تعلن عن معاناتها عبر صفحات وسائل التواصل الاجتماعي.

ربما يقول قائل: إنها تبرئ نفسها عن التسول؛ حتى على مستوى تقديم طلبها إلى الجهات المعنية، وأن من يتبنى قصتها آخرون، يرون أن لا محيد عن ذلك، وعند التسليم لهذه الرؤية - وإن كانت ضعيفة- هنا يحتم الأمر على المعنيين في الجهات المختصة، أن تتقصى سبل الوصول إلى هذه الحالات، نزولا لحالاتها الإنسانية ليس إلا، ويكون ذلك في حكم الواجب، وليس من قبيل الإحسان، فهذه مسؤولية هذه الجهات المعنية مجتمعة، ولا أتصور أن أحدا من موظفي هذه المؤسسات لا تمر عليه هذه النداءات عبر «مجموعات» هذه الوسائل مجتمعة، وذلك لاحتواء حالاتهم الإنسانية، وحتى لا تتاح الفرص لأصحاب النفوس الـ «خبيثة» للصيد في الماء العكر، وهم كثر، فحماية الأمن الاجتماعي مسؤولية الجميع، كل قدر استطاعته، وإمكانياته، فهؤلاء أبناء الوطن، والوطن لا يراهن على تعزيز مختلف مكتسباته إلا من خلال أبنائه الأوفياء المخلصين، وهم كثر أيضا.