adel
adel
أعمدة

سأكون إلى جانبك

20 أغسطس 2019
20 أغسطس 2019

عادل محمود -

الأفكار تخلق المصائر وتقودها، تذكرني هذه الفكرة بتطبيقات لها في الواقع. الأسبوع الفائت نجح كابتن طائرة روسية ضخمة، في إنقاذ 230 راكبا من الموت، بعد أن دخل سرب طيور في المحركات فعطّلها، واضطر الكابتن للهبوط في حقل ذرة، وقد اتخذ هذا القرار خلال عدد من الثواني المتاحة قبل انفجار الطائرة وحريقها.

كانت فكرة الطيار هي: «أنا تدربت على الطوارئ والاحتمالات. إذا لم أنجح فلأنني لم أتعلم جيداً، وربما كنت أشرد في المحاضرات». لقد ذكرني حادث الطائرة الروسية بطائرة البريد الفرنسية التي كان يقودها الطيار الكاتب «أنطوان دو سانت أكزوبيري» صاحب الكتاب الأجمل: «أرض البشر». عندما نجا من الموت بعد سقوط الطائرة في جبال الأنديز، جنوب متاهة الأمل.

قال: سأمشي.. لأن كل من أحبهم يتوقعونني أن أمشي، وأنا لن أخذلهم. ومشى ونجا في واحدة من مستحيلات الجغرافيا.

وذاكرتي تقود إلى حادثة أخرى، ففي عام 1989 ضرب زلزال إحدى مدن أرمينيا، وكان من بين أقوى الزلازل في القرن العشرين. فخلال عدة دقائق قتل 25 ألف شخص، وتحولت منطقة واسعة إلى خراب، بما في ذلك المدرسة التي يدرس فيها ابن الفلاح الأرمني «أرتين» الذي نجا لأن بيته بعيد عن مركز الزلزال، واقتصر الأمر على تصدع الجدران. ذهب أرتين إلى المدرسة فرآها حطاماً، وبعد احتمال الصدمة الأولى، تذكر جملته التي كان يرددها دائماً لابنه «سأكون دائماً هناك إلى جانبك».

استنهض «أرتين» المفجوع قوة إرادته. وحدد مكان الصف الذي يقع في آخر زاوية من المدرسة، وبدأ بإزالة الأنقاض بيديه العاريتين، وسط ذهول الآباء والشرطة، وهم يحاولون منعه من المحاولة لأن الجميع دفنوا تحت الركام وماتوا. وكان يقول لكل من حاول إقناعه، ليس بعبث المحاولة، بل بخطورتها، كان يزداد إصراراً ويقول هذه الجملة: «ساعدني أو فاصمت». واستمر يحفر ويزيل الأنقاض حجراً حجراً بيديه النازفتين، حتى بانت فجوة يستطيع أن يدخل منها، فصاح ينادي: «أرمان» فأتاه صوت يقول: «أنا هنا يا أبي» ثم سمعه وهو يردد لزملائه في الصف «أما قلت لكم لا تخافوا فإن أبي سيأتي وينقذني؟» فهو كان يقول لي: «أينما كنت توقع أن أكون إلى جانبك».

مات من التلاميذ 14 تلميذاً، وخرج 30 كان آخرهم «أرماند». لو تأخر إنقاذهم عدة ساعات لماتوا جميعاً. الآن أرتين متقاعد. وفي شيخوخته يأتي لزيارته المهندس -الطفل-«أرماند» فيداعبه: الآن أنا من يقول لك: «أينما كنت سأكون إلى جانبك».